الجزيرة - الثقافية
تواصل «الثقافية» سلسلة كشف المستور في منظومة الفساد الثقافي الذي برزت مؤخراً سوءته بصورة مخجلة ومزرية للغاية تمثَّلت في السطو على منجزات علمية منهجية تأليفية واضحة وليس مثلما اعتاد المشهد الثقافي العام على تداوله من حين إلى آخر حول سطو شاعر أو سارد على آخر في نص أو فكرة أو جزء من عمل..
الثقافية تتساءل: هل سننتهي إلى بعض حملة حرف «الدال» المعترف بها من الأساتذة الأكاديميين لنكتشف أن تلك الدالات جاءت عن طريق السطو المنظم؟
أن يتسلق أحد صغار الطلاب على أكتاف آخرين ممن سبقوه، تلك جريمة أدبية مقيتة،ولكننا نلتمس لها أعذاراً أهمها الحداثة في ميدان الطلب، واستعجال الظهور والشهرة،وعندما يتلصص باحث على فكرة آخر فيطوّرها ويدسها بين أفكاره ويثرثر حولها الكلماتلتضيع وسط الضجيج فتلك جريمة أخرى، ولكنها مسوغة أيضاً (بتوارد الخواطر) والإفادةمن أفكار الآخرين، وبمقولة ما ترك السابق للاحق شيئاً ومقولة «وقع الحافر علىالحافر».
أما أن يسرق الكبارُ الكبار فهذا ما لا يسوغه أحد.. وبين يدينا اليوم سرقتان من هذاالقبيل، البطل فيهما واحدٌ، وصاحب الكتابين (الضحيتين) واحد.. البطل في السرقتين هوالأستاذ الدكتور، فاروق عبد المعطي، وكيل كلية الآداب - جامعة المنصورة (كما وصفعلى غلاف كتابيه)، وصاحب الكتابين المسروقين الإمام محمد أبو زهرة أكبر علماءالشريعة الإسلامية في عصره - كما يقول الزركلي في الأعلام - صاحب المؤلفات الكثيرة،المولود عام 1898م، والمتوفى عام 1974م.
فقد صدمتُ - وكأني لم أسمع بسرقة أدبية من قبل - عندما رأيت السرقة تتجاوز الأفكار،إلى الحروف والكلمات بل إلى السطور والصفحات والحواشي.. وذلك عندما وقع في يدي كتاببعنوان: «ابن حزم الظاهري» تأليف الأستاذ الدكتور.. فاروق عبد المعطي، وكيل كليةالآداب - جامعة المنصورة - عن دار الكتب العلمية - بيروت - ط1 - 1992م.
وقد فرحتُ بهذا الكتاب عندما وجدت اسم مؤلفه مصدَّراً بلقب (الأستاذ الدكتور) ظاناًأني سأجد بين دفتيه منهجاً بحثياً متميزاً، وأني سأجد فيه بعض ما لم أعرفه من قبلعن الإمام العظيم ابن حزم.. ولم أكد أقرأ مقدمة الكتاب حتى شعرت أنني قد قرأتها منقبل، فظننت لأول وهلة أنني قد قرأت الكتاب ذاته من قبل، وبشيء من المراجعة وجدتنيأقرأ مقدمة كتاب الإمام محمد أبي زهرة، فرجعت لكتاب أبي زهرة، فتحقق ما ظننت.. فلميكن كتاب الأستاذ الدكتور.. فاروق عبد المعطي سوى نقلٍ لكتاب أبي زهرة، نقلٍ تجاوزنقل الأفكار إلى نقل الحروف والكلمات من مقدمته إلى خاتمته، وقد تجاوز النقل ذلكإلى نقل الحواشي والفهارس، ولقد كان الأولى رصد مواقع الاختلاف بين الكتابين عندالمقارنة، لأنها تكاد تكون معدومة، فلا يوجد أي إضافة باستثناء الترجمات القصيرةلبعض الأعلام الذين وردت أسماؤهم في كتاب أبي زهرة، وتخريج بعض الأحاديث، وإن كانتهذه الإضافة غير مطردة، ولا سائرة على نهج بحثي واحد.
لقد كان من الممكن أن يكون هذا العمل شرعياً فيما لو تفضل الأستاذ الدكتور فاروقعبد المعطي، فجعل الكتاب تلخيصاً أو اختصاراً لكتاب أبي زهرة، أو لو أشار إلى هذهالنقولات في الحواشي، وإن كان ذلك سيكون شاقاً باعتبار جميع ما كتب منقولاً نقلاًحرفياً من كتاب أبي زهرة، غير أن الأستاذ الدكتور قد تجاهل كل ذلك، بل وتجاوزالتجاهل إلى التدليس على القارئ، وذلك بالإشارة المغلوطة إلى كتاب أبي زهرة بتسميته(حياة ابن حزم لأبي زهرة) بدلاً من تسميته بعنوانه حرفياً؛ كما نقل مضمونه حرفياً،وأورد المصادر مكتفياً باسم المصدر فقط أو المصدر والمؤلف، دون إشارة إلى رقمالطبعة ولا تاريخها، ولا الدار الطابعة.. ولا أظن ذلك اختياراً بل إن الأستاذالدكتور كان مضطراً إليه، لأنه فيما يبدو لم يطلع على تلك المصادر أو لم يطلع علىأكثرها، وقد خذله الإمام أبو زهرة عندما لم يورد ثبتاً بالمصادر سوى الإشارة إلىالكتاب ومؤلفه، ورقم الجزء والصفحة، فهو بالإضافة إلى هذا الاضطرار، ربما قصد منهذه التعمية ألا يكتشف القارئ بالرجوع إلى المصادر المذكورة أن المؤلف لم يطلععليها، وإنما نقلها من حواشي كتاب الإمام أبي زهرة رحمه الله، ولسوء حظ المؤلف، فإنأبا زهرة لم يذكر طبعات مصادره، بل لم يسجل في كتابه مسرداً بالمراجع أصلاً، وفيمايأتي وقفات يسيرة مع الكتابين المسروق والمسروق منه، لبيان، النقل الصريح - ولاأقول التشابه:
أولاً: المقدمة:
يقول الإمام محمد أبو زهرة في مقدمة كتابه، ص(3):
«أما بعد: فقد وفقني المولى العليم الحكيم، فكتبتُ في الأئمة الأربعة المجمع علىإمامتهم، والمتبعة طريقتهم في الاجتهاد والاستنباط، والمقتدي بهم من لم يبلغ شأوالمجتهد، ولا غاية المقتصد، فرضي بالاتباع مع معرفة الدليل، أو التقليد من غيردليل».
ويقول الأستاذ الدكتور. فاروق عبد المعطي في مقدمة كتابه، ص(5): «أما بعد: فقدوفقني المولى الحكيم العليم، فكتبت عن إمام الدنيا الإمام الشافعي رحمة الله عليه،وهو أحد الأئمة الأربعة المجتمع على إمامتهم، والمتبعة طريقتهم من الاجتهادوالاستنباط، والمقتدي بهم من لم يبلغ شأو المجتهد، ولا غاية المقتصد فرضي بالاتباعمع معرفة الدليل، أو التقليد من غير دليل».
وفي المقدمة أيضاً يقول الإمام أبو زهرة ص(4):
«إن ابن حزم فقيه ظاهري، أ حيا فقه داود الأصبهاني، وسلك به مسلكاً اتسم بسمته،فوسع رحابه وأيد فروعه بالأدلة، وناقض مخالفيه في أقوال صارمة ، وجدل غلب فيهالإفحام والإلزام …إلخ».
ويقول الأستاذ الدكتور. فاروق عبد المعطي في مقدمته، ص. ص(5 - 6): «وكان حقاً عليَّأن أكتب في إمام مجتهد هو ابن حزم، فقيه ظاهري، أحيا فقه داود الأصبهاني، وسلك بهمسلكاً اتسم بسمته، فوسع رحابه وأيد فروعه بالأدلة، وناقض مخالفيه في أقوال صارمة،وجدل غلب فيه الإفحام والإلزام …إلخ».
ثانياً: الموضوعات التي تناولها الأستاذ الدكتور في كتابه ومصادرها في كتاب الإمامأبي زهرة:
نقل الإمام أبو زهرة في كتابه ص(24) قول صاعد معاصر ابن الحزم، في معجم الأدباءلياقوت الحموي: «وكتب لي بخط يده أنه ولد بعد صلاة الصبح من آخر يوم من شهر رمضانوهو ابن ثنتين وسبعين سنة إلا شهراً..».
ثم يعلق الإمام أبو زهرة على هذا الخبر فيقول: «ونظرة يسيرة إلى ذلك النص تثبت أنثمة خطأ في النسخ، لأنه إذا كان الثابت أنه توفي في آخر شعبان سنة 456هـ كما هومذكور في معجم الأدباء، فإنه لكي يعيش ثنتين وسبعين سنة إلا شهراً يجب أن تكونولادته في آخر رمضان سنة 384هـ لا سنة 383هـ إذ على مقتضى أن ولادته سنة 383هـووفاته سنة 456هـ يجب أن تكون سنه عند الوفاة ثلاثاً وسبعين ولا تكون ثنتين وسبعين،وعلى ذلك يكون التحريف في النسخ ثابتاً بدليل من ذات نص ياقوت، وفوق ذلك فياقوت قداسند التاريخ إلى صاعد الذي أسند إليه الجميع، وحكوا عنه أن ابن حزم كتب إليه بأنولادته سنة 384هـ لا سنة 383هـ. وقد كان مولده بقرطبة بالجانب الشرقي»
واستمراراً في النقل الحرفي يورد الأستاذ الدكتور. فاروق عبد المعطي نص ياقوت كماهو ثم ينقل تعليق أبي زهرة حرفياً دون إشارة إليه، ودون أن يغير فيه كلمة واحدة،إلا أنه زاد زيادة نوعية عندما أضاف في آخر العبارة دعوته لابن حزم، ص(8) فقال:
«وقد كان مولده(رحمه الله) بقرطبة بالجانب الشرقي» بدلاً عن قول أبي زهرة المشارإليه ص(24): «وقد كان مولده بقرطبة بالجانب الشرقي».
وعند الكلام عن جنسية ابن حزم قال الإمام أبو زهرة في كتابه ص(24): «وعلى ذلك فهوقرشي بالولاء فارسي بالجنس، وإنه لذلك الولاء كان يتعصب لبني أمية، يعادي منعاداهم، ويوالي من والاهم وإن ذلك من الوفاء الذي كان في معدن ابن حزم..».
فلم يكتف الأستاذ الدكتور بالنقل الحرفي على منهجه في الكتاب دون نسبة القول إلصاحبه، بل تجاوز ذلك، إلى نسبة القول إلى نفسه في نص عبارته ص(9) فقال:
«وعلى ذلك أقول إن ابن حزم رحمه الله كان قرشياً بالولاء فارسياً بالجنس، وإنه لذلكالولاء كان يتعصب لبني أمية، يعادي من عاداهم، ويوالي من والاهم وإن ذلك من الوفاءالذي كان في معدن ابن حزم...».
وعندما كتب الأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي عن نشأة ابن حزم، نقل كلام الإمام أبيزهرة حرفياً، فلم يسقط شيئاً من الحروف أو حتى الفواصل، ولم يقف الأمر عند ذلكالنقل بل تجاوزه إلى أمر أخطر، ليس في موضوع النشأة فحسب بل في جميع جزئيات الكتاب؛وذلك أنه كان ينقل النصوص التي يستشهد بها الإمام أبو زهرة، ثم ينسبها إلى مصادرهاالتي نقلها أيضاً من حواشي كتاب أبي زهرة، مشيراً إلى الصفحات نفسها، والطبعاتذاتها؛ فطوق الحمامة كما هو عند أبي زهرة(طبع القاهرة) ومعجم الأدباء لياقوت (طبعالرفاعي) ولما أضاف أبو زهرة في حاشيته مشيراً إلى نفح الطيب للمقري (طبع فريدالرفاعي) وجدت الأستاذ الدكتور، يشير في نفس الموضع، في حاشيته إلى(طبعة فريدالرفاعي)، فلما أضاف أبو زهرة اسم(فريد) أضافه الأستاذ الدكتور، ولما أسقطه أبوزهرة أسقطه.
ولما نقل أبو زهرة عن نفح الطيب(طبع الأزهرية) في حاشيته ص(92) وجدنا الأستاذالدكتور يعتمد على نفس الطبعة في حاشية كتابه ص(46) ، فلما نقل أبو زهرة في كتابهصفحة (101) عن نفح الطيب(طبعة الرفاعي)، وجدنا الأستاذ الدكتور، يتخلى عن (طبعالأزهرية) ويدعي الاعتماد على(طبعة الرفاعي).
ولم تسلم حواشي وشروحات الإمام أبي زهرة من سرقة الأستاذ الدكتور، فعندما مر بكلامابن حزم عن نشأته في طوق الحمامة، نقله من كتاب أبي زهرة صفحة(28) فلما نقل قول ابنحزم: «ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب، وحين تفيل وجهي..» فلما نقل هذهالعبارة نقل معها شرح الإمام أبي زهرة لكلمة(تفيل) فلم تسلم هذه الحاشية من سطوالأستاذ الدكتور، فنقل حاشية أبي زهرة كما هي ووضعها في حاشية الصفحة(11) من كتابةفقال: «تفيل: معناها زاد أي كَبُرَ وجهه وتم نموه».
ولما مر الأستاذ الدكتور في نقله من كتاب أبي زهرة، برسالة ابن حزم في المفاضلة بينالصحابة، أشار الإمام أبو زهرة في حاشية الصفحة(260) إلى جهد الأستاذ سعيد الأفغانيرحمه الله فقال: «قد طبعها بدمشق مع ترجمة جيدة لابن حزم الأستاذ سعيد الأفغاني».
فنقل الأستاذ الدكتو ر هذه الحاشية، وضمنها حاشية الصفحة(85) من كتابه، مع بعضالتعديل في العبارة فقال: «قد أخرجها مستقلة، وقدَّمها بتاريخ لابن حزم الأستاذسعيد الأفغاني وهو إخراج متقن دقيق».
وعندما لخص الإمام أبو زهرة كلاماً من رسالة المفاضلة بين الصحابة، التي أشرت إليهاسابقاً قال بأمانة العالم في حاشية الصفحة(280): «لُخص هذا من رسالة المفاضلة بينالصحابة ص 174 إلى 180 «. ونجد الأستاذ الدكتور ينقل الحاشية كما هي، ليضمنها حاشيةالصفحة(99) من كتابه. وهكذا لم تسلم حواشي كتاب الإمام أبي زهرة أيضاً من سطوالأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي.
ثم يفيق ضمير الأستاذ الدكتور إفاقة خفيفة في الصفحتين(101 - 103) بعد غيابه مئةصفحة، حينما أشار إلى موقف أبي زهرة في المفاضلة بين أم المؤمنين عائشة، والسيدةفاطمة رضي الله عنهما، فقال: «قال الإمام محمد أبو زهرة في كتابه(حياة ابن حزم):أخالف ابن حزم، وأحسب قوله هذا من شدة رغبته الأموية، ومقاومته للشيعة، لأنهم كانوايدعون ما يدعون على أساس نسبتهم لفاطمة وعلي فأراد أن يبين أن هذين اللذين ينتسبونإليهما ليس لهما الفضل الأول..».
وإن كانت يقظة الضمير هذه غير كاملة، يدل على ذلك تسمية كتاب أبي زهرة بغير اسمه،فقد سماه(حياة ابن حزم لأبي زهرة) واسم الكتاب الحقيقي(ابن حزم، حياته وعصره -آراؤه وفقهه).
كما أن هذه الإفاقة لم تدم، فبعد أن نقل كلام أبي زهرة مشيراً إليه في الصفحة(103)عاد إلى النقل الحرفي دون إشارة، ابتداءً من السطر التالي مباشرة، وكأن قائل الكلامالسابق ليس هو قائل الكلام المنقول بعد ذلك، فنقل - بحرفية ودون أي تحفظ - قول أبيزهرة في كتابه صفحة(282): «يبين ابن حزم أن أفضل الصحابة بعد نساء النبي صلى اللهعليه وسلم أبو بكر، وينص على فضله على علي رضي الله عنه..».
وقد كان الأستاذ دقيقاً في حرفية النقل؛ فلا يكاد يسقط نقطة أو فاصلة، لكنه ربماأبدل كلمة بكلمة أو حرفاً بحرف، فاختل المعنى وفسد الأسلوب، والشواهد على ذلككثيرة..
وقد وجدت أن مصادر الأستاذ الدكتور هي مصادر الإمام أبي زهرة، طبعات وأجزاءًوصفحات، ابتداءً بطوق الحمامة لابن حزم، ثم نفح الطيب للمقري، ومعجم الأدباءلياقوت، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وطبقات ابن السبكي، ومقدمة النُّبذ للكوثري،إلا أن أبا زهرة كان يشير للنبذ بقوله: « النبذ لصديقنا الإمام الكوثري رضي اللهعنه « أما الأستاذ الدكتور، أسعفته نباهته فلم يدعِ هذه الصداقة.
وهكذا نجد الأستاذ الدكتور يعتمد في حواشيه على نقولات من حواشي كتاب أبي زهرة، حتىأنه لما نقل أبو زهرة من هامش النبذ للكوثري، وأشار إلى ذلك في كتابه صفحة(426)أشار الدكتور إلى الحاشية ذاتها ، فقال في حاشية الصفحة(130) من كتابه: «هامش النبذص(40)». وهنا أكررها أن حواشي كتاب الإمام أبي زهرة لم تسلم هي أيضاً من السطو.
وقد يقول قائل: وما يدريك لعله رجع إلى هذه النصوص في مراجعها الأصلية؟! فأقول: إنذلك لا يكون لعدة أسباب:
أولها: أن الكاتب الذي سطا على عشرات الصفحات دون أدنى إشارة إلى صاحبها، سوى ماذكرت من يقظة ضمير في صفحتين من كتابه ذي المئة والست والسبعين صفحة، تلك اليقظةالتي أعزوها إلى كون المنقول آراء شخصية فقهية وعقدية خالف فيها أبو زهرة الإمامابن حزم، ولم يكن بوسع الأستاذ الدكتور تبني هذه الآراء، لما يترتب عليها من جدل.
ثانيها: أنه لو بلغ المؤلف هذا القدر من الجدية في البحث، لوجدنا بين مراجعه مراجعأخرى، غير تلك التي رجع إليها الإمام أبو زهرة؛ للفارق الزمني بينهما، فخلال هذهالفترة صدرت كتب وبحوث ودراسات كثيرة عن الإمام ابن حزم.
ثالثها: أن الفارق الزمني الطويل - نسبياً - بين الكتابين الذي يبلغ نحو أربعينسنة، يجعلني أقطع مطمئناً بأنه يستحيل أن تتطابق طبعات - وبالتالي صفحات - مراجعالمؤلفَين، فقد كتب الإمام أبو زهرة مقدمة كتابه عن ابن حزم عام 1954م بينما صدرتالطبعة الأولى من كتاب الأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي عام 1992 م.
وبهذا فنحن أمام سطو واضح وسرقة ينقصها ذكاء السارق وحيلته، وربما ينقصها مبالاتهباكتشاف سرقته.
وهذا ما حدث أيضاً في كتاب آخر للأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي، بعنوان:(الإمامالشافعي) صدرت طبعته الأولى عن دار الكتب العلمية – بيروت لبنان – عام 1992م، وقعفي يدي، بعد أن قرأت إشارة المؤلف إليه في مقدمة كتابه عن ابن حزم المشار إليهآنفاً، فلما قرأت بعض فصوله وجدتُ الحادثة تتكرر، وإذ لم يتغير البطل في هذهالسرقة، فلم يتغير الضحية أيضاً، فهو كتاب للإمام محمد أبو زهرة – رحمه الله –عنوانه:(الشافعي حياته وعصره – آراؤه وفقهه) عن دار الفكر العربي – القاهرة – طبعةجديدة 1996م ويبدو أن الدكتور فاروق عبد المعطي، قد(ألَّفَ / نَقَلَ) هذا الكتابقبل كتابه عن ابن حزم، لأنه أشار إليه في مقدمة كتابه عن ابن حزم، الذي تناولتهبالمقارنة سابقاً.
ولقد كان نقل الدكتور عبد المعطي للموضوعات أو لأجزاء منها كما هي من كتاب الإمامأبي زهرة يجعل المقارنة سهلة إلى درجة الإملال، ولكنني سأكتفي بإشارات من بعضالموضوعات والفصول والعناوين والحواشي والإحالات، ولو طُلب إلىَّ تحديد أوجهالاختلاف بين الكتابين لشق ذلك عليَّ، فيما عدا الحذف الذي يتعمده الدكتور عبدالمعطي اختصاراً، وترجمته لبعض الأعلام الذين وردت أسماؤهم في النصوص التي نقلها منكتاب أبي زهرة.
وكما بدأ التطابق في كتاب(ابن حزم) سابقاً، من مقدمة الكتاب، بدأ التطابق هنا أيضاًمن مقدمة الكتاب، فمقدمة الدكتور عبد المعطي ما هي إلا مقتطفات من مقدمة أبي زهرةالتي كتبها عام 1944م. ومما جاء في هذه المقدمة: يقول الإمام محمد أبو زهرة فيمقدمة الطبعة الأولى الصفحة(5): «ثم اتجهتُ بعد ذلك إلى أثره الخالد، وهو فقهه،فكان له الحظ الأكبر من المجهود، إذ هو الغرض المقصود، والغاية المنشودة من هذهالدراسة».
ويقول الدكتور عبد المعطي في مقدمة كتابه الصفحة(4): «وقد وضحتُ والله المستعانأثره الخالد، أي فقهه، فكان له الحظ الأكبر من المجهود، إذ هو الغرض المقصود،والغاية المنشودة من هذه الدراسة».
وفي مطلع كتاب أبي زهرة، في موضوع بعنوان «مولده ونسبه» يقول الإمام أبو زهرة فيكتابه، الصفحة(15): «أكثر الرواة على أن الشافعي قد ولد بغزة بالشام، وعلى ذلك اتفقرأي الجمهرة الكبرى من مؤرخي الفقهاء، وكاتبي طبقاتهم، ولكن وجد بجوار هذه الروايةالتي اعتنقتها هذه الكثرة من يقول: إنه ولد بعسقلان وهي على بعد فراسخ من غزة، بلوجد من يتجاوز الشام إلى اليمن..».
ونجد النص ذاته في كتاب الدكتور عبد المعطي، الصفحة(6) إلا أنه أجرى تعديلاً طفيفاًفي بداية السطر الأول بإضافة كلمة(ولقد) التي أخلَّت بالمعنى - أُورِدُها فيما يليكما هي – حيث يقول:
«ولقد أكثر الرواة على أن الشافعي قد ولد بغزة بالشام، وعلى ذلك اتفق رأي الجمهرةالكبرى من مؤرخي الفقهاء، وكاتبي طبقاتهم، ولكن وجد بجوار هذه الرواية التياعتنقتها هذه الكثرة من يقول: إنه ولد بعسقلان وهي على بعد فراسخ من غزة، بل وجد منيتجاوز الشام إلى اليمن..».
ولم يتوقف النقل الحرفي على متن كتاب أبي زهرة، بل نجد الدكتور عبد المعطي يسطو علىالحاشية التي شرح الإمام أبو زهرة من خلالها تفصيل هذه الروايات، فنقل حاشيةالصفحة(15) من كتاب أبي زهرة ليثبتها في حاشية الصفحة(6) من كتابه، دون أن يزيدعليها أو ينقص منها حرفاً واحداً، ولا داعي لتكرار كتابتها وإنما أوردها مرة واحدةكما هي في الكتابين، يقول أبو زهرة في حاشية كتابه:» الروايات الثلاث رُويت علىلسان الشافعي، يروى أنه قال: «ولدت بغزة سنة خمسين ومئة، وحُملتُ إلى مكة وأنا ابنسنتين، وروي أنه قال: «ولدتُ بعسقلان»، ويقول ياقوت: عسقلان من غزة على ثلاث فراسخ،وكلاهما من فلسطين، وروي أنه قال: «ولدتُ في اليمن فخافت أمي عليَّ الضيعة فحملتنيإلى مكة «. أ.هـ
وهذه الحاشية مثبتة بحرفيتها في حاشية الصفحة(6) من كتاب الدكتور عبدالمعطي.
وعندما تحدث أبو زهرة عن السبئيين في كتابه الصفحة(85) أورد رواية فقال: «وقد روىشرحبيل أن ابن سبأ قيل له إن علياً قد قتل، فقال: «إن جئتمونا بدماغه في صرة لمنصدِّق بموته، لا يموت حتى ينزل من السماء، ويملك الأرض بحذافيرها».
ثم يشير إلى الحاشية، وفيها يحيل إلى كتاب(الفرق بين الفرق للبغدادي) وينقل الدكتورعبدالمعطي المتن والحاشية في كتابه الصفحة(57) إلا أنه أضاف في الحاشية كلمة(انظر)قبل اسم الكتاب.
وعندما تطرَّق الإمام محمد أبو زهرة إلى قول المعتزلة ب(المنزلة بين المنزلتين) فيكتابه الصفحة(106) أشار إلى الحاشية وكتب فيها: «والمعتزلة مع اعتقادهم أنه فيمنزلة بين المنزلتين يرون أنه لا مانع من أن يُطلق عليه اسم المسلم تمييزاً له عنالذميين...» شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
وبعد أن ينقل الدكتور عبد المعطي المتن يأتي دور الحاشية فينقله في حاشية كتابهالصفحة(76) ويغير في السطر الأول من الحاشية تغييراً يخل بالمعنى، فقد وضع(من)بدل(مع) فأصبحت الحاشية في كتاب الدكتور عبدالمعطي:» والمعتزلة من اعتقادهم أنه فيمنزلة بين المنزلتين يرون أنه لا مانع من أن يُطلق عليه اسم المسلم تمييزاً له عنالذميين …» شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
وهكذا نقل الحاشية كما هي حتى الإحالة إلى كتاب(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد) .
ولما تحدث الإمام أبو زهرة عن مجادلة المعتزلة مع الفقهاء والمحدثين الصفحة(116)فقال: «من المقرر في كتب علم النفس أن المختلفَين إن تقاربا في العقيدة كان الجدالأشد، والملاحاة أحد..» ثم يشير إلى الحاشية ليكتب فيها: « ذكر هذه القضية وأثبتهاجوستاف لوبون في كتابه(الآراء والمعتقدات)».
وتحت العنوان نفسه، وبالنص نفسه، والحاشية نفسها، يورد الدكتور عبد المعطي هذاالكلام في كتابه الصفحة(81) دونما إشارة لكتاب أبي زهرة.
وفي حاشية الصفحة(146) من كتاب أبي زهرة، قال في إشارة إلى تضعيف أخبار كتاب (قوتالقلوب) لأبي طالب:»كتاب قوت القلوب بالذات قد طعن أهل الخبرة في أحاديث كثيرةساقها، وجُرح صاحبه لأجلها، وقد جاء في تاريخ ابن كثير، الجزء الحادي عشر،الصفحة(319) في شأن أبي طالب وقوت القلوب ما نصه: «قال العتيقي: كان رجلاً صالحاًمجتهداً في العبادة وصنَّف كتاباً سماه قوت القلوب، وذكر فيه أحاديث لا أصل لها»فكيف يكون ذلك الكتاب صادقاً في أخباره ويقف ضده كثير من المؤرخين).
وبعد أن ينقل الدكتور عبد المعطي المتن كما هو يأتي الدور على الحاشية، فينقلها كماهي في حاشية الصفحة(102) من كتابه ولكنه أراد أن يحدث بعض التغيير فكتب الإحالة إلىتاريخ ابن كثير بشكل مختلف لم يسلم من خطأ فكتب: (تاريخ ابن كثير 11-9-31) بينماصحة ذلك أن يكتب(جـ11 - ص 319) أو(11-319).
وقد يقول قائل: لعله رجع إلى المصدر ذاته الذي رجع إليه الإمام أبو زهرة، فأقول: هليُعقل أن يرجع مؤلف كتاب طبع عام 1992م إلى ذات المراجع (بالجزء والصفحة والطبعة)الذي رجع إليه مؤلف كتابٍ كُتِبتْ مقدمته عام 1944م؟! إنني أستبعد ذلك.
وهذا يتكرر كثيراً، فعندما كتب أبو زهرة موضوع (عمل الشافعي في الأصول وعمل منبعده) يشير إلى الحاشية ويحيل إلى كتاب: الرسالة الصفحة(524) طبعة الحلبي بتحقيقأحمد شاكر.
ونجد المتن نفسه والحاشية نفسها وبالصفحة والطبعة واسم المحقق في حاشية الصفحة(129)من كتاب الدكتور عبدالمعطي.
وبعد هذا النقل الحرفي والاقتطاعات من كتاب الإمام أبي زهرة نجد الدكتور عبد المعطييورد ثبتاً بالمراجع يضم اثنين وسبعين مرجعاً.. ويا لهول الصدمة عندما لا يكون منبينها كتاب الإمام أبي زهرة. الذ ي يُعد من أشمل وأدق المراجع عن حياة الشافعيوفقهه.
وما أظنني كنت بحاجة إلى كل هذه النقولات والمقارنات لكشف هذه السرقة، فما يحتاجالنهار إلى دليل، وربما كان يكفيني أن أشير إلى أن الدكتور عبد المعطي نقل كتابالإمام أبي زهرة من الغلاف إلى الغلاف، معملاً الحذف في كتاب أبي زهرة، ولم يزد علىعمله شيئاً، وربما كان يكفينا أن نشير إلى فهرس الموضوعات في الكتابين، ليتضح مدىالتطابق في المضمون، ولكن أسلوب المقارنات أنفع لمن لم يتمكن من الاطلاع علىالكتابين أو أحدهما، ولهذا لجأت إليه.
أما القيمة العلمية للكتابين فالبون بينهما شاسع، فالإمام أبو زهرة أصَّل لفقهالإمام الشافعي تأصيلاً وافياً كما فعل مع فقه بقية الأئمة الأربعة، ومع فقه الإمامابن حزم -رحمهم الله جميعاً- أما الأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي فإنما أوردمقتطفات مختطفات من كتاب أبي زهرة، ينقصها الترابط، كما ينقصها الوحدة والتسلسل.
ولا أزال محاطاً بالدهشة؛ أيبلغ الاستخفاف بجهود العلماء هذا الحد؟! وهل بلغالاستخفاف بعقول القراء هذا الحد أيضاً؟! وكيف يفعل ذلك من حمل من الدرجات العلميةأعلاها، وبلغ من المناصب (وكيل كلية الآداب – جامعة المنصورة ) عند صدور كتابه عام1992م؟! أم أنه اتكأ على هذه الدرجة العلمية، والمنزلة العملية، مطمئناً أنه فوقالشبهات؟! ومع أنني لم أطلع على نقد أو رد أو تنبيه على هذه السرقة؛ غير أنني متيقنأن علماء مصر ومثقفيها لم يسكتوا عن ذلك ، وأن فيهم وفاءً لتراث العلماء، وأن لهمحِسّاً يأبون معه الخداع، والاستهانة بالعقول، وإني مطلع على الكثير من مواقف علماءومثقفي مصر المشرِّفة، في هذا الباب.
ومع أني لا أعرف الأستاذ الدكتور. فاروق عبد المعطي، ولم أقرأ له شيئاً من قبل،ولكني أُذكِّر أن الساطين على الفكر، أولى بالعقوبة ممن يسرق متاعاً غلي أو رخُص؛فهل فيما أكتب اليوم تحريض على لصوص الفكر، وردعٌ لهم، وردٌ لحقوق العلماء، أصحابالجهود العظيمة، في ميدان البحث والفكر، ليموت العالم وهو مطمئن على ما قدم للناسمن فكر وجهود.
ترى هل يبلغ نقدي هذا الأستاذ الدكتور. فاروق عبد المعطي، لأقرأ له رأياً، هذا ماأرجوه وأتمناه.
أن يتسلق أحد صغار الطلاب على أكتاف آخرين ممن سبقوه، تلك جريمة أدبية مقيتة،ولكننا نلتمس لها أعذاراً أهمها الحداثة في ميدان الطلب، واستعجال الظهور والشهرة،وعندما يتلصص باحث على فكرة آخر فيطوّرها ويدسها بين أفكاره ويثرثر حولها الكلماتلتضيع وسط الضجيج فتلك جريمة أخرى، ولكنها مسوغة أيضاً (بتوارد الخواطر) والإفادةمن أفكار الآخرين، وبمقولة ما ترك السابق للاحق شيئاً ومقولة «وقع الحافر علىالحافر».
أما أن يسرق الكبارُ الكبار فهذا ما لا يسوغه أحد.. وبين يدينا اليوم سرقتان من هذاالقبيل، البطل فيهما واحدٌ، وصاحب الكتابين (الضحيتين) واحد.. البطل في السرقتين هوالأستاذ الدكتور، فاروق عبد المعطي، وكيل كلية الآداب - جامعة المنصورة (كما وصفعلى غلاف كتابيه)، وصاحب الكتابين المسروقين الإمام محمد أبو زهرة أكبر علماءالشريعة الإسلامية في عصره - كما يقول الزركلي في الأعلام - صاحب المؤلفات الكثيرة،المولود عام 1898م، والمتوفى عام 1974م.
فقد صدمتُ - وكأني لم أسمع بسرقة أدبية من قبل - عندما رأيت السرقة تتجاوز الأفكار،إلى الحروف والكلمات بل إلى السطور والصفحات والحواشي.. وذلك عندما وقع في يدي كتاببعنوان: «ابن حزم الظاهري» تأليف الأستاذ الدكتور.. فاروق عبد المعطي، وكيل كليةالآداب - جامعة المنصورة - عن دار الكتب العلمية - بيروت - ط1 - 1992م.
وقد فرحتُ بهذا الكتاب عندما وجدت اسم مؤلفه مصدَّراً بلقب (الأستاذ الدكتور) ظاناًأني سأجد بين دفتيه منهجاً بحثياً متميزاً، وأني سأجد فيه بعض ما لم أعرفه من قبلعن الإمام العظيم ابن حزم.. ولم أكد أقرأ مقدمة الكتاب حتى شعرت أنني قد قرأتها منقبل، فظننت لأول وهلة أنني قد قرأت الكتاب ذاته من قبل، وبشيء من المراجعة وجدتنيأقرأ مقدمة كتاب الإمام محمد أبي زهرة، فرجعت لكتاب أبي زهرة، فتحقق ما ظننت.. فلميكن كتاب الأستاذ الدكتور.. فاروق عبد المعطي سوى نقلٍ لكتاب أبي زهرة، نقلٍ تجاوزنقل الأفكار إلى نقل الحروف والكلمات من مقدمته إلى خاتمته، وقد تجاوز النقل ذلكإلى نقل الحواشي والفهارس، ولقد كان الأولى رصد مواقع الاختلاف بين الكتابين عندالمقارنة، لأنها تكاد تكون معدومة، فلا يوجد أي إضافة باستثناء الترجمات القصيرةلبعض الأعلام الذين وردت أسماؤهم في كتاب أبي زهرة، وتخريج بعض الأحاديث، وإن كانتهذه الإضافة غير مطردة، ولا سائرة على نهج بحثي واحد.
لقد كان من الممكن أن يكون هذا العمل شرعياً فيما لو تفضل الأستاذ الدكتور فاروقعبد المعطي، فجعل الكتاب تلخيصاً أو اختصاراً لكتاب أبي زهرة، أو لو أشار إلى هذهالنقولات في الحواشي، وإن كان ذلك سيكون شاقاً باعتبار جميع ما كتب منقولاً نقلاًحرفياً من كتاب أبي زهرة، غير أن الأستاذ الدكتور قد تجاهل كل ذلك، بل وتجاوزالتجاهل إلى التدليس على القارئ، وذلك بالإشارة المغلوطة إلى كتاب أبي زهرة بتسميته(حياة ابن حزم لأبي زهرة) بدلاً من تسميته بعنوانه حرفياً؛ كما نقل مضمونه حرفياً،وأورد المصادر مكتفياً باسم المصدر فقط أو المصدر والمؤلف، دون إشارة إلى رقمالطبعة ولا تاريخها، ولا الدار الطابعة.. ولا أظن ذلك اختياراً بل إن الأستاذالدكتور كان مضطراً إليه، لأنه فيما يبدو لم يطلع على تلك المصادر أو لم يطلع علىأكثرها، وقد خذله الإمام أبو زهرة عندما لم يورد ثبتاً بالمصادر سوى الإشارة إلىالكتاب ومؤلفه، ورقم الجزء والصفحة، فهو بالإضافة إلى هذا الاضطرار، ربما قصد منهذه التعمية ألا يكتشف القارئ بالرجوع إلى المصادر المذكورة أن المؤلف لم يطلععليها، وإنما نقلها من حواشي كتاب الإمام أبي زهرة رحمه الله، ولسوء حظ المؤلف، فإنأبا زهرة لم يذكر طبعات مصادره، بل لم يسجل في كتابه مسرداً بالمراجع أصلاً، وفيمايأتي وقفات يسيرة مع الكتابين المسروق والمسروق منه، لبيان، النقل الصريح - ولاأقول التشابه:
أولاً: المقدمة:
يقول الإمام محمد أبو زهرة في مقدمة كتابه، ص(3):
«أما بعد: فقد وفقني المولى العليم الحكيم، فكتبتُ في الأئمة الأربعة المجمع علىإمامتهم، والمتبعة طريقتهم في الاجتهاد والاستنباط، والمقتدي بهم من لم يبلغ شأوالمجتهد، ولا غاية المقتصد، فرضي بالاتباع مع معرفة الدليل، أو التقليد من غيردليل».
ويقول الأستاذ الدكتور. فاروق عبد المعطي في مقدمة كتابه، ص(5): «أما بعد: فقدوفقني المولى الحكيم العليم، فكتبت عن إمام الدنيا الإمام الشافعي رحمة الله عليه،وهو أحد الأئمة الأربعة المجتمع على إمامتهم، والمتبعة طريقتهم من الاجتهادوالاستنباط، والمقتدي بهم من لم يبلغ شأو المجتهد، ولا غاية المقتصد فرضي بالاتباعمع معرفة الدليل، أو التقليد من غير دليل».
وفي المقدمة أيضاً يقول الإمام أبو زهرة ص(4):
«إن ابن حزم فقيه ظاهري، أ حيا فقه داود الأصبهاني، وسلك به مسلكاً اتسم بسمته،فوسع رحابه وأيد فروعه بالأدلة، وناقض مخالفيه في أقوال صارمة ، وجدل غلب فيهالإفحام والإلزام …إلخ».
ويقول الأستاذ الدكتور. فاروق عبد المعطي في مقدمته، ص. ص(5 - 6): «وكان حقاً عليَّأن أكتب في إمام مجتهد هو ابن حزم، فقيه ظاهري، أحيا فقه داود الأصبهاني، وسلك بهمسلكاً اتسم بسمته، فوسع رحابه وأيد فروعه بالأدلة، وناقض مخالفيه في أقوال صارمة،وجدل غلب فيه الإفحام والإلزام …إلخ».
ثانياً: الموضوعات التي تناولها الأستاذ الدكتور في كتابه ومصادرها في كتاب الإمامأبي زهرة:
نقل الإمام أبو زهرة في كتابه ص(24) قول صاعد معاصر ابن الحزم، في معجم الأدباءلياقوت الحموي: «وكتب لي بخط يده أنه ولد بعد صلاة الصبح من آخر يوم من شهر رمضانوهو ابن ثنتين وسبعين سنة إلا شهراً..».
ثم يعلق الإمام أبو زهرة على هذا الخبر فيقول: «ونظرة يسيرة إلى ذلك النص تثبت أنثمة خطأ في النسخ، لأنه إذا كان الثابت أنه توفي في آخر شعبان سنة 456هـ كما هومذكور في معجم الأدباء، فإنه لكي يعيش ثنتين وسبعين سنة إلا شهراً يجب أن تكونولادته في آخر رمضان سنة 384هـ لا سنة 383هـ إذ على مقتضى أن ولادته سنة 383هـووفاته سنة 456هـ يجب أن تكون سنه عند الوفاة ثلاثاً وسبعين ولا تكون ثنتين وسبعين،وعلى ذلك يكون التحريف في النسخ ثابتاً بدليل من ذات نص ياقوت، وفوق ذلك فياقوت قداسند التاريخ إلى صاعد الذي أسند إليه الجميع، وحكوا عنه أن ابن حزم كتب إليه بأنولادته سنة 384هـ لا سنة 383هـ. وقد كان مولده بقرطبة بالجانب الشرقي»
واستمراراً في النقل الحرفي يورد الأستاذ الدكتور. فاروق عبد المعطي نص ياقوت كماهو ثم ينقل تعليق أبي زهرة حرفياً دون إشارة إليه، ودون أن يغير فيه كلمة واحدة،إلا أنه زاد زيادة نوعية عندما أضاف في آخر العبارة دعوته لابن حزم، ص(8) فقال:
«وقد كان مولده(رحمه الله) بقرطبة بالجانب الشرقي» بدلاً عن قول أبي زهرة المشارإليه ص(24): «وقد كان مولده بقرطبة بالجانب الشرقي».
وعند الكلام عن جنسية ابن حزم قال الإمام أبو زهرة في كتابه ص(24): «وعلى ذلك فهوقرشي بالولاء فارسي بالجنس، وإنه لذلك الولاء كان يتعصب لبني أمية، يعادي منعاداهم، ويوالي من والاهم وإن ذلك من الوفاء الذي كان في معدن ابن حزم..».
فلم يكتف الأستاذ الدكتور بالنقل الحرفي على منهجه في الكتاب دون نسبة القول إلصاحبه، بل تجاوز ذلك، إلى نسبة القول إلى نفسه في نص عبارته ص(9) فقال:
«وعلى ذلك أقول إن ابن حزم رحمه الله كان قرشياً بالولاء فارسياً بالجنس، وإنه لذلكالولاء كان يتعصب لبني أمية، يعادي من عاداهم، ويوالي من والاهم وإن ذلك من الوفاءالذي كان في معدن ابن حزم...».
وعندما كتب الأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي عن نشأة ابن حزم، نقل كلام الإمام أبيزهرة حرفياً، فلم يسقط شيئاً من الحروف أو حتى الفواصل، ولم يقف الأمر عند ذلكالنقل بل تجاوزه إلى أمر أخطر، ليس في موضوع النشأة فحسب بل في جميع جزئيات الكتاب؛وذلك أنه كان ينقل النصوص التي يستشهد بها الإمام أبو زهرة، ثم ينسبها إلى مصادرهاالتي نقلها أيضاً من حواشي كتاب أبي زهرة، مشيراً إلى الصفحات نفسها، والطبعاتذاتها؛ فطوق الحمامة كما هو عند أبي زهرة(طبع القاهرة) ومعجم الأدباء لياقوت (طبعالرفاعي) ولما أضاف أبو زهرة في حاشيته مشيراً إلى نفح الطيب للمقري (طبع فريدالرفاعي) وجدت الأستاذ الدكتور، يشير في نفس الموضع، في حاشيته إلى(طبعة فريدالرفاعي)، فلما أضاف أبو زهرة اسم(فريد) أضافه الأستاذ الدكتور، ولما أسقطه أبوزهرة أسقطه.
ولما نقل أبو زهرة عن نفح الطيب(طبع الأزهرية) في حاشيته ص(92) وجدنا الأستاذالدكتور يعتمد على نفس الطبعة في حاشية كتابه ص(46) ، فلما نقل أبو زهرة في كتابهصفحة (101) عن نفح الطيب(طبعة الرفاعي)، وجدنا الأستاذ الدكتور، يتخلى عن (طبعالأزهرية) ويدعي الاعتماد على(طبعة الرفاعي).
ولم تسلم حواشي وشروحات الإمام أبي زهرة من سرقة الأستاذ الدكتور، فعندما مر بكلامابن حزم عن نشأته في طوق الحمامة، نقله من كتاب أبي زهرة صفحة(28) فلما نقل قول ابنحزم: «ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب، وحين تفيل وجهي..» فلما نقل هذهالعبارة نقل معها شرح الإمام أبي زهرة لكلمة(تفيل) فلم تسلم هذه الحاشية من سطوالأستاذ الدكتور، فنقل حاشية أبي زهرة كما هي ووضعها في حاشية الصفحة(11) من كتابةفقال: «تفيل: معناها زاد أي كَبُرَ وجهه وتم نموه».
ولما مر الأستاذ الدكتور في نقله من كتاب أبي زهرة، برسالة ابن حزم في المفاضلة بينالصحابة، أشار الإمام أبو زهرة في حاشية الصفحة(260) إلى جهد الأستاذ سعيد الأفغانيرحمه الله فقال: «قد طبعها بدمشق مع ترجمة جيدة لابن حزم الأستاذ سعيد الأفغاني».
فنقل الأستاذ الدكتو ر هذه الحاشية، وضمنها حاشية الصفحة(85) من كتابه، مع بعضالتعديل في العبارة فقال: «قد أخرجها مستقلة، وقدَّمها بتاريخ لابن حزم الأستاذسعيد الأفغاني وهو إخراج متقن دقيق».
وعندما لخص الإمام أبو زهرة كلاماً من رسالة المفاضلة بين الصحابة، التي أشرت إليهاسابقاً قال بأمانة العالم في حاشية الصفحة(280): «لُخص هذا من رسالة المفاضلة بينالصحابة ص 174 إلى 180 «. ونجد الأستاذ الدكتور ينقل الحاشية كما هي، ليضمنها حاشيةالصفحة(99) من كتابه. وهكذا لم تسلم حواشي كتاب الإمام أبي زهرة أيضاً من سطوالأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي.
ثم يفيق ضمير الأستاذ الدكتور إفاقة خفيفة في الصفحتين(101 - 103) بعد غيابه مئةصفحة، حينما أشار إلى موقف أبي زهرة في المفاضلة بين أم المؤمنين عائشة، والسيدةفاطمة رضي الله عنهما، فقال: «قال الإمام محمد أبو زهرة في كتابه(حياة ابن حزم):أخالف ابن حزم، وأحسب قوله هذا من شدة رغبته الأموية، ومقاومته للشيعة، لأنهم كانوايدعون ما يدعون على أساس نسبتهم لفاطمة وعلي فأراد أن يبين أن هذين اللذين ينتسبونإليهما ليس لهما الفضل الأول..».
وإن كانت يقظة الضمير هذه غير كاملة، يدل على ذلك تسمية كتاب أبي زهرة بغير اسمه،فقد سماه(حياة ابن حزم لأبي زهرة) واسم الكتاب الحقيقي(ابن حزم، حياته وعصره -آراؤه وفقهه).
كما أن هذه الإفاقة لم تدم، فبعد أن نقل كلام أبي زهرة مشيراً إليه في الصفحة(103)عاد إلى النقل الحرفي دون إشارة، ابتداءً من السطر التالي مباشرة، وكأن قائل الكلامالسابق ليس هو قائل الكلام المنقول بعد ذلك، فنقل - بحرفية ودون أي تحفظ - قول أبيزهرة في كتابه صفحة(282): «يبين ابن حزم أن أفضل الصحابة بعد نساء النبي صلى اللهعليه وسلم أبو بكر، وينص على فضله على علي رضي الله عنه..».
وقد كان الأستاذ دقيقاً في حرفية النقل؛ فلا يكاد يسقط نقطة أو فاصلة، لكنه ربماأبدل كلمة بكلمة أو حرفاً بحرف، فاختل المعنى وفسد الأسلوب، والشواهد على ذلككثيرة..
وقد وجدت أن مصادر الأستاذ الدكتور هي مصادر الإمام أبي زهرة، طبعات وأجزاءًوصفحات، ابتداءً بطوق الحمامة لابن حزم، ثم نفح الطيب للمقري، ومعجم الأدباءلياقوت، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وطبقات ابن السبكي، ومقدمة النُّبذ للكوثري،إلا أن أبا زهرة كان يشير للنبذ بقوله: « النبذ لصديقنا الإمام الكوثري رضي اللهعنه « أما الأستاذ الدكتور، أسعفته نباهته فلم يدعِ هذه الصداقة.
وهكذا نجد الأستاذ الدكتور يعتمد في حواشيه على نقولات من حواشي كتاب أبي زهرة، حتىأنه لما نقل أبو زهرة من هامش النبذ للكوثري، وأشار إلى ذلك في كتابه صفحة(426)أشار الدكتور إلى الحاشية ذاتها ، فقال في حاشية الصفحة(130) من كتابه: «هامش النبذص(40)». وهنا أكررها أن حواشي كتاب الإمام أبي زهرة لم تسلم هي أيضاً من السطو.
وقد يقول قائل: وما يدريك لعله رجع إلى هذه النصوص في مراجعها الأصلية؟! فأقول: إنذلك لا يكون لعدة أسباب:
أولها: أن الكاتب الذي سطا على عشرات الصفحات دون أدنى إشارة إلى صاحبها، سوى ماذكرت من يقظة ضمير في صفحتين من كتابه ذي المئة والست والسبعين صفحة، تلك اليقظةالتي أعزوها إلى كون المنقول آراء شخصية فقهية وعقدية خالف فيها أبو زهرة الإمامابن حزم، ولم يكن بوسع الأستاذ الدكتور تبني هذه الآراء، لما يترتب عليها من جدل.
ثانيها: أنه لو بلغ المؤلف هذا القدر من الجدية في البحث، لوجدنا بين مراجعه مراجعأخرى، غير تلك التي رجع إليها الإمام أبو زهرة؛ للفارق الزمني بينهما، فخلال هذهالفترة صدرت كتب وبحوث ودراسات كثيرة عن الإمام ابن حزم.
ثالثها: أن الفارق الزمني الطويل - نسبياً - بين الكتابين الذي يبلغ نحو أربعينسنة، يجعلني أقطع مطمئناً بأنه يستحيل أن تتطابق طبعات - وبالتالي صفحات - مراجعالمؤلفَين، فقد كتب الإمام أبو زهرة مقدمة كتابه عن ابن حزم عام 1954م بينما صدرتالطبعة الأولى من كتاب الأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي عام 1992 م.
وبهذا فنحن أمام سطو واضح وسرقة ينقصها ذكاء السارق وحيلته، وربما ينقصها مبالاتهباكتشاف سرقته.
وهذا ما حدث أيضاً في كتاب آخر للأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي، بعنوان:(الإمامالشافعي) صدرت طبعته الأولى عن دار الكتب العلمية – بيروت لبنان – عام 1992م، وقعفي يدي، بعد أن قرأت إشارة المؤلف إليه في مقدمة كتابه عن ابن حزم المشار إليهآنفاً، فلما قرأت بعض فصوله وجدتُ الحادثة تتكرر، وإذ لم يتغير البطل في هذهالسرقة، فلم يتغير الضحية أيضاً، فهو كتاب للإمام محمد أبو زهرة – رحمه الله –عنوانه:(الشافعي حياته وعصره – آراؤه وفقهه) عن دار الفكر العربي – القاهرة – طبعةجديدة 1996م ويبدو أن الدكتور فاروق عبد المعطي، قد(ألَّفَ / نَقَلَ) هذا الكتابقبل كتابه عن ابن حزم، لأنه أشار إليه في مقدمة كتابه عن ابن حزم، الذي تناولتهبالمقارنة سابقاً.
ولقد كان نقل الدكتور عبد المعطي للموضوعات أو لأجزاء منها كما هي من كتاب الإمامأبي زهرة يجعل المقارنة سهلة إلى درجة الإملال، ولكنني سأكتفي بإشارات من بعضالموضوعات والفصول والعناوين والحواشي والإحالات، ولو طُلب إلىَّ تحديد أوجهالاختلاف بين الكتابين لشق ذلك عليَّ، فيما عدا الحذف الذي يتعمده الدكتور عبدالمعطي اختصاراً، وترجمته لبعض الأعلام الذين وردت أسماؤهم في النصوص التي نقلها منكتاب أبي زهرة.
وكما بدأ التطابق في كتاب(ابن حزم) سابقاً، من مقدمة الكتاب، بدأ التطابق هنا أيضاًمن مقدمة الكتاب، فمقدمة الدكتور عبد المعطي ما هي إلا مقتطفات من مقدمة أبي زهرةالتي كتبها عام 1944م. ومما جاء في هذه المقدمة: يقول الإمام محمد أبو زهرة فيمقدمة الطبعة الأولى الصفحة(5): «ثم اتجهتُ بعد ذلك إلى أثره الخالد، وهو فقهه،فكان له الحظ الأكبر من المجهود، إذ هو الغرض المقصود، والغاية المنشودة من هذهالدراسة».
ويقول الدكتور عبد المعطي في مقدمة كتابه الصفحة(4): «وقد وضحتُ والله المستعانأثره الخالد، أي فقهه، فكان له الحظ الأكبر من المجهود، إذ هو الغرض المقصود،والغاية المنشودة من هذه الدراسة».
وفي مطلع كتاب أبي زهرة، في موضوع بعنوان «مولده ونسبه» يقول الإمام أبو زهرة فيكتابه، الصفحة(15): «أكثر الرواة على أن الشافعي قد ولد بغزة بالشام، وعلى ذلك اتفقرأي الجمهرة الكبرى من مؤرخي الفقهاء، وكاتبي طبقاتهم، ولكن وجد بجوار هذه الروايةالتي اعتنقتها هذه الكثرة من يقول: إنه ولد بعسقلان وهي على بعد فراسخ من غزة، بلوجد من يتجاوز الشام إلى اليمن..».
ونجد النص ذاته في كتاب الدكتور عبد المعطي، الصفحة(6) إلا أنه أجرى تعديلاً طفيفاًفي بداية السطر الأول بإضافة كلمة(ولقد) التي أخلَّت بالمعنى - أُورِدُها فيما يليكما هي – حيث يقول:
«ولقد أكثر الرواة على أن الشافعي قد ولد بغزة بالشام، وعلى ذلك اتفق رأي الجمهرةالكبرى من مؤرخي الفقهاء، وكاتبي طبقاتهم، ولكن وجد بجوار هذه الرواية التياعتنقتها هذه الكثرة من يقول: إنه ولد بعسقلان وهي على بعد فراسخ من غزة، بل وجد منيتجاوز الشام إلى اليمن..».
ولم يتوقف النقل الحرفي على متن كتاب أبي زهرة، بل نجد الدكتور عبد المعطي يسطو علىالحاشية التي شرح الإمام أبو زهرة من خلالها تفصيل هذه الروايات، فنقل حاشيةالصفحة(15) من كتاب أبي زهرة ليثبتها في حاشية الصفحة(6) من كتابه، دون أن يزيدعليها أو ينقص منها حرفاً واحداً، ولا داعي لتكرار كتابتها وإنما أوردها مرة واحدةكما هي في الكتابين، يقول أبو زهرة في حاشية كتابه:» الروايات الثلاث رُويت علىلسان الشافعي، يروى أنه قال: «ولدت بغزة سنة خمسين ومئة، وحُملتُ إلى مكة وأنا ابنسنتين، وروي أنه قال: «ولدتُ بعسقلان»، ويقول ياقوت: عسقلان من غزة على ثلاث فراسخ،وكلاهما من فلسطين، وروي أنه قال: «ولدتُ في اليمن فخافت أمي عليَّ الضيعة فحملتنيإلى مكة «. أ.هـ
وهذه الحاشية مثبتة بحرفيتها في حاشية الصفحة(6) من كتاب الدكتور عبدالمعطي.
وعندما تحدث أبو زهرة عن السبئيين في كتابه الصفحة(85) أورد رواية فقال: «وقد روىشرحبيل أن ابن سبأ قيل له إن علياً قد قتل، فقال: «إن جئتمونا بدماغه في صرة لمنصدِّق بموته، لا يموت حتى ينزل من السماء، ويملك الأرض بحذافيرها».
ثم يشير إلى الحاشية، وفيها يحيل إلى كتاب(الفرق بين الفرق للبغدادي) وينقل الدكتورعبدالمعطي المتن والحاشية في كتابه الصفحة(57) إلا أنه أضاف في الحاشية كلمة(انظر)قبل اسم الكتاب.
وعندما تطرَّق الإمام محمد أبو زهرة إلى قول المعتزلة ب(المنزلة بين المنزلتين) فيكتابه الصفحة(106) أشار إلى الحاشية وكتب فيها: «والمعتزلة مع اعتقادهم أنه فيمنزلة بين المنزلتين يرون أنه لا مانع من أن يُطلق عليه اسم المسلم تمييزاً له عنالذميين...» شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
وبعد أن ينقل الدكتور عبد المعطي المتن يأتي دور الحاشية فينقله في حاشية كتابهالصفحة(76) ويغير في السطر الأول من الحاشية تغييراً يخل بالمعنى، فقد وضع(من)بدل(مع) فأصبحت الحاشية في كتاب الدكتور عبدالمعطي:» والمعتزلة من اعتقادهم أنه فيمنزلة بين المنزلتين يرون أنه لا مانع من أن يُطلق عليه اسم المسلم تمييزاً له عنالذميين …» شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
وهكذا نقل الحاشية كما هي حتى الإحالة إلى كتاب(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد) .
ولما تحدث الإمام أبو زهرة عن مجادلة المعتزلة مع الفقهاء والمحدثين الصفحة(116)فقال: «من المقرر في كتب علم النفس أن المختلفَين إن تقاربا في العقيدة كان الجدالأشد، والملاحاة أحد..» ثم يشير إلى الحاشية ليكتب فيها: « ذكر هذه القضية وأثبتهاجوستاف لوبون في كتابه(الآراء والمعتقدات)».
وتحت العنوان نفسه، وبالنص نفسه، والحاشية نفسها، يورد الدكتور عبد المعطي هذاالكلام في كتابه الصفحة(81) دونما إشارة لكتاب أبي زهرة.
وفي حاشية الصفحة(146) من كتاب أبي زهرة، قال في إشارة إلى تضعيف أخبار كتاب (قوتالقلوب) لأبي طالب:»كتاب قوت القلوب بالذات قد طعن أهل الخبرة في أحاديث كثيرةساقها، وجُرح صاحبه لأجلها، وقد جاء في تاريخ ابن كثير، الجزء الحادي عشر،الصفحة(319) في شأن أبي طالب وقوت القلوب ما نصه: «قال العتيقي: كان رجلاً صالحاًمجتهداً في العبادة وصنَّف كتاباً سماه قوت القلوب، وذكر فيه أحاديث لا أصل لها»فكيف يكون ذلك الكتاب صادقاً في أخباره ويقف ضده كثير من المؤرخين).
وبعد أن ينقل الدكتور عبد المعطي المتن كما هو يأتي الدور على الحاشية، فينقلها كماهي في حاشية الصفحة(102) من كتابه ولكنه أراد أن يحدث بعض التغيير فكتب الإحالة إلىتاريخ ابن كثير بشكل مختلف لم يسلم من خطأ فكتب: (تاريخ ابن كثير 11-9-31) بينماصحة ذلك أن يكتب(جـ11 - ص 319) أو(11-319).
وقد يقول قائل: لعله رجع إلى المصدر ذاته الذي رجع إليه الإمام أبو زهرة، فأقول: هليُعقل أن يرجع مؤلف كتاب طبع عام 1992م إلى ذات المراجع (بالجزء والصفحة والطبعة)الذي رجع إليه مؤلف كتابٍ كُتِبتْ مقدمته عام 1944م؟! إنني أستبعد ذلك.
وهذا يتكرر كثيراً، فعندما كتب أبو زهرة موضوع (عمل الشافعي في الأصول وعمل منبعده) يشير إلى الحاشية ويحيل إلى كتاب: الرسالة الصفحة(524) طبعة الحلبي بتحقيقأحمد شاكر.
ونجد المتن نفسه والحاشية نفسها وبالصفحة والطبعة واسم المحقق في حاشية الصفحة(129)من كتاب الدكتور عبدالمعطي.
وبعد هذا النقل الحرفي والاقتطاعات من كتاب الإمام أبي زهرة نجد الدكتور عبد المعطييورد ثبتاً بالمراجع يضم اثنين وسبعين مرجعاً.. ويا لهول الصدمة عندما لا يكون منبينها كتاب الإمام أبي زهرة. الذ ي يُعد من أشمل وأدق المراجع عن حياة الشافعيوفقهه.
وما أظنني كنت بحاجة إلى كل هذه النقولات والمقارنات لكشف هذه السرقة، فما يحتاجالنهار إلى دليل، وربما كان يكفيني أن أشير إلى أن الدكتور عبد المعطي نقل كتابالإمام أبي زهرة من الغلاف إلى الغلاف، معملاً الحذف في كتاب أبي زهرة، ولم يزد علىعمله شيئاً، وربما كان يكفينا أن نشير إلى فهرس الموضوعات في الكتابين، ليتضح مدىالتطابق في المضمون، ولكن أسلوب المقارنات أنفع لمن لم يتمكن من الاطلاع علىالكتابين أو أحدهما، ولهذا لجأت إليه.
أما القيمة العلمية للكتابين فالبون بينهما شاسع، فالإمام أبو زهرة أصَّل لفقهالإمام الشافعي تأصيلاً وافياً كما فعل مع فقه بقية الأئمة الأربعة، ومع فقه الإمامابن حزم -رحمهم الله جميعاً- أما الأستاذ الدكتور فاروق عبد المعطي فإنما أوردمقتطفات مختطفات من كتاب أبي زهرة، ينقصها الترابط، كما ينقصها الوحدة والتسلسل.
ولا أزال محاطاً بالدهشة؛ أيبلغ الاستخفاف بجهود العلماء هذا الحد؟! وهل بلغالاستخفاف بعقول القراء هذا الحد أيضاً؟! وكيف يفعل ذلك من حمل من الدرجات العلميةأعلاها، وبلغ من المناصب (وكيل كلية الآداب – جامعة المنصورة ) عند صدور كتابه عام1992م؟! أم أنه اتكأ على هذه الدرجة العلمية، والمنزلة العملية، مطمئناً أنه فوقالشبهات؟! ومع أنني لم أطلع على نقد أو رد أو تنبيه على هذه السرقة؛ غير أنني متيقنأن علماء مصر ومثقفيها لم يسكتوا عن ذلك ، وأن فيهم وفاءً لتراث العلماء، وأن لهمحِسّاً يأبون معه الخداع، والاستهانة بالعقول، وإني مطلع على الكثير من مواقف علماءومثقفي مصر المشرِّفة، في هذا الباب.
ومع أني لا أعرف الأستاذ الدكتور. فاروق عبد المعطي، ولم أقرأ له شيئاً من قبل،ولكني أُذكِّر أن الساطين على الفكر، أولى بالعقوبة ممن يسرق متاعاً غلي أو رخُص؛فهل فيما أكتب اليوم تحريض على لصوص الفكر، وردعٌ لهم، وردٌ لحقوق العلماء، أصحابالجهود العظيمة، في ميدان البحث والفكر، ليموت العالم وهو مطمئن على ما قدم للناسمن فكر وجهود.
ترى هل يبلغ نقدي هذا الأستاذ الدكتور. فاروق عبد المعطي، لأقرأ له رأياً، هذا ماأرجوه وأتمناه.