يتردد السؤال كثيراً وعلى أكثر من صعيد.. أجده في اللقاءات وفي الندوات وفي الحوارات، ويقفز أمامي عبر الإيميل أحيانا: (كيف أكتب رواية؟)..
وأعتقد أن الذي يوجّه هذا السؤال الأحرى به ألا يكتب شيئاً؛ فالرواية أو القصة أو الخاطرة أو القصيدة لا تحتاج إلى طقوس خاصة لمبدعها أو كيفية أو طريقة معينة؛ إنه يفرغها على الورق فحسب.. تماماً كما تتضوع الوردة بالرائحة الزكية بلا قصد منها ولا اختيار، وكما تصنع النحلة العسل؛ فهذا خلقها وهذه طبيعتها، تنتقل بين الزهور وتمتص الرحيق ثم تخرجه عسلاً، ولا يمكنك أن تسألها كيف أصنع عسلاً؟ فهذه الموهبة الربانية التي منحها لها الخالق خاصة بالنحلة ولا توجد عند النملة مثلاً أو الفراشة..
وهكذا هي الموهبة يهبها الله لبعض الناس وليس كلهم؛ فمن رابع المستحيلات أن يكتب إنسان بلا موهبة قطعة أدبية تجذب المتلقي وتثير اهتمامه ولو التحق بأكبر المعاهد والأكاديميات ودخل في دورات تدريبية تبيعه الوهم ليس إلا.. فالموهبة لا تلقن ولا تدرس ولا تصنع.. الموهبة هبة ربانية خالصة تمنح بعض الأشخاص وليس كلهم، وهي لا تظهر فجأة بحيث يمرض الشخص فتظهر عليه علامات الموهبة والنبوغ، بل هي كالبذرة تبدأ ثم تنمو ثم تكبر، تنضجها الخبرات المتنوعة والقراءات المركزة والتعاطي مع الأحداث اليومية..
سألتني أكثر من قارئة هذا السؤال وكانت إجابتي (الموهبة ثم الموهبة ثم الموهبة), ولا شيء آخر.. فالموهبة يمكن تنميتها وصقلها وتوجيهها في المسار الصحيح، أما تعليم وتوجيه من لا يفقه شيئاً وعديم الموهبة فإنه كالحفر في الصخر أو النقش على الماء، ولو تراصت أوراقه وكثرت فإنها حتماً يعلوها الغبار ويعزف عنها القارئ.. أيضا ليس من المهم أن يكون الكاتب متعلماً تعليماً عالياً ليستطيع الكتابة؛ فالبرتومورافيا الروائي الإيطالي لم يكمل المرحلة المتوسطة، وبالكاد حصل على الابتدائية، وكذلك مكسيم جوركي الروسي ومارك توين الأمريكي..
كذلك ليس مهماً أن يكون نابغاً بالأدب؛ فالكاتب الفرنسي إميل زولا كانت درجته صفراً في مادة الأدب في المدرسة، أيضا ليس شرطاً أن يكون تخصصه أدبياً أو لغة عربية أو أدباً إنجليزياً؛ فالكثير من الأدباء تخصصاتهم تختلف تماماً عن توجههم؛ فعلاء الأسواني الروائي المصري هو طبيب أسنان، وغيره الكثير؛ فالموهبة هي التي تحكم وليس النبوغ أو التخصص أو الرغبة المحضة..
وأستطيع أن أقول: إذا كانت الموهبة موجودة أساساً فإنه يحسن أن يبدأ الإنسان في ممارستها يومياً ويدعمها بالقراءة المكثفة في شتى المعارف ليتزود بالخبرات اللازمة وتقنيات الكتابة التي تساعده على الانطلاق، وقد قال الكاتب الروسي تشيكوف نصيحة لمن يريد الكتابة وهي (هذا عمل متصل لا ينقطع ولا يتوقف أبداً.. يجب أن تكون قارئاً دائماً.. واهتم بعنصر الزمن.. كل ساعة تمر هي جزء من حياتك.. لا تكن طفلاً، إن الوقت أهم العوامل في الحياة وهو أثمن ما في الحياة)..
ولأقدم نصيحة ثمينة لكل مبتدئ: لا تلفت هنا وهناك تبحث عن المساعدة أو الدعم من الآخرين؛ فأغلب الأدباء بنوا أنفسهم بأنفسهم، وغالباً أحبطوا كثيراً وتمت محاربتهم وتثبيطهم؛ فانس الآخرين وابحث في خبايا ذاتك عن الموهبة، فإذا وجدتها فأصقلها بالقراءة المستمرة ثم توكل على الله وانطلق!
الخبر