أسباب الهجرة:
الصراعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي والحاجة إلى الأمن. الأوضاع الاقتصادية والفقر والبطالة. الحاجة إلى التعليم والبحث عن عمل، التجارة. وبجانب تلك الأسباب كان هناك طموح أهل نجد في التعليم والمعرفة.
نوع الهجرة:
تختلف نوع هجرة النجديين عن الكثيرين من الهجرات العربية مثل شعوب الشام واليمن وغيرها. فبينما ذهب أهل الشام من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين إلى أمريكا الجنوبية واستراليا وأفريقيا، ذهبت الهجرة النجدية إلى البلدان العربية وفضل أهلها الهجرة إلى البلدان القريبة بسبب عدم حبهم إلى الهجرة أصلا، ولذلك هاجروا إلى العراق أولا ثم البحرين وسوريا ومصر، ثم الهند. وقد كان الغالبية الكبيرة من المهاجرين النجديين هم من مدينة عنيزة ثم مدنية بريدة، وبعض القرى الأخرى.
سنوات الهجرة الحديثة وبدايتها:
بدأت الهجرة النجدية الحديثة مع نهايات القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين. وقد بدأت الهجرة أولا مع التجار ثم امتدت إلى العمال. وبعد أن تعلم عشرات النجديين وخاصة من أهل عنيزة القراءة والكتابة وبعضهم اللغة الإنكليزية اشتغلوا في مهن كثيرة وساعدتهم مهارتهم وذكائهم الفطري في ذلك في اكتساب مهارات كثيرة والعمل في أشغال مختلفة.
تعامل النجديين مع الهجرة:
اعتبر النجديين أنفسهم في بلدان الهجرة نجديين أولا وذلك عبر تمسكهم بلهجتهم وبلباسهم وحتى بطعامهم وذلك بعكس الهجرات العربية الأخرى التي اندمجت مع المجتمعات الأخرى وذابت بها تماما. لكن النجديين عموما تعاملوا مع مجتمعات الهجرة بصورة طبيعية فعملوا بها باجتهاد وصبر ومثابرة، وفي نفس الوقت حافظوا على هوياتهم سواء النجدية في البلدان العربية أو النجدية العربية الإسلامية كما فعلوا في الهند مثلا مهما قصرت أو طالت إقامتهم في تلك البلدان.
البقاء في الهجرة:
تعامل النجديين مع موضوع الهجرة بطريقة إنها هجرة مؤقتة وأنها موضوع شهور أو سنوات ليس إلا حتى ظهر بينهم مثل مشهور في البحرين يقول (بيزة على بيزة توديك عنيزة) وهى تعنى إن المهاجر مهما كان سواء كان تاجرا أو عاملا أو موظفا فعليه بسرعة أن يجمع المال لأهله الفقراء الذين ينتظرون عودة بأسرع وقت ليجعلهم يعيشون حياة كريمة وطيبة وتبعد عنهم شرور الفقر، وكذلك أن يوفر بعض المال الذي يكسبه لتكاليف السفر. أما (البيزة) فهي عملة هندية قديمة كانت متداولة في البحرين ومعظم مناطق الخليج وهى عملة صغيرة جدا. ولذلك حدث تفاوت في الهجرة من تاجر إلى آخر ومن عامل إلى آخر. فهناك الكثير من الفقراء الذين لم يستطيعوا الصمود في الغربة حتى بضعة أيام لكنهم دبروا بعض النقود للعودة، وهناك من وجد في الغربة فرصة ثمينة لكسب الرزق والتجارة، بل إن بعضهم صار من اكبر تجار تلك البلدان وأغناهم على الإطلاق وهذا ما حدث في البصرة والكويت والبحرين والهند. وإذا أردنا أن نلخص سنوات الهجرة النجدية في المدن العربية فسوف نجد أنها متفاوتة لكن نستطيع أن نقول إن فئة التجار هم الأكثر استقرارا ولسنوات طويلة ما دامهم قد وجدوا في تلك البلدان الأمن والاستقرار والحرية والتسهيلات التي يريدونها. أما فئة الفقراء والعمال فكانوا هم الأكثر حبا في عدم الاستقرار والعودة السريعة ما بين شهور وسنة أو سنتين.
التفاعل في الهجرة:
رغم انغلاق النجديين على أنفسهم في بداية هجرتهم إلى المدن العربية القريبة، إلا إن الكثير منهم وخاصة التجار اختلطوا مع شخصيات المجتمعات وأنديته وفعاليات المجتمع المدني فيه سواء على الصعيد التجاري أو السياسي غير المباشر مثل تأييد القضايا القومية أو الثقافي عبر الاشتراك في الأندية الثقافية وتأسيس المدارس وغيرها. وبقيت الجالية النجدية متحدة في الهوية والثقافة لكنهم تركوا بصمات قوية في الحياة الاقتصادية والثقافية على وجه الخصوص.
انطباعات العرب عن هجرة
النجديين في بلدانهم:
في جميع المدن العربية التي هاجر إليها النجديين واستقروا فيها لبعض الوقت كان الانطباعات عنهم سواء عن فقرائهم أو عن أثرياءهم هو: أولا: الاعتزاز والكبرياء لأصولهم والمدن التي جاءوا منها بشكل يثير الإعجاب. ثانيا: مشاركتهم الفعالة في القضايا القومية والإسلامية والثقافية، خاصة بعد أن ينالوا بعض التعليم في المدارس العربية، ولكن بشكل لا يعد تدخلا مباشرا في شئون البلدان الخاصة أو العامة، وبالتالي احترامهم الشديد لحكومات تلك البلدان سواء كانت حكومات مستقلة أو كانت خاضعة لهيمنة استعمارية. ثالثا: الكفاح من اجل لقمة العيش بصورة ملفتة للنظر. فلم يتردد النجدين من الفقراء منهم عن العمل في كل الأعمال الشاقة مثل: حمل البضائع في الميناء، والخدمة في البيوت وغيرها، ولم يجدوا أي عيب في تلك الأعمال مهما كان ت دونيتها ما دامت عملا شريفا في النهاية. رابعا: السمعة الطيبة بل والعظيمة للغالبية الساحقة من أهل نجد في المدن العربية سواء من حيث الأخلاق العالية والتواضع والشهامة والكرم وكل الأخلاق العربية المعروفة.
علاقة النجديين بالسلطات
في بلادهم:
بقيت علاقات النجديين بحكومات بلدهم الأصلي علاقة حميمة. وكان الأهالي يتبادلون معهم الثقة المتبادلة، بل ولم يحدث طوال التاريخ الطويل نسبيا من الهجرة أن حدثت أي توترات تذكر. ولعل من أهم الأمثلة على تلك العلاقة الممتازة هي زيارة المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود إلى البحرين عام 1939 ميلادي والاستقبال الشعبي الكبير والحميم له من قبل مئات النجدين المقيمين في المنامة والمحرق. وقد ازدادت تلك العلاقات حميمة عندما زار الملك سعود البحرين عندما كان وليا للعهد عام 1952 وتم الاحتفاء به أيضا. وتروى احد الحكايات إن الملك سعود رحمه الله فوجئ بالأعداد الضخمة للجالية النجدية في البحرين والتي كانت تقدر بالمئات والذين جاءوا للسلام عليه. فسأل عندها زعيم الجالية السعودية هناك المرحوم عبدالرحمن القصيبي: ماذا يفعل كل هؤلاء النجديين هنا ؟ فأجابه القصيبي: إنهم يعملون هنا يا طويل العمر؟ فطلب منهم المرحوم الملك سعود العودة حالا إلى المملكة والعمل هناك بدلا من الغربة والاستفادة من الثروة النفطية.
نفوذ النجديين:
شكل النجديين على الدوام جالية قوة في جميع البلدان التي هاجروا إليها. وكانت تلك القوة تنبع أولا من مكانة التجار النجدين وثقلهم واحترامهم الشديد في أسواق تلك البلدان. بل إنهم اعتبروا كما في البحرين من أهم الجاليات العربية أو الأجنبية وكان يحق لهم اختيار ممثل عنهم في بلدية المنامة في بداية العشرينات من القرن العشرين.
albassamk@hotmail.com