أخبرني كاتب يهوى التخيل والخيال أنه رأى الأدب نفسه يجول ليلاً في طرق مقفرة محنى الرأس والظهر ذارفاً الدموع الغزيرة، فقلت له إن بكاء الأدب هو أمر غير مستغرب لأن مصابه لا يُصبر عليه، فمن يزعمون أنهم أبناؤه البررة هم المسيئون إليه عن قصد وتصميم وخبث، ومن يزعمون أنهم حماته والمدافعون عنه هم الذين يعاملونه كأنه فاسق يهوى الرحيل الدائم من فراش إلى فراش.

وأخبرني الكاتب أنه رأى الفن يطرق الأبواب بإلحاح من دون أن يفتح له أي باب على الرغم من أنه ليس بالمتسول، فقلت له إن البيوت التي يطرق أبوابها لم يمتلكها مالكوها إلا بفضله وبفضل براعتهم في استغلاله.

وأخبرني الكاتب أنه رأى الفكر مرتدياً الأسمال البالية يحملق إلى ما حوله صامتاً مذهولاً مستغرباً، فقلت له إن الفكر كان ثرياً، ولكن كل ما في خزائنه قد سُرق ونُهب وبيع بأبخس الأسعار، واللصوص لم يكونوا سوى حراس تلك الخزائن من تلامذته.

وأخبرني الكاتب أنه رأى النفاق يختال طاووساً وقائداً لجيش يزداد بأسه كل يوم، فقلت له إن المنافقين إخوة والنفاق يرفع ويخفض.

وأخبرني الكاتب أنه رأى الكلمة تطلب عملاً في ناد ليلي يرتاده كبار القتلة وكبار اللصوص، فقلت له إن من لا يشتغل لا يأكل.

وأخبرني الكاتب أنه رأى الصدق يبحث عن ناطقين باسمه بدلاً من محتالين يزعمون أنهم وحدهم الناطقون باسمه، فقلت له إن بحث الصدق سيظل بغير جدوى ولن يظفر بأي نجاح.

وأخبرني الكاتب أنه رأى الكذب يطير من مجد إلى مجد مطوقاً بصيحات التكبير والتهليل والمؤازرة، فقلت له إننا نحتاج إلى صيادين يقتلون كل ما يطير وهو ليس بطائر.

وأخبرني الكاتب أنه رأى الحرية مكبلة بالأغلال، تنقل من سجن إلى سجن، وسجانوها يحاولون إقناعها بالحسنى أن تصادق من تحاربه موضحين لها النفع العظيم الذي ستجنيه، فقلت له إني رأيت الحرية تقاد إلى المشنقة مطلقة الاستغاثة تلو الاستغاثة، ولا أحد يبادر إلى إغاثتها لأن الغوث لا يطلب من مقبرة وتكية ومأوى العجزة.

وأخبرني الكاتب أنه رأى الليل يأتي إلى المدن والقرى، فيُقابل بالترحاب، ويُطلب إليه ألاّ يرحل، فقلت له إن ظلاماً يحجب ويخبئ خير من نور يفضح ويعري.