Culture Magazine Thursday  21/05/2009 G Issue 284
فضاءات
الخميس 26 ,جمادى الاولى 1430   العدد  284
لجان النساء في أندية الرجال
لمياء باعشن

 

ما بال هؤلاء النسوة يتململن من أوضاعهن في لجان الأندية الأدبية؟ تصمت عضوات لتصرخ عضوات غيرهن، تهدأ مثقفات لتثور مثقفات أخريات، كلهن يتشكّيْن من تعامل مجالس إدارة الأندية معهن، يعبّرن بحرقة عن إهمال مجحف وعن تهميش مقرف، من الشرقية إلى الطائف ومن مكة إلى جازان ومن جدة إلى الرياض تتردد نفس النغمة وإن اختلفت الأوتار، فالغضب المعلن يوازيه انسحاب صامت، وتبقى الدلالة واحدة حتى وإن لم تثر الزوابع في الصحف، النتيجة واحدة: المثقفات مستاءات من أوضاع مهينة لا يعاملن فيها إلا ك(إكسسوارات تزين بها الأندية) (ليلى الأحيدب: رؤى العدد154)!!!

ولكنني في الحقيقة لا أفهم طبيعة هذا الغضب والإساءات التي تليه لأعضاء مجالس إدارة الأندية ورؤساءها الكرام الذين لا حول لهم ولا قوة في هذه الأزمات المتصاعدة. ما هو الذنب الذي اقترفه ذوو النوايا الحسنة حتى يجدوا أنفسهم مرة تلو الأخرى في فوهات المدافع الثائرة؟ لماذا تصب النساء جام غضبهن على أفراد أمناء يطبقون الفروض التي أمليت عليهم بالحرف الواحد؟ هم في الحقيقة لا يملكون سوى الوقوف مقيدين بالخطوط العريضة التي تنص بوضوح أن لا مكان رسمي للمرأة في أندية للرجال حصرياً!!

ها هو رئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور سعد البازعي يصرح بشجاعة بعد أن طفح به الكيل - بما عرفناه دائماً - على الملأ ويقول أنه كرئيس مجلس إدارة لا يستطيع تعيين امرأة في مجلس الإدارة، بل إن الوزير نفسه لا يملك هذا الحق (الوطن، 10 مايو، 2008). أرجو أن يعم الصمت والهدوء من الآن فصاعداً، فلا نسمع همسة لامرأة تبوح فيها برغبتها في الانضمام لمواقع صنع القرار. أتمنى من الله أن تضع كل مثقفة لسانها في فمها وتكفينا عناء سماع تشكيها من تجني الأعضاء الذين يتمتعون بصلاحيات مُنحت لهم بواقع تعيينات رسمية لا غبار عليها. لتكن هذه نهاية الصراعات بين من وُهِبت له السلطة وبين من سُلبت منهن، بين أصحاب الحق الرسمي في النادي وبين المتطفلات عليه، ولتحضر عضوات اللجان (الرديفة) الأمسيات وهن راضخات شاكرات للأعضاء تفضلهم بإتاحة هذه الفرصة العظيمة التي مكنتهن من تنظيم دخول النساء إلى القيعان الخلفية المظلمة، وليحمدن لهم أن مكّنوهن من الامساك بالمكروفونات لتنظيم مداخلات الضيفات بعد سماع المحاضرات في موقع الحدث الرئيس الواسع والمضاء والمنقول على وسائل الأعلام.

ثم لماذا تتشكى عضوات اللجان النسائية من هذا الوضع ويعتبرنه مهيناً لكرامتهن بعد قبولهن العضوية؟ أود لو عادت كل عضوة بذاكرتها إلى الوراء لتستعيد أحداث اختيارها في هذه اللجان. حين بشّرها رجل من ناديها بأنها المختارة للانضمام له، هل تذكر أنه شرح لها ما هو متوقع منها؟ ثم (وهذا هو السؤال الأهم) هل تذكر أنها سألته هي عن حقوقها وواجباتها إن هي قبلت دعوة النادي؟ لا أظن! في خضم الفرحة الغامرة تهرع الواحدة منا وقد عانت سنوات من العزلة والإقصاء إلى قبول ما يعرض عليها من مشاركات ولو ضئيلة في الساحة العامة، ظناً منها أن الشمس قد طلعت أخيراً على زواياها المعتمة، وأنها أخيراً ستنال الفرصة المنتظرة لتقوم بدورها ولتظهر قدراتها ولتساهم في تحريك الفعل الثقافي بجهد مفيد. لذلك تنسى أن تسأل: أين سأضع قدماي؟ لماذا اخترتموني؟ ما الذي سأقوم به؟ ما هي حقوقي وواجباتي؟ لذلك أجدني لا أفهم معنى تذمر عضوات اللجان من تسلط رؤساء الأندية. بالله عليكن أخواتي، من هو الذي وعدكن بحدائق الزهور ثم أخل بوعده؟

بكل ثقة، وسأصفها بالعمياء، تتقدم المثقفة لتقبل بما عرض عليها: فرصة ذهبية لن تدعها تفلت من يدها، فجوة في باب كان موصداً بالأقفال ستحشر فيها قدمها لئلا يغلق الباب في وجهها مرة أخرى إن هي أحجمت. كلها أحلام تجعلها تصرخ من ألم يصيب قدمها كلما زاد ضغط الباب عليها مهددا بالانغلاق.. كلها أماني تلمع أمام عينيها تسقطها على أعضاء المجلس الموقرين، فتحجب عنها حقيقة وضعها المهزوز في منظومة الأندية الأدبية. وما أن يمضي بعض الوقت حتى يبدأ اختناقها وتحاصرها القيود، فهي لا تدري شيئاً مما يدور في النادي وتحجب عنها المعلومات تماماً ويتم دعوتها للفعاليات كالضيفات. ثم إن هي تقدمت بفكرة أو طلبت إقامة فعالية يطلب منها عرض الموضوع على المجلس حيث تتم مناقشته ثم قبوله بشروط أو رفضه في غيابها وكأنها غريبة تقدم معاملة من خارج المجموعة. وقد يتعطف عليها المجلس بالموافقة على أنشطة تخص المرأة فقط بما لا يمت بصلة للأدب والثقافة: مثل يوم المرأة العالمي ويوم الطفولة ويوم الأسرة ودورات المهارات الكتابية وتطوير الذات... دوائر ضيقة لا يحضرها كثير من النساء ولا قليل من الرجال، ومن يلومهم وهم لا يرون شيئاً مما يدور خلف أسوار الحرملك، فيضطرون للعودة إلى زمن الراديو راكنين إلى مهارات الإصغاء الممل. شاشات الدوائر المغلقة في الفعاليات النسائية لا تتابع الحدث الأساس، بل تنقل للنساء انطباعات الرجال القلائل الذين تلطفوا بالحضور وقد بدا على ملامحهم الضجر الشديد.

رؤساء الأندية وأعضاء مجالس إدارته أبرياء من كل ذنب ولا يستحقون هذا النقد اللاذع، فهم في واقع الأمر لا يتجاوزون حدود صلاحياتهم ويلتزمون بالمهام الموكلة إليهم، وقد تم توجيه خطاب تعيين رسمي إليهم فردا فردا، فمن الذي خاطبكن رسمياً أيتها العضوات؟ بعد التعيين اجتمع سعادة وكيل الوزارة بكل مجلس إدارة وتم توضيح المهام ورسم المسارات، فمن الذي جمعكّن وشرح لكن مسئولياتكن؟ من هو الذي ضمن لكن أدنى الحقوق ثم نكص على عقبيه ؟ كيف تبادر إلى أذهانكن أن دعوتكن للجان النسائية تعني بالضرورة مشاركاتكن الفعّالة والجادة؟ الحقيقة الواضحة أن الوزارة حين وصفت اللجان النسائية ب(الرديفة) قد وضعت في تصوري توصيفاً دقيقاً لمكانتكن في الأندية: (تتكون اللجان النسائية من عضوات تابعات طائعات يشكلن حلقات الوصل بين ضيفات النادي والأنشطة المقامة داخله)، لا أكثر ولا أقل. هذا هو الوعد الوحيد الذي قطعته الوزارة على نفسها حين ارتأت تشكيل اللجان النسائية، وربما أرادت أن تكون هذه خطوة أولية، قدم تحشر في فجوة باب، أقول ربما.. لأن القادم قد لا يكون أجمل بالضرورة.

صراحة أنا أحترم العضوات الصامدات واللواتي يعملن في صمت رغم حرق أعصابهن وارتفاع ضغط دمائهن في كل موسم ثقافي وخلال كل فعالية يفكر فيها ويناقشها ويقرها وينظمها وينفذها ويقدمها ويفرح بها ويظهرها فخوراً على الصحف والمجلات والقنوات رجال الأندية الأدبية. هؤلاء العضوات العاقلات يعرفن جيداً حدودهن ويدركن أن أدوارهن لا ترقى إلى الثانوية، لكنهن قبلن الوضع منذ البداية دون ضمانات، رضين بالمكانة دون وعود، لذا فلا معنى للتمرد والتظلم وإحراج مجالس الإدارة بمطالب لا يملكون تنفيذها وقيود الأنظمة تغل أيديهم. رؤساء الأندية لا يملكون من أمرهن شيئاً، وليس بأيديهم تعيين العضوات في مجالس الإدارة، ولكن العضوات الصابرات يدركن جيدا أن أيدي رؤساء الأندية ورجالها لا تنقصها الحيلة تماماً، فبأيديهم التي تعجز عن مساعدة النساء يمكنهم تطفيش العضوات والزج بهن في أركان النسيان. يتخاذل أعضاء المجالس عن مد يد العون للنساء وتمكينهن داخل الأندية، لكنهم لا يترددون في التضييق عليهن والضيق بهن، بل وتطول أيديهم القاصرة وتقوم بإنهاء خدمات العضوات وتعيين غيرهن نكاية بهن، ثم إلغاء اللجان النسائية بأكملها ودمج العضوات بالأنشطة، وإذا بالباب الموارب الذي حشرت المثقفة في فجوته قدمها خوفاً من أن يغلق، يصفق في وجوههن جميعاً بصلافة وجفاء، وإن تشكت إحداهن قيل لها: من الذي عيّنك أصلاً؟

الأمر الذي أوله شرط يكون آخره نور، فأين شروط العضوات اللواتي صموا آذاننا بضجيج لا طائل منه بعد التورط؟ وبأي حق يضعن اللوم على أعضاء مجالس الإدارة المثقفين الذين لم يتلقوا شروطاً منهن ولا قطعوا لهن عهوداً؟ مطالبات العضوات الصاخبات جاءت متأخرة وكان من الأفضل لهن أن يتسلحن بالصلاحيات والحقوق قبل التقدم إلى خط المواجهة. الأمور ساطعة سطوع تلك الشمس التي ظننتن واهمات أنها طلعت أخيراً على زوايانا المعتمة: لا فائدة الآن من الصراخ والتشكي والتظلم، لقد وقعتن في فخ التبعية والانابة بأعين مفتوحة، وتعرفن جيداً أن الفصيح عندما يطيح لا يصيح، لأنه حين يصيح فإنما يفضح سوء اختياراته وسوء تقديره للأمور بوضع نفسه في غير موضعها!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7712» ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة lamiabaeshen@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة