مررنا بالكثير من المحطات في حلقاتنا الست الماضية كما أشرنا في إحداها بما أوجزنا عن حضور المرأة في الفن التشكيلي في العصور الوسطى وعصر النهضة التي ازدهرت فيه إبداعاتها وصولا إلى القرن العشرين الذي أخذت فيه المرأة التشكيلية نصيبها من الشهرة والإعلام امتدادا إلى المراحل اللاحقة التي كان منها امتداد هذا الحضور إلى العواصم العربية بما فيها مجلس التعاون الذي ألمحنا له في الحلقة السادسة لنصل معكم ابتداء من اليوم إلى دور المرأة السعودية في هذا الجانب، متى كانت البداية، ماذا طرأ من جديد؟؟.. إلى أن حققت التشكيلية السعودية من حضور عالمي على أيدي فنانات يعلمن ما تعنيه اللوحة من أهمية في كشف الوعي الثقافي والإبداعي في وطننا العزيز.
هذا الجزء من الحلقات سيأخذ حيزا أكبر وسنسلط الضوء فيه على الكثير من المحطات والتجارب التي أثبتت التشكيلية السعودية من خلالها امتلاكها للقدرات التقنية والثقافة العالية، كما نشير إلى أننا بصدد إصدار كتاب سيشتمل على تفاصيل دقيقة في عالم المرأة التشكيلي عبر تلك المراحل مستندين على مراجع وأسماء ومتابعة مباشرة.
مراحل التأسيس
ليس هناك ما يمكن أن نميز به مرحلة البدايات والتأسيس للفن التشكيلي السعودي من جانب حضور المرأة عن أي بدايات أي دولة خليجية الأقرب لنا ويبقى الاختلاف في كثافة الإعداد نظرا لاتساع مساحة المملكة لهذا لا نرى أي فارق في الوقت أو أن نحدد بشكل دقيق هذه البداية رغم وجود مادة التربية الفنية في مدارس البنات 1379 هـ - 1959 م ومعاهد المعلمات المتوسطة والثانوية التي تأسست لاحقا قبل إنشاء الكليات وأقسام التربية الفنية فكانت هناك مادة للرسم والأشغال تتلقى فيها الطالبات في تلك المراحل دروس في الرسم والتلوين لا يمكن أن تمر دون أن تبرز موهبة من المواهب كما هي حال المواهب من الطلاب إلا أن النشاط التشكيلي بمفهومه العالمي لم يكن ذا أهمية إلا بعد مرحلة لاحقة وبشكل ضئيل كان لمعهد التربية الفنية 1385هـ الدور الأساسي في تحريكه أو وضع بذرته الأولى من قبل المواهب الرجالية، وان وجد شيء من حضور للمرأة في الفن التشكيلي الحديث فهو لمن برزت أسماؤهن وانتشرت وكان لهن مساهمات مباشرة في الساحة ابتداء من الرائدات اللاتي سنأتي على ذكرهن أو من أتين بعدهن مع أنه من الصعب أيضا أن نحدد فاصلا بين جيل وآخر كما هو في تسلسل حضور التشكيليين الرجال، إذا اعتبرنا أن تحديد الجيل يعني أن يكون بينه وبين من قبله أو بعده فترة لا تقل عن الخمسة وعشرين عاما، فالأسماء أو توقيت حضور التشكيليين من الجنسين يأتي تباعا وفي وقت قصير بين فنان وآخر، إلا أن من الممكن أن نحصر العدد ونتابع مسيرة التراكم العددي وكثافة المشاركات ونوع المعارض التي ساهمت في تسليط الضوء ومنح الفرصة للتشكيليات ومنها ما قامت به الرئاسة العامة لرعاية الشباب من تنظيم المعارض المتنوعة منها معرض المقتنيات الذي خصص لاقتناء الرئاسة للأعمال المتميزة ومعرض الفن السعودي المعاصر الذي يعتبر خلاصة المستوى العام للفنانين، هذه المعارض وغيرها منحت فرص ولو متأخرة لدخول المرأة في مجال المشاركات وأبرزت الأسماء التي كانت تعمل في الظل وفي حدود معارض خاصة هنا وهناك سنأتي على ذكر بعضها، ولم يتوقف دعم الجهات الرسمية ذات العلاقة بالثقافة والفنون من فتح الفرص لمشاركة المرأة التشكيلية ومنها مهرجان الجنادرية.
لكن الفترة التي يمكن أن نعتبرها الأكثر تحركا وحضورا للمرأة هي الفترة التي افتتحت فيها أقسام التربية الفنية في الجامعات واستطاعت الدارسات للفنون التشكيلية كأحد المقررات في القسم أن يعرضن أعمالهن في المعرض السنوي الذي يقدم فيه تلك الأقسام إنتاج الدارسين من الجنسين فبدأت في الوصول إلى الآخرين من زوار المعرض إضافة إلى المعارض التشكيلية التي تقيمها وزارة التربية والتعليم ممثلة في إدارة التعليم في مختلف مناطق المملكة للمعلمين والمعلمات ليتواصل بحث المرأة التشكيلية عن فرص أكبر خارج سرب المجموعات أو المعارض العامة لتلك الأقسام فبحثت عن فرص أخرى ووجدت الدعم والتشجيع ومنها معارض الرئاسة العامة لرعاية الشباب ومعارض جمعية الثقافة والفنون منذ انطلاقة أول معارضها.
رائدات البدايات
الإشارة السابقة قصدنا منها التعريف ببعض الجهات والمعارض والمؤسسات التي لها علاقة بحضور المرأة التشكيلية السعودية وهي مراحل وفترات زمنية لا يمكن إيجاد رسم بياني يحدد لنا متى وكيف وكم هي المشاركات فهناك أسماء شاركت في معارض في فترة السبعينيات الميلادية ولم يعد لها حضور لاحق ولهذا لا يمكن اعتبارها شاهدا أو مستشهدا بها على البدايات، ولهذا نعود لما اتفق عليه الكثير من الباحثين في هذا المجال والكتاب والنقاد التشكيليين في تحديد أسماء معينة تعتبر رائدات الحضور التشكيلي النسائي (للتمييز فقط) واللائي كان لوجودهن مع أسرهن خارج الوطن فرصة لتلقي التدريب أو الدراسة في مجال الفنون أو اكتشاف هذا العالم الغائب في تلك الفترة عن واقعنا المحلي إلا من القليل في الدول العربية، ولنبدأ بالفنانة نبيلة البسام التي ولدت وتلقت تعليمها الأولي والثانوي في الهند كان والدها أحد المشتغلين بالتجارة بين المملكة العربية السعودية والهند. وفي العام 1960أكملت تعليمها الجامعي في الجامعة الأمريكية ببيروت حيث حصلت على شهادة البكالوريوس ودرجة الماجستير في التعليم. وقد كانت من الأعضاء الفاعلين في مجتمع الفنون بالجامعة وحصلت على أولى جوائزها في المسابقة الفنية الجامعية في العام 1964
الفنانة صفية بن زقر التي انتقلت مع أهلها إلى القاهرة في أواخر عام 1947، ثم عادت في عام 1963 إلى مدينة جدة، بدأت مشوارها الفني بإقامة معرض مشترك في عام 1968م مع الفنانة منيرة الموصلي وأقامت أول معرض شخصي لها في عام 1393 هـ 1973 م بمدينة لندن واليوم تدير ابرز دارة تدعم الفن التشكيلي تعد معلما من معالم جده، اما الفنانة منيرة الموصلي التي تخرجت من كلية الفنون الجميلة في القاهرة عام 1974 م، تعد الضلع الثالث في مثلث الرائدات الأوائل فقد أقامت معرضها الشخصي الأول عام 1972 م في مدينة جدة،وبعد عام من هذا المعرض أقامت معرضها الشخصي الثاني في الرياض ثم توالى حضورها النشط على مستوى المملكة والخارج.
أسماء أكملت المسيرة وأخرى توقفت
وإذاتجاوزنا مراحل البدايات البعيدة والأسماء المؤسسة للفن التشكيلي (النسائي بالمملكة التي لم تتعد أصابع اليد الواحدة، لا يعني أن الأمر توقف عند هذا الحد أو أن ما أتى قد يكمل بقية الأصابع في اليدين الاثنتين وإنما الأمر أصبح اكبر من حجم أصابع الزمن مع الاعتذار لعنوان احد المسلسلات التلفزيونية، فأصبح أعداد التشكيليات يوازي أو يتعدى أعداد التشكيليين، لكن العبرة ليست بالعدد وإنما بالقدرة على التواصل والحضور والاستمرارية والبحث والتجريب وتطوير الذات والارتقاء بالوعي الذاتي عند الفنانة عبر الثقافة الواسعة التي يفتقدها الكثير منهن.
وعندما نأتي على رصد الإعداد والأسماء نجد أن المنطقة الغربية قد كانت الأبرز في أعداد التشكيليات يتبعها المنطقة الشرقية أما المنطقة الوسطى فمشاركة التشكيليات كان متأخرا وبأعداد قليلة إلى أن دفعت كليات المعلمات وقسم التربية الفنية بجامعة الملك سعود بالخريجات إضافة إلى إعداد أخرى يمتلكن الموهبة قمن بتطوير أدواتهن عبر الدورات الخاصة برز بعض هؤلاء واستطاع التواصل والبعض تراجع.
ويمكن لنا في هذه الحلقة أن نشير إلى بعض الأسماء مع الاعتذار لمن لم نأت على استحضار اسمها فالأسماء كثيرة والإعداد كبيرة لكننا سنذكر هنا إلا قرب إلى مرحلة البدايات والممكن وصفهن بالجيل الثاني وبعضهم الآخر أتين بعدهن بمراحل قليلة.
الفنانات فوزية عبداللطيف، اعتدال عطيوي، نوال مصلي، رائدة عاشور، زهرة أبو علي، إلهام بامحرز، منى القصبي، مريم مشيخ، بدرية الناصر، شريفة السديري، شادية عالم، فاطمه عمران،، هالة فرعون،ابتسام باجبير، هند نصير، هدى الرويس، شعاع المجدل.
هذا وسوف نستعرض في حلقاتنا القادمة بإذن الله بعض من النماذج وجوانب أخرى في هذا المجال مع ترحيبنا بأي تعديل أو تصويب خصوصا في جانب أسبقية الحضور في الساحة وسنكون لكم من الشاكرين.
monif@hotmail.com