Culture Magazine Thursday  21/05/2009 G Issue 284
فضاءات
الخميس 26 ,جمادى الاولى 1430   العدد  284
عبدالله الوشمي يغتاب التاريخ
محمد عبدالله الهويمل

 

يصدر عن المركز الثقافي العربي كتاب (فتنة القول بتعليم البنات في المملكة العربية السعودية - مقارنة دينية وسياسية واجتماعية) للدكتور عبدالله الوشمي، والذي أسدى إضافة نوعية للمكتبة السعودية مشاغباً حالةً ثقافية عبرت بالزمن السعودي وانتهت دون تداعيات محسوسة (إشكالات رافقت بداية تعليم المرأة في المملكة).يتجلى ذكاء ومهارة الوشمي ابتداءً باقتناصه الفريد للعنوان واستدعائه الموفق لعنوان تاريخي خطير برز علامة ثقافية على عصر جدلي صاخب وهو عصر (فتنة القول بخلق القرآن) ما أعطى الغلاف جاذبية وإثارة ومغالاة في مقاربة التجربتين.

أدلف أولا للمحور الأهم وهو (لماذا يرصد الوشمي هذه التفاصيل المثيرة وينبش الوثائق ويعيد نشر بعضها والتعليق عليها؟) هل هي حمّى مراجعة التراث التي تستولي على مفاصل الخطاب الثقافي الجديد أم أن القضية قصيمية بحتة أم هوس حكائي سردي أم تعرية أدوات تفكير لها امتدادها وسلالتها البيلوجية فالحكم على جودة كتاب مرتبط عضوياً بجدواه وزعزعته لمفاهيم مركزية في الوعي والتلقي والتأويل وهذا وذاك مرتبطان بحضور السردي وتفاصيله في الذاكرة السعودية لا سيما القصيمية منها، وإذا لم يحقق نقد التاريخ مردوداًُ ثقافياً مرضياً للقارئ؛ فالأمر لا يعدو حكاية تفضح عيباً أي بتعبير آخر (غيبة للتاريخ) حيث إن الوشمي في كتابه يخاطب جيلاً وُلد بعد انتهاء هذه الأزمة وزوال دواعيها وتداعياتها الطفيفة.. والتذكيرُ بها ضرب من التحريض على الأخذ بالثأر ممن كانوا في خندق الممانعة؛ فتلك الإشكالات المصاحبة لتعليم المرأة لم تدخل في أي جدل شعبي أو نخبوي إلا في سياق المماحكات بين فرقاء المشهد الإصلاحي السعودي وكان الطرف الليبرالي الأكثر حرصاً على التلويح بهذه الوثائق الغابرة كرايات نصر وفتح.

الدكتور عبدالله الوشمي، كان حذراً أشد ما يكون الحذر على صعيد العرض واللغة وجاهد أن يبقى محايداً غير أن الحياد غير مطروح لدى صاحب القضية لاسيما أن الوشمي حدّد موقفه باكراً في العنوان والمقدمة والإهداء (المتوتر) وامتد هذا الحذر إلى الخوف من أن يقول كل شيء فاستعاض عن المفترض قوله بالإطناب والحشو المخادع ويتجلى هذا في كثير من مقدمات فصوله حيث لا تكاد تختلف دلالات المقاطع الأولى من هذه المقدمات ولا يعزى هذا إلاّ إلى تخدير القارئ المتوثب والمتخندق إزاء هذا الطرح الجريء لهذا الملف الحساس. وهناك يكون الحشو مهارة وحيلة وليس بالضرورة فراغاً في التعاطي مع محور ضامر فقد وقع جملة من الكُتّاب كالمسيري والقدامي والمسدي ولا يخلو مقال أو كتاب من كتبهم من هذا الحشو الممل. ولكن هذا لا يبرئ ساحة الوشمي من أنه يتعامل بالفعل مع عنوان يصعب التعليق عليه كثيراً إذ إنه يناقش حالة خارج الذاكرة والتفاعل مع مستجدها سيكون مجانياً لأنها تخضع للقبول والرفض ومبرراتها؛ فإمّا أن تصطف خلف أحدهما أو تنتحي جانباً وفي كل الأحوال أنت مجانيّ.

ومن مظاهر حذر الوشمي أنه لم يقدم الكثير لقارئه في تعليقاته البينية أثناء استعراضه لجزء من وثيقة أو مقالة قديمة إلاّ إضفاء شيء من التأييد الخجول أحياناً لفريق المؤيدين دون أن يخوض في معارضة إيديولوجية حادّة وشرسة ربما تفقده ثقة الطرف الآخر في مصداقية العاطفية غير أن نقد الفكر التقليدي كان حاضراً في الكثير من تضاعيف الكتاب وعلى وتيرة انفعالية متفاوتة وهذا التفاوت مؤشر على القلق في لغة الوشمي التي تتكلف الحيادية أحياناً وتمثلها بصدق في أحايين أخرى غير أن التهمة التي قد تسدد لحيادية الوشمي هي تجاهله آراء الممانعين إلاّ ما شرد منها: كالخوف من الفساد في حين أن آراءهم كانت متمحورة على الحذر من تعليم مختلط يماثل التجارب العربية المجاورة وهذا ما ألمح إليه الوشمي دون يسبط النقاش حوله وهو رأي وجيه وغير متطرف وهذه الإرادة هي السائدة المنتصرة حتى الآن بل إن الوشمي همش الممانعين حتى في الأرشيف المقالي في الجزء الأخير من الكتاب فضلاً عن الوثائقي، فهل يشي هذا بضعف في مساحة الحرية آنذاك وإن كانت مكفولة للجميع فأين الصوت الآخر من أرشيف الكتاب الذي افتتحه الوشمي في ص8 بقوله: (ولا شك أنّ هذه الفتنة التي نشبت في ذلك الوقت حول تعليم البنات تعكس لنا أموراً عدّة فهي تشير إلى سقف مرتفع في الحوار والحرية). فأين رصد هذه الحرية في كتاب تحول إلى أرشيف وثائقي ثَرّ ممّول للحجج الليبرالية المعاصرة ضد خصومها بل ربما يُفسر غياب الممانع بغياب حجمه وقدرته على الرد وقتذاك.

نقاط أخرى

لم يتلمَّس الوشمي الأعذار للمانعين ولم يطعن في نواياهم، بل غلب حسن الظن نصاً في ص 101 .

الكتاب كان خادماً معنوياً وثقافياً للمشروع الإصلاح الليبرالي وقد كفاني هذه النقطة الزميل خالد الرفاعي في نقده الكتاب المنشور في الجزيرة.

في ص92 يؤكد الوشمي أن (الرافضين والممانعين كانوا يشكلون الفئة الأقل) إذاً... لماذا هذا الانفعال في نقد الخطاب التقليدي الذي أفرز أغلبية واعية؟.

لو أفاض الوشمي في تجارب تعامل المدن الأخرى مع تعليم المرأة وعقد مقاربة مفصّلة لخّفت عنده حدة نقد النسق القصيمي فقد كان على الوردي يشكو شكوى الوشمي من الرؤية العراقية المنغلقة تجاه تعليم المرأة وعندها سيدرك أن بريدة المكرمة عنده كبغداد المكرمة عند الوردي.

الوشمي لم يفضّ الالتباس الديني الاجتماعي في تعامله مع المشكلة فالإشكال حيناً ديني محض وحيناً اجتماعي محض وأحياناً ملتبس؟!

يقول الوشمي في ص45: (يحضر البعد البيئي ليكون مؤثراً في أحداث هذه القصة فالبيئة القصيمية الموغلة في طقسها الحار الجاف الصحراوي تترك أثراً في طبائع أهلها).. وهذا تأويل خلدوني غير مكتمل ويسهل إسقاطه على كل جغرافيا حادّة أو جبلية والواقع أن القصيم وبريدة تحديداً كانت منافسة سياسياً للرياض وتعتدّ بثقلها السياسي والديني وتعليم المرأة ربما فُسر أنه تعدياً على خصوصية الندّ بوصفها أكبر حواضر نجد، بل إنها كانت وقتاً ما أكثر سكاناً من الرياض.

المقالات القديمة التي عرضت في آخر الكتاب كشفت عن فطرية المجتمع وتدينه وحيث لم ترد عبارات أو تأويلات تتخذ شكل المعسكر، بل هي أشبه بالمشكلة العائلية، وربما اتجهت إلى اتهامات بالنفعية ولكنها لم تتجاوز إلى الإيديولوجيات ومن أحدها قول أحدهم في أحد المقالات: (وقد اشترك في هذه الموقف أيضا أناس عرفوا بمقاصدهم الانتفاعية وخوفهم على سلطاتهم ومصالحهم الإقطاعية) وهذا كله لا يتجاوز المناكفة الطبيعية التلقائية النائية عن التحزبات والاستقطابات الخندقية.

انتهت الأزمة بالحل الوطني الإسلامي وفتحت المدارس لإحسان الظن المتبادل ولاتفاق شرعي ثنائي. وأجزم أن لو دخل الليبراليون طرفاً في الحل لتعثر الحل ولحُرمت المرأة من التعليم.

الدكتور عبدالله الوشمي كان صادقاً ونزيهاً، ولكنّ الصدق والنزاهة لا يشترطان الحياد لأن الحياد مسألة نسبية وصاحب الموقف متهمٌ باللاحياد ولو كان محايداً بالمعنى المباشر للكلمة لما قرر رأياً ودافع عنه لأن الحياد محكوم بالعقل والذوق والرأي فيما النزاهة والصدق محكومة بالصواب والخطأ والمعلومة الدقيقة وغير الدقيقة.

الدكتور الوشمي زَكى حضور التيار الوسطي في معالجة قضايا الثقافة السعودية فهو قادر على المساهمة في حل إشكالات الظاهرة الدينية لأنه محّبٌ لها لا متربص بها.

hm32@hotmail.com الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة