- قال يسألني: ماذا بينكِ وبين الله..؟ فضننتُ عليه بالجواب. قال: إذا كان كل شيء بينكِ وبين الناس ولا شيء بينكِ وبين الله، فأنتِ مادة خالصة لا نورانية فيها، وإن كان بينكِ وبين الله جلَّ جلاله شيء فأنتِ جوهر ومادة، وإذا كان بينكِ وبين الله كل شيء ولا شيء بينكِ وبين الناس، فأنتِ مع الله أبداً، والله معكِ أبداً.
ثم قال: بكِ الجنة أنظريها تجديها، وإذا ما غرست بها من ورود الحكمة ورياحين الحب والرحمة، ورويتها بينابيع الحقيقة، تفتحت ورودها سعادة وفرحاً وغبطة وحرية. تهرب ذاتي إليه عندما يفيض وجدها، تسير إليه بقدم الشوق ليرشدها إلى غاية شوقها وحبها وهيامها، وعندما أيقََنَتْ أنه غاية غاياتها وجوهر آمالها وموطن سعادتها، أبَتْ أن تعودَ إلي.
- كنت أتوق سؤاله عن الخيار، وما إن سألته حتى أجاب بدماثته المعتادة: إنه نفي الاضطرار، حيث إن معظم العلاقات الإنسانية هي في واقع الاضطرار، كونها داخل نطاق العالم المادي، فإذا تحرّرت من مادية العلاقات فإنها ستسمو إلى الخيار.
- أرى في نديمي صفاء الكيان والكلمة وقد رجوته أن يحدثني عن الصفاء، فقال بوداعة: إنه صفة توصف بها الأشياء بشفافيتها ونقاوتها وعلو جمالها، وعندما يصبح الصفاء فوق طاقة الإدراك، تسقط عنه الصفات، فنقول عنه مجازاً: إنه صفاء محض.
حين يصفو الجمال يصبح قدسياً، وحين يصفو الحب ذلك الصفاء الخالص يصبح إلهياً، وحين تصفو الذات ذلك الصفاء المحض، تصبح هي، أي تسقط الصفات عن الموصوف إذا شفت وسمَت عن حدود الإدراك وصارت في الإطلاق.
- إننا نسأل، ويبقى السؤال واقفاً على بوابة التغير في خواطرنا، أما الجواب فهو سر نحمله في دواخلنا! ويبقى غائماً علينا لأننا لم نبحث عنه قط؟
إن من دواعي الحزن، تجاهلنا لذلك العلم، ونسأل طوال العمر، ذات السؤال المتأمل من أنا..؟! إننا نحزن حين لا نملك جواباً عن ذاتنا، وكأننا لا نملك لغة، لذا نسأل عن الجواب! حتى لو كان إلى أين؟
إننا نسافر على بساط البعد وفي البعد ننظر، ننظر في كل اتجاه، لكننا لم ننظر مرة واحدة لذاتنا وكأن رحلتنا كلها لاكتشاف ذلك البعد الذي لا يملك هوية.