Culture Magazine Thursday  26/03/2009 G Issue 276
فضاءات
الخميس 29 ,ربيع الاول 1430   العدد  276
حوار.. كاتبين
أولاد أحمد

 

الأول: لماذا لا تكتب كل هذه الأفكار الخطيرة والجريئة التي تدك بها أذني كلما جلست إليك.. وما أكثر ما جلست إليك؟!

الثاني: (يرفع كتفه اليسرى ويحنى رأسه وكأن شللاً جزئياً قد أصابه فجأة.. ويجيب): أنت تعرف لماذا أفعل ذلك.

الأول: إجمالاً يمكن القول إنني أعرف أسباب حرمان نفسك من فرصة أن تكون كاتباً فذاً ومنفرداً.. ولكنني أجهل ما إذا كان الأمر متعلقاً بطبيعتك الشخصية التي توارثتها عن جدودك أم بالموانع البرانية التي يتعرض لها كل الكتاب العرب.. دون استثناء.

الثاني: رجاء.. لا تشرع في تنكيد الجلسة, وما دخل أجدادي فيما أقول وما أكتب؟ ثم إنني لست أول إنسان يتكلم بطريقة ويكتب بطريقة أخرى قد تكون مخالفة ومناقضة تماماً.

الأول: إنك -بهذه الطريقة- تحرم الأمة والعالم بأسره من أفكار جديدة قد تعجل بالخلاص وبتدرج فعلي للإنسان باتجاه حريته وإنسانيته.

الثاني: تعرف أنني لست مسؤولاً على أحد. ومن أراد أن يتحرر فليناضل على حسابه الخاص.. لقد ناضلت بما فيه الكفاية ومن حقي- الآن أن أرتاح قليلاً وأستمتع ببقية أيامي.

الأول: أعرف ذلك.. لكن نضالك كان أيام المراهقة والشباب حيث لم تكتمل آليات التفكير وكان الاندفاع والحلم في قائمة الأولويات.

أما الآن فقد كبرت ورجح عقلك.. ونحن نحتاجك -حقيقة- في هذه الفترة الظلماء. ألا تحس بأي واجب تجاه الآخرين؟

الثاني: تعرف أن لي أربعة أولاد وبنتين.. وأن لي راتباً يتزايد ويتضاءل بحسب طريقتي في الكتابة والتفكير. لكنك تنصحني بأن أجوع وأترك أولادي للضياع والعراء؟

الأول: لا أتمنى لك ذلك.. وما دام الأمر على هذه الشاكلة فلماذا لا تكف عن الكتابة.. وتشرع في تعلم حرفة أخرى تقتات منها أنت وعائلتك.

افعل مثل أحد الجنود الأمريكيين في العراق وهو يرد على أحد الصحفيين بقوله: - (لو كان لي رأي ما كنت دخلت الخدمة العسكرية أصلاً)!!

الثاني: لقد عاشرتني طويلاً يا أخي.. وعرفت مجمل أفكاري وتخميناتي.. وبما أنك تتهمني بالتقية وقلة الشجاعة.. فإنني أتنازل عن أفكاري وأسمح لك بتبنيها ونسبتها لنفسك.

الأول: لا أستطيع فعل ذلك.. فهي صادرة عن تجربة وتحصيل ورؤية ليست لي.. وأغلب الناس يعرفون أنك الوحيد القادر على كتابة نفسك بنفسك.

الثاني: هب أنني كتبت كلما أفكر فيه وبالطريقة التي أريد.. هل تتصور أنني بذلك سأغير حال هذه الأمة التي تكاد تفتخر بأنها قابعة في قيعان السراديب.

إن لي دفتراً سجلت فيه أسماء المفكرين والأدباء والشعراء الذين تم قتلهم وسحلهم لمجرد أنهم يفكرون بطرق مستحدثة ومختلفة.

فهل تريدني حياً أم مقتولاً؟

الأول: لا أتمنى لك أن تقتل أو تموت. ولكنني لا أرى معنى لحياتك إذا واصلت هذا النهج من الكتابة الذي لا يرقى حتى إلى التعبير عن يأس حقيقي لكونه يكتفي بتكرار ما قيل سلفاً وبنفس الطريقة التي قيل بها.

الثاني: أنصحك بتناول السمك الذي أمامك.. فهو شهي.. غير أنه يفقد الذوق إذا برد.. أليس من الأفضل أن نحكي لبعضنا بعض النكات.. ونضحك على حال هذه الأمة عوضا عن أن نكلف أنفسنا بمهمة إصلاحها وهي التي تعرج من جميع أعضائها؟

الأول: ولكن الضحك والسخرية والنكات هي ما ينقصك بالضبط في كتاباتك الباردة.

الثاني: بإمكانك -من الآن- أن تعتبرني شخصين وليس شخصاً واحداً فقط.

أن أكون مصاباً بفصام فهذا ليس تهمة. غير أن انفصامي واع وقد اخترته نهجاً لحياتي.

الأول هذه هي النتيجة التي كنت أرغب في معرفتها. من هنا فصاعداً لن ألومك..!!!

تونس

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة