Culture Magazine Thursday  11/06/2009 G Issue 287
أنهار
الخميس 18 ,جمادى الثانية 1430   العدد  287
هيلدا دوليتل توهج اليأس العاطفي

 

لأن قصيدة (يوريديس) كتبت على خلفية النهاية المريرة لزواج هيلدا دوليتل من الشاعر ريتشارد الينقتون فيمكن أن نعتبرها على مستواها الحياتي صرخة غضب ويأس أطلقتها في وجه زوجها الخائن الذي دفع بها نحو التعاسة إلى أن وصل في نهايته بنبذها.

وبرفضها للأسطورة المألوفة لأورفيوس، ذلك العاشق المخلص الذي تنبئ التفاتته لزوجته بطموحاته وبالقصور الإنساني الذي يعتريه، فإن يوريديس (القصيدة) تتشح بنزعة أورفيوسية خاصة، حيث إن تلك الالتفاتة الخاطفة لا تبرز كعلامة للجشع فقط:

وفي ذات الوقت فإن هيلدا دوليتل ترفض وضع يوريديس في صورة (السلبي) في خضم تحقيقها مع زوجها القوي جدا، بينما سمحت من خلال تعويذات أورفيوس بموسيقاه مما ينفي وجود أي صوت إبداعي خاص بها. وعوضا عن الرضا بقدرها بصمت أو العويل للآلهة تتذمر بطلة القصيدة من كل الاضطهاد الذكوري الذي يمارس على المرأة مقدمة بيانا شعريا نسويا، هو في آخر الأمر الحيز المضاد للمساحة الأدبية التي اقتيدت إليها الشاعرة كمصدر للقوة.

لكنها كانت جريئة في رؤيتها في المقطع الأخير حيث تتوعد الجحيم (بطريقة شيطانية كتلك التي طرقها روبرت بيرنز) أن تتفتح كوردة حمراء الأمر الذي يشي بأن (زهرات نفسي) في يوريديس هي إزهار جامح بالفعل.

يوريديس

قصيدة للشاعرة الأمريكية: هيلدا دوليتل

ترجمة: سهام العريشي

ضيّعتني مرةً أخرى إذن!

أنا التي ذرعتُ الفيافي مع الأرواح النابضة

ولفظتُ أنفاسي وسط الزهور النضرة.

خذلني كبرياؤك

وهصرتني قسوتك وضيعتني ثانية

هناك حيث نباتات حزاز الصخور الميتة

تقطر رماداً بائتا

على حفنة من رفات.

إذن .. فقد كسرني كبرياؤك أخيراً

أنا التي أمضيتُ العمرَ

كمن يُغمى عليه

وكمن هُمّش أكثر من المعتاد.

لو كنتَ فقط تركتني في جبِّ الانتظار

لكنتُ أحلتُ عبث التراخي سلاماً

ولكنتُ تنفّست الهدوء مع الموتى

ونسيتك

ونسيتُ الماضي الذي كان.

لا شيء هنا عدا اشتعال ينبتُ من نار

وعتمةٍ تضيع في زحمة الشرر,

خيوطٌ من ضوء وظلام

معدمة الألوان.

لم كان محتّماً عليكَ أن تلتفت؟

ذلك الفم النهم في الجحيم

لم يكن ليشبعه سواي

لم إذن أعدتني للعدم ؟

ولِمَ نظرتَ إلى الخلف؟

من أجل ماذا ألقيت بتلك النظرة للوراء؟

لماذا ترددت لحظة ً وأدرت وجهك؟

وجهك المسكون بوهج الحياة

لماذا سكبته على ملامحي؟

أي ضوء ذلك الذي اجترح وجهي

حين مرّت على تفاصيل الملامح نورانية نظرتك؟

ما الذي كان ما رأيت بوجهي؟

أهو نور وجهك أم نار الحياة فيك؟

الآن

ليس لملامحي ما تهبكَ إياه

سوى وجه الحياة الآخر

ياقوتية اللون

كصدع صافٍ في جبين الصخر

الذي حفره الضوء.

وزعفرانٌ كأنه اللازورد

كلمعانه الذهبي الذي يطفو للأعلى

وأنفاس زهرة ٍفي عروقها الشمعدان

والبياضُ والضوء

زعفرانٌ يتدلّى من هدب الأرض

جموحٌ ينثني بين أصابع الأرض الجارحة

حيث تموتُ الزهور، كل الزهور

وكل شيءٍ يضيع

يتلطّخ كل شيءٍ بالسواد

بل أسوأ من السواد

إنه النور الذي فقد لونه.

هامشٌ فوق آخر

من زعفرانٍ كئيب

يتشرنق حول نفسه تحصناً من الكآبة في داخله

كئيبٌ من الحياة فوق البسيطة

كئيبٌ من العمق في عمق الزهور

زهور في مهبّ الضياع

آه ٍ لو كنتُ استلفتُ منها شهقة واحدة

تكفي لأكثر من حياة

حياة أكبر من مجرّد الحياة

التي واراها الثرى معي.

آه ٍ لو أخذتُ معي وقت الرحيل

كل زهور الأرض

لو كنتُ استطعت نفخ روح الزعفران الذهبي في روحي

لو كنتُ صبغتُ بحمرة نبضه دمي

لو كنتُ اقتطفتُ الذهب الخالص من قلب أول زعفران

لو كنتُ تنفّستُ قداسة الأريج

لكنتُ تجاسرتُ الآن على الفقد والضياع.

إذن فقد غادرتُ الأرض

لأجل كبريائك وقسوتك

خلّفتُ زهور البريّة

والأرواح النابضة بالحياة

وأنت يا منّ قفزت على الضوء إلى قعر القسوة

يا من اكتفيت ذاتيًا بالضوء فيك

ويا من أغناكَ وجودكَ عن كل وجود

لا شيء أقوله لغطرستك ونظرتك

سوى شيءٍ واحدٍ فقط:

هذا الفقد ليس فقداً

هذا الخوف وتلك الالتفاتة وكل هذه الطرق والعثرات

في جوف الظلام ليست خوفًا ولا فقداً.

الجحيم لن يكون أسوأ من حياتك فوق الأرض

الجحيم ليس أسوأ

كلا.. ولا حتى زهورك أو عروق الضوء

ولا حتى الحياة معك

ليست فقداً ولا خسارة.

جحيمي ليست أسوأ من نارك

حتى لو همتَ مع الزهور

واتصلت بالأرواح التي تحوم فوق الأرض.

سأقاومُ العتمة بالتوهّج المتناسل في داخلي

باتقادٍ تفتقده رغم البذخِ من حولك

سأشقّ الحلكة وعويل الرماد بضوءٍ أكثر

وزهورٍ أخرى.

ربما يتوّجب عليّ أن أقول:

لعلّك رميتَ بنظرتك وأنت على صراطك المستقيم إلى الهاوية

عد والتفت مرةً أخرى إذن

وسأهوي أنا إلى رعبٍ أشد هولاً مما أعيشه الآن.

سيكونُ لي، على الأقل، زهوري الخاصة

وأفكاراً ذاتية لا يسلبها إله.

لي تألق نفسي واشتعال وجودي

وروحي التي تخلق النور

روحي التي رغم ضياعها تدرك

أنها صغيرة أمام غول السواد الكبير

وأنها ضعيفة في وجه صخور بلا شكل

وأن الجحيم حتماً سينكسر قبل أن يكتب عليّ الرحيل.

قبل أن أرحل

ستتفتق ألسنة النار كوردة حمراء

ليستنشق الموتى عبير الحياة.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة