في العدد 268 من ص 6 يوم 29-1-1430هـ كنت قد أجبت على سؤال الأستاذ الناقد المعروف علوان بن فارس التميمي - من (قطر) حول: نعم وبئس وقلت في آخر ذلك: (وليس هذا باب الأمثلة).
وأعود.. الآن.. كما هي رغبة كثير من المعنيين باللغة والنحو إلى تفصيل لا بأس به عن ذلك وكما رغبة (أ) التميمي سلفاً ولم أكن قد فصّلت في ذلك ما يتم السكوت عليه وهنا أبيّن ما يلي:
أولاً: أن نعم وبئس فعلان خلافاً لمن قال غير ذلك وكونهما فعلين إنما جاء ذلك بسبب دخول: تاء التأنيث ولو لم يجز ذلك لما صارتا فعلين وهذا يبيّنه المثال فيقال: (نعمت الأخلاق الفاضلة).
ويقال: (بئست العادة الكبر).
ثانياً: من زعم أنهما ليسا فعلين فحسب فهمي أن لا وجه لهذا إلا القول إنهما فعلان جامدان، وهذا لا يمنع ذاك بوجه.
ثالثاً: أن نعم وبئس فعلان جامدان قولاً واحداً عند الاعتبار. فلا يصح منهما استعمال: الأمر.. أو المضارع، بل الماضي من الأفعال ليس غير.
رابعاً: أن ورود نعم وبئس قليل وإذا ما وردتا فلعل الجهل بمرادهما يجعل منهما عسيرتين.
قال أحدهم.. (نعم الكاتبة (....) فهي من الطراز الأول..) وهذه سقطة كبيرة لا سيما لأنها من (ناقد) يُحتفى به والأصل: (نعمت...).
وورد في شعر أحدهم:
(وبئس الناثرات على وهادِ
.... .... .... .... .....)
ولا يقال ضرورة شعرية لأنه لا مكان لهذا هنا (وصاحبكم بحمد الله شاعر مقل) وماذا عليه لو قال:
(وبئست ناثرات.....
.... .... .... ....)
لتستقيم المعاني ويكون أجود لمفردات لغة البيت فإنه كلما قلّ اللفظ قوي المعنى وبز غيره إلا عند شعر الاستجداء والمدح والهجاء فإن هذا صاحبه لا يفكر إلا بالسفاسف والتملّق وبيان ضعف الشخصية ولهذا قد يُستغل هذا النوع من قائلي الشعر يستغلهم غيرهم فيذهبون أيدي سبأ إلا من تنبَّه منهم وصحا وأرشد فأنجد وأخذ لنفسه ممن تغاباه فأرداه وأشناه ثم تركه فالدهر بلواه.
(ونعم.. وبئس) وكثير ما نبهتُ إلى هذا في دروسي العلمية في (الحرمين الشريفين) تحتاجان كثيراً إلى فهم مرادهما عند كل طرح لهما دون تساهل في طبيعة دلالتهما على ما بعدهما.
خامساً: أن: نعم وبئس.. تختلفان عن غيرهما من: (الأفعال الجامدة) ولعل من يخطئ اليوم يظن الحال واحدة وليس الأمر كذلك وبيان هذا أنه لا بد أن ندرك أن: نعم وبئس تضطران إلى فاعل مرفوع وبيان يتبيّن من حالتهما في هذا والحالات تتبيّن بحسب المثال:
فأولاً: أن يكون فاعلهما مضافاً إلى وصف مقترن بأل.. وهذا لا بد منه..
أ - مثاله: (نعم علم الرجل العمل به).
ب - مثاله: (بئس علم الرجل عدم العمل به).
ثانياً: أن يكون فاعلهما مقترناً.. بأل ويتجرد ما بعده منها مثال ذلك:
أ - (نعم الكاتب مصطفى في بيانه).
ب - (بئس الناقد زيد في غروره).
ثالثاً: أن يكون فاعل نعم وبئس ضميراً مستتراً يتعذّر ظهوره.
مثاله:
أ - (نعم خطيباً الحاكم العادل).
ب - (بئس كاتباً الداعي إلى نفسه).
ومثل هذين المثالين لما يتعذّر الإحاطة بهما معنى وإعراباً فإنهما يقلاّن وروداً في الكتابات والشعر والمحاضرات.. إلخ.
ولعل سبب هذا هو: فقر الاطلاع أو التساهل بمفردات اللغة وشواهدها وآثارها، ولهذا تجد لغة القوم اليوم خطابية إنشائية ليست بذاك.
رابعاً: أن الفاعلَ بعدهما ضمير لكنه في حال نصب تمييزاً له.
مثاله:
أ - (نعم صاحباً الصَّادق).
ب.. (بئس أخاً العجول).
وبهذا يتبيّن أهمية: (نعم.. وبئس).
في مشاهد اللغة إلا شاهد الحال اليوم ينذر بجهالة اللغة من أصحابها ولعل بعضهم ممن يتصدّر للكتابة، بل للتنظير، ولعله يتوجه للتسيد بهذا وذاك بينما لو ذهبت تتبعه وجدته نقَّالاً لما يكتب. ولو ناقشته مشافهة عند لقياك له ناقشته مشافهة عما كتبه لما أغناك شروى نقير اللهم إلا التجويف والانتفاخ والأستاذية وعجز لدني واضح وما يوم حليمة بسر وكأني (بحافظ بن إبراهيم) حين نعى اللغة العربية إنما نعى سببها: التعالم.. والجرأة في التجديد الممجوج. وسوء فهم شرط اللغة والإعراب عند ابن فارس والجوهري وقبلهما القروم المعاويز سيبويه والكسائي، وأنت ترقب أن من جهل شيئاً عاداه ولهذا لما جهل بعض الناس شرط القوم الفحول في طرح اللغة لمَّا جَهِلوا ذلك زعموا التجديد على حال: ما أزين السكوت لو درى.. وجيد (مصطفى بن صادق الرافعي) في كتابه (وحي القلم) وجيد هو الآخر محمود شاكر في كتابه عن (المتنبي) وجيد الجليل قديماً وكأنه معنا اليوم جيد هو: (حماد بن سلمة) شيخ اللغة والنحو العالم الفذ فيما كتب عنه: مُسلم.. والترمذي والخليل بن أحمد الفراهيدي وخلق كثير لا يحصون.. لكن إلى الله المشتكى.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5485» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض