كلُّ الشتاءاتِ التي أحببتُها مرّت

وألقت في فؤداي لونَها المزرّقَ

وابتعدت بأطراف الأمانْ

كلُّ النبوءات البعيدة أَسرجت فرسَ اليقين

وسافرت ببشارةٍ لم تدرِ وِجْهَتَها

فغابت بين حيرتِها وبيني

واستقرت في حياد الأمكنةْ

وهناك في أقصى الحنين وجدتني

ووجدت نورسة تجوب منازل الرؤيا

لتلمس ما تخفّى من حكايات الجفافْ

كم أرهقتني باحتمالات الغيابِ

وأربكتني بالتفاتة طرفِها المسكون أوجاعا

وصبّت في فؤادي جهدَ رحلتها

وغابت دون أن تُلقي مكانْ

وأنا أناي قبائلٌ لمّا تغادر أرضَها الأولى

ولمّا يأتها وجهُ الخلاصْ

أُنبئتُ..

كم أنبئتُ أن لا ألتقي بحرا

منازله البعيدةُ لا ترى بمدى الغريبةِ غيرَ ألوانٍ عجاف ْ

سرب ُ النوارسِ واقتناصُ حقيقةِ الأشياء غرّرَ بي..

وغرّر بي فضولي لاكتناه البحرِ..

لونُ البحر أغراني بقربِ النبع من عطشي الذي ربّيته

وهما بأني قد أصيرُ إلى رواءْ

صحرائي، الأمُّ التي أرهقتُها مُذ لثغتي الأولى بأسئلتي البعيدة

يا لأزمنتي هنالك.. ما لأسئلتي ضفاف ْ

من مأمن يؤتى الغريب ُ

وبحةُ الضاد البعيدة تقتلُ المشتاقَ - لو تدرون -

تكشفُ كلَّ عُري حنينه وأنينه الليليِّ

حتى وهو يلعنُ أرضَه جهراً فيصرخ أنْ (كرهتكِ يا أنايْ)

لم يصدق الموجوعُ ثَمَّ وإنما..

تغتابه الطرقُ البعيدةُ وانكسارُ الصوتِ حين يخوضُ سيرتَها

وليلٌ لا ينامُ بغير أغنيةٍ تهدهدُ نبضَها في قلبه

لم يصدق الموجوعُ ثَمَّ وإنما..

تغتابه تلك المسافاتُ الطويلة إذ تغيب وتتقيه

فلا يرى في دربه إلا خيالاتِ البلادْ

يغتابه الأصحابُ إذ يحكون عن لغةٍ تعود بها إليه ولا تُعادْ

يغتابه لونٌ سيعبرُ في مدى العينين نحو رمالِها

وهناك في قلبِ المساءات البعيدةِ

ينجلي المخبوءُ

يرعشُ ذلك المشتاقُ.. يرقصُ قلبُه المنهوك ُ

ينزف روحَه الولهى وحيداً مثل نايْ

كيف لا يُؤتى بهاء ٌفي شتاءٍ يفركُ الذات الوحيدةَ مثل مصباحٍ عتيقْ؟

كيف لا يؤتى ودربُ المتعبين متاهةٌ عمياءُ

تقسو في اختبار مُريدها

فإذا استجارَ بنبضه منها اهتدى

حتما بما نفضَ الطريقُ من الضياءْ؟

في اعتدادِ الليلِ بالأسرارِ والأشجانِ والرؤيا

وفي أرض غريبة

لا يُباع الحلمُ بالمجّانِ

لكن بانكسارِ الروحِ في جيبِ الغريبْ

من مأمنٍ يُؤتى الغريبُ

فأودعوا بعضَ الترفُّقِ في جرارِ الروحِ

وامضوا ليس يتبعكم أسايْ