Culture Magazine Thursday  09/04/2009 G Issue 278
ذاكرة
الخميس 13 ,ربيع الثاني 1430   العدد  278
خالد زارع... الإعلامي النجم الذي فقدناه!
د. زهير الأيوبي

 

منذ عدة شهور ودّعنا الأديب الكبير والإعلامي المعروف الأستاذ (عبدالله جفري)، وكان في عمري.. وبالأمس رحل عنا الإعلامي العربي الأستاذ (عبدالهادي البكار) وهو يكبرني بثلاث سنوات.. وبالأمس القريب غاب عنا الإعلامي الفذ متعدد المواهب الأستاذ (خالد زارع) عن سبعة وستين عاماً من العمر وهو يصغرني بثلاث سنوات!!!

إن هؤلاء الإعلاميين الأحبة -رحمهم الله- الذين هم من جيلي.. إن غيابهم عن ساحة الحياة وهم قريبون مني كثيراً جداً أو بعيدين قليلاً في أعمارهم.. إن في ذلك رسالة لي وأنا واحد من الأحياء، إن الحياة الدنيا قصيرة مهما طالت، وأنها ممر نمشي من خلاله إلى مقرنا الأخير، وأن مقرنا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار لاسمح الله ولاقدر.. وبعد ذلك وفي نهاية المكان إما نعيم مقيم ورضوان من الله أكبر، وإما عذاب أليم وسخط من العزيز الجبار.. فاللهم نسألك، ونتضرع إليك، ونتذلل بين يديك أن تعاملنا بفضلك ورحمتك، وغفرانك وإحسانك، ورأفتك وحنانك، يا عظيم الفضل، ويا قديم الإحسان، يا ربنا، يا أيها الرحيم الرحمن..

وبعد: فإن من أود الحديث عنه في هذا المقال، هو الأخ الحبيب، والصديق العزيز (خالد زارع) عليه رحمات الله الذي تعرفت عليه قبل حوالي خمسة وثلاثين عاماً، وكنت قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات أسمع به، وأتابع عن كتب نشاطاته، ولكني لم ألتق به وأتحدث معه مباشرة، وأتعرف على شخصيته.. فقد انتدبت في العام الذي التقيت به إلى (جدة) لمدة ستة أشهر، في عهد وزير الإعلام الدكتور (محمد عبده يماني)، وكنت مديراً لإذاعة الرياض، انتدبت إلى جدة للإشراف العام على إذاعة (جدة) وإذاعة (نداء الإسلام) من (مكة المكرمة)، وكلفت بتنفيذ بعض الخطوات المالية والإدارية وغيرها التي كانت تعاني منها الإذاعتان، وتم ذلك والحمد لله.. وفي أثناء وجودي في (جدة) كان الأستاذ (خالد زارع) عليه رحمة الله قد تقدم للوزارة بعدد من الاقتراحات يود تنفيذها خارج الوزارة بعد الموافقة عليها، وكان من بين تلك المقترحات مسلسل ثلاثيني إذاعي يحكي قصة نبي الله (إبراهيم) عليه السلام، وزوجته (هاجر) رضي الله عنها وليدهما (إسماعيل) عليه السلام، وإسكانهما عند بيت الله المحرم، وبئر (زمزم) وتناقشنا عند الاسم المقترح لهذا المسلسل، واستقر رأينا عند اسم هذا المسلسل، وهو (الوادي المبارك)..

تعرفت على (خالد) -يرحمه الله- في هذا الموقف، وأعجبتني ثقافته، وسعة اطلاعه، وأدركت أنه فنان فتعدد المواهب، فهو مذيع إذاعة، ومذيع تلفزيون، وممثل جيد، وله باع في تأليف الاغاني، ونظم الاناشيد، وهو فوق ذلك منتج لكثير من الأفكار التي يحملها، والمقترحات التي يتبناها، وبعد ذلك فهو كاتب (للسيناريوهات) الإذاعية والتلفزيونية لكثير من البرامج التي يقوم بتنفيذها!

وهو إعلامي عصامي، إذ إنه لم يدرس الإعلام بصورة نظرية لا في معهد ولا كلية... كذلك لم يخضع لدورة تدريبية مهنية في هذا الميدان... وكل ما توصل إليه من عطاء في التقديم الإذاعي والتلفزيوني، والتمثيل، وكتابة (السيناريو)، والإنتاج، هو نتيجة جهوده الذاتية، وهواياته المستحكمة وخبراته العملية الشخصية التي تراكمت مع السنين، وتطورت وازدهرت مع الأيام..

وقعنا العقد عقد إنتاج العمل المطلوب تنفيذه ومن قبله، وحددنا في العقد المدة اللازمة للتنفيذ، وقد قام بتنفيذ العمل ضمن المدة المحددة، وقدمه لوزارة الإعلام، فاستمعنا إليه فوجدناه مطابقاً للشروط، وسارعنا بعد ذلك إلى تسليمه حقوقه لقاء عمله ذلك في أقصر وقت ممكن، فسر سروراً بالغاً، وقال لي: يرحمه الله: إنه لأول مرة يستلم مستحقاته كاملة لقاء عمل يقدمه إلى وزارة الإعلام بهذه السرعة، ولهذه العبارة معناها الكبير الذي يجب أن نضعها بين أعيننا دائما وأبدا حينما نعمل في و زارة الإعلام خاصة! . وعلى أثر ذلك انعقدت بيني وبين (خالد زارع) عليه رحمات الله صداقة قوية متينة...

وبعد سنتين أو ثلاث سنوات من تعرفي على (خالد زارع) عليه رحمات الله، انتدبتني وزارة الإعلام للسفر إلى (القاهرة)، وقد كنت وقتها مكلفاً بعمل المدير العام للاذاعة، وذلك لتسيير بعض أعمال المجلس الإداري لاتحاد إذاعات الدول العربية، وكانت المملكة في ذلك العام عضواً في ذلك المجلس وكان رئيسه مدير عام الاذاعة والتلفزة التونسية الأستاذ (صلاح الدين بن حميدة) واستغرق عملنا في (القاهرة) حوالي أسبوع، وقد صحبت معي زوجتي في ذلك الانتداب، والمهم في هذه القصة، أنني لم أكد أستقر في الفندق الذي نزلت فيه، حتى رن هاتف الغرفة، وإذا بالأستاذ (خالد) عليه رحمة الله هو من كان على الطرف الآخر من الخط، فقال لي: الحمد لله على السلامة.. أنا أعرف أنك قد وصلت للتو.. وأنا لن أزعجك

.. وأنا موجود في الاستقبال.. يسعدني أن أشرب معك فنجاناً من القهوة، وأطمئن علىصحتك. فأجبته: أهلاً وسهلاً، وأنا عندك خلال دقائق إن شاء الله..

استقبلت الأستاذ (خالد) عليه رحمة الله، وأنا أتعجب من معرفته بقدومي إلى القاهرة! فقال لي: لاتعجب أنا هنا من مدة أنفذ عملاً من الأعمال، وقد اتصلت بمكتبك في الرياض، وأخبرني مديره أنك سافرت إلى هنا، وأخبرني كذلك عن الفندق الذي ستنزل فيه.. قلت: هل تريد أية خدمة؟ قال لي: أنا جئت إليك لتكليفي بأية خدمة تراها.. قلت له: أنا بخير وكل شيء على ما يرام والحمد لله.

وألح وألح بتكليفه فيما أراه.. وكان جوابي كل شيء ميسر، ولا أحتاج إلا إلى دعواتك.. واستأذن بالانصراف وهو يقدم إلى رزمة نقدية مؤلفة من خمسين جنيهاً مصرياً أو مائة جنيه لم أعد أذكر تماماً، كلها من فئة النصف جنيه.. وقال لي: معذرة أرجو أن تقبلها مني فهي ليست شئياً، وأظنك أنك ستحتاجها لغرض (البخشيش) الذي عليك أن تدفعه للعمال الذين سيصادفونك.. وأنا على كل حال موجود في (القاهرة) لأسبوعين قادمين، وهذا تليفوني، اطلبني في أي وقت تجدني في خدمتك إن شاء الله..

شكرت (خالد زارع) عليه رحمة الله وأنا آخذ منه الرزمة النقدية، وهو يودعني.. ولقد صادفت بعدها كثيراً من سائقي التاكسي، ومن يفتح لك أبوابها، وكثيراً من الحراس الذين يحيونك كلما صادفوك، والكثير الكثيرمن عمال الفندق الذين يأتونك بالشاي أو القهوة أو الطعام أو غير ذلك، فكنت أشكر للأستاذ (خالد) صنيعه معي كلما صادفت واحداً من هؤلاء، وكلما وجدت في نفس الوقت أن معي ما أعطيه من (البخشيش).

واستقلت من العمل في وزارة الإعلام في عام ألف وأربع مائة هجرية الموافق عام الف وتسع مائة وثمانين ميلادية، وتوجهت إلى (لندن) لرئاسة تحرير مجلة (المسلمون) وبقيت هناك أكثر من ثلاث سنوات ثم عدت بعد ذلك إلى الرياض، بعدما توقفت المجلة عن الصدور، لتأسيس عمل جديد، فتوجهت إلى التعليم الأهلي، وتوجهت كذلك إلى انتاج البرامج الإعلامية، وتحصلت على قرض لهذا النشاط الإعلامي كان نصفه من أخي السيد (أحمد طارق الأيوبي) والنصف الآخر من صديقي رجل الأعمال السيد (صالح محمد بارجاء) طيب الله أوقاتهما، وتحصلت على تكليف من وزارة الإعلام بإنتاج ثلاث عشرة حلقة تلفزيونية، كل حلقة مدتها ساعة تصور حياة واحد من شخصيات التابعين عليهم رحمات الله، فتوجهت إلى (جدة) في طريقي إلى (القاهرة)، وقصدت من توقفي في (جدة) أن ألتقي بصديقي وأخي الأستاذ (خالد زارع) عليه رحمة الله لينصحني، ويدلني من واقع تجربته الطويلة على الجهات والأشخاص الذين من المناسب أن أتعاون معهم، واتصلت به، ورحب بالفكرة كثيراً، وأقسم علي بأنه سيقوم بكل ما أريد، وسيقدم كل نصح في هذا السبيل، بشرط واحد وهو أن يستضيفني عنده، وفي بيته، وكان له ما أراد، ونزلت عنده معززاً مكرماً، محفوفاً بكل دواعي الضيافة والتقدير الذي لا أنساه، وقد دلني على عدد من الجهات وذكرلي عدداً من الأشخاص، لكنه أشار على بالأستاذ (علي عيسى) وكان في حينها مديراً للبرنامج العام في إذاعة (القاهرة)، وقال: إن تعرفي عليه سيغنيني عن التعرف على الكثيرين غيره.. وهذا الذي كان فقد تعرفت على هذا الرجل واستفدت من خبرته ومعارفه وعلاقاته..

والشيء بالشيء يذكر فقد اجتمعت قبل سفري من (الرياض) بالدكتور (عبدالحليم عويس) وكان واحداً من أساتذة جامعة (الإمام محمد بن سعود الإسلامية) وهو من إخواننا المصريين المهتمين بالإعلام الإسلامي، ورشح لي التعاون مع (شركة الزهراء للإعلام العربي)، ومديرها العام الأستاذ (أحمد رائف) وهو من (الإخوان المسلمون) الذين تعرضوا للسجن والتعذيب أيام الرئيس (جمال عبدالناصر) وألف كتاباً في ذلك سماه (البوابة السوداء)..!

وقد انتجت هذه الشركة عملاً تلفزيونياً حقق من النجاح الشيء الكثير هو مسلسل (جمال الدين الأفغاني)، وكان بطل هذا المسلسل الفنان الأستاذ (محمود ياسين)، انتج منذ حوالي ثلاثين سنة.. وقد شاهدت هذا المسلسل على سنوات ثلاث مرات، ولو يعرض الآن لشاهدته أيضاً، للنجاح الكبير الذي حققه..

وقد سمعت أيضاً بهذه المناسبة أن التلفزيون السوري قد أنتج ومنذ حوالي ثلاثين سنة مسلسلاً آخر عن شخصية من الشخصيات الجهادية الإسلامية المعاصرة هو مسلسل (الشيخ عز الدين القسام) وقد قام بدور البطولة فيه الفنان الأستاذ (أسعد فضة).. أتمنى أن يعاد عرضه لأستمتع برؤيته والتعرف عليه، فقد أثنى عليه من رأوه كثيراً...

وإن نسيت فلا أنسى مسلسل الشيخ (محمد متولي الشعراوي) التلفزيوني الذي قام ببطولته الفنان الأستاذ (حسن يوسف)، وقد شاهدته مرتين على سنتين، وأنا على استعداد لأن أشاهده للمرة الثالثة والمرة الرابعة للنجاح الباهر الذي حققه..

وقد سمعت أن الأستاذ الفنان (حسن يوسف) قام في (رمضان) الماضي بإنتاج مسلسل عن حياة الشيخ (عبدالحليم محمود) شيخ الجامع الأزهر الأسبق عليه رحمة الله، وقد كان ناجحاً أيضاً لكنني لم أتمكن من رؤيته ومتابعته، وأرجو أن يتاح لي ذلك في المستقبل حينما يعاد عرضه!

وقبل أن أعود إلى لقائي بالاستاذ (أحمد رائف) مدير (شركة الزهراء للإعلام العربي) في سبيل إنتاج المسلسل التاريخي التلفزيوني (صور من حياة التابعين) الذي كلفت بإنتاجه من قبل وزارة الاعلام في المملكة.. أود أن أوجه نداء مخلصاً إلى كل شركات الانتاج الاعلامية في المملكة وفي العالم العربي، ولاسيما تلك الشركات التي تحترم الإنسان وخاصة الشباب، والمرأة، والطفل، التي تسعى إلى تكريس الكلمة الطيبة الطاهرة الرصينة، وتحرص في إنتاجها على مصلحة الأمة وتطلعاتها، وتشفق من عقاب الله إذا هي انحرفت أو تلاعبت أو نافقت أو غطت على الحقيقة.. أناشد هذه الشركات أن تصور لنا فيما تصور الشخصيات البارزة التي أسهمت بعطاءاتها وتضحياتها ونشاطاتها في العصر الحديث وساهمت في ذلك باستنهاض عزائم هذه الأمة، وشحذ هممها، وإيقاظها من رقادها، ودفعها إلى الأمام لتكون في طليعة السابقين الاولين الرواد.. أطالب هذه الشركات بتحويل سير تلك الشخصيات إلى وقائع نتلمسها، وإلى مشاهد نتحسسها، وإلى مواقف حية نستشعر آثارها ونتائجها.. إنتي أدعو هذه الشركات إلى استعراض مافي القرن الأخير والقرن الذي قبله، والوقوف حيال الشخصيات البارزة في هذه الحقبة من الزمان.. تواجهنا مثلاً شخصية الشيخ (محمد بن عبدالوهاب) في جزيرة العرب، هذا المصلح المجدد الذي ثار لتوحيد الله، وانتصر لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حرباً على الخرافات والأوهام والضلالات، ومال إلى اتباع نهج السلف الصالح.. وشخصية الملك (عبدالعزيز) (صقر الجزيرة)، وموحد الوطن، الملك الباني الذي قضى على العصبيات القبلية، والنعرات الجاهلية، وشخصية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المعلم المربي الداعية الذي سار على نهج جده، وأحيي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وشخصية الملك فيصل بن عبدالعزيز شهيد القدس، الملك الصالح الزاهد، الذي ضرب المثل بعمله المخلص الدؤوب لصالح الإسلام والمسلمين وشخصية الشيخ علوي المالكي المربي العالم الفاضل الداعية المخلص، وشخصية الشيخ عبدالعزيز بن باز الفقيه العالم العامل الزاهد، وشخصية الشيخ علي الطنطاوي الأديب الخطيب، الداعية القاضي الذي لا ينساه الإعلام، وتشتاق إليها ميادين الإذاعة والتلفزيون، وشخصية الأميرة نورة بنت عبدالرحمن ودورها في الأسرة السعودية، ومكانتها الرفيعة عند أخيها الملك عبدالعزيز التي وصلت إليها بقوة شخصيتها، وسداد رأيها وحسن مشورتها، وشخصية الأميرة العنود بنت عبدالعزيز ومكانتها الرفيعة عند أبيها واحترام إخوتها الملوك سعود وفيصل وخالد لها، وحرصهم على مداومة زيارتها، وحرصها أن تجعل من بيتها منتدى للمرأة السعودية الآتية من كل الشرائح، تسمح لها أن تعبر عن رأيها، وتفضي بما في خاطرها، وتستمع منها إلى الصواب في كل المشاكل المطروحة، وتنقل بعض تلك المشكلات إلى أصحاب القرار في هذه البلاد.. وتطالعنا في الكويت شخصية الشيخ عبدالله النوري وفي الإمارات شخصية الشيخ محمد بن أحمد الخزرجي.

أما في بلاد الشام وأنا أضرب أمثلة فقط، فتطالعنا شخصية الشيخ بدر الدين الحسني المحدث الأكبر، ورجل العلم والفقه، رجل التربية والتعليم والجهاد والشيخ محمد النبهان العالم المربي الفاضل، والشيخ محمد الحامد العالم المربي الداعية والشيخ أحمد كفتارو العالم الفاضل الداعية الحكيم مؤسس الصرح العلمي الدعوي الكبيرك مجمع كليات ومدارس الشيخ أحمد كفتارو للبنين والبنات والشاعر الإسلامي العظيم الأستاذ عمر بهاء الأميري والحاجة درية الخرفان العالمة الداعية الكبيرة هذا في سورية.. وأما في لبنان، فتطالعنا شخصية العالم المفتي الكبير الشيخ حسن خالد والشيخ سعدي ياسين العالم الفاضل، والشيخ الدكتور صبحي الصالح الذي قضى شهيداً في سبيل الله، والشيخ نديم الجسر العالم الفذ والداعية الأصيل.. وفي فلسطين والأردن تطالعنا شخصية مفتي فلسطين الأكبر الشيخ أمين الحسيني رجل الفكر والسياسة والدعوة الإسلامية، والشيخ عبدالله غوشة العالم المحدث الداعية، والشيخ عبدالله القلقيلي رجل العلم والتربية والافتاء.. وفي العراق تطالعنا شخصية الشيخ محمود شكري الألوسي البغدادي العالم الفقيه المفسر الباحث والشيخ أمجد الزهاوي العالم المفكر الداعية، واللواء الركن محمود شبت خطاب المؤلف الباحث المؤرخ.. وفي السودان تطالعنا شخصية الإمام المهدي الإمام المجدد الداعية الذي ملأ البلاد فضلاً وبراً ونوراً ومعرفة.. وفي مصر أرض الكنانة تطالعنا شخصية الإمام الشهيد حسن البنا الداعية الخطيب والعالم العامل الذي أسس الجماعة الإسلامية الأولى في مصر وامتدت فروعها وآثارها إلى كل أرجاء العالم العربي والعالم الإسلامي وبقية أقطار الأرض، والشيخ (السيد السابق) العالم المحدث المؤلف، والشيخ (محمد الغزالي) الخطيب الداعية المؤلف الكبير والأستاذ (خالد محمد خالد) المفكر الإسلامي والباحث الكاتب المؤلف، والشيخ (عبدالحميد كشك) الداعية الخطيب المؤثر، وشهيد الاسلام (السيد قطب) المفكر الإسلامي الكبير والباحث المؤلف، والشهيد الدكتور (عبدالقادر عودة) والشهيد الشيخ (محمد فرغلي) والأستاذ (حسن الهضيبي) القاضي المفكر الإسلامي والقائد الدعوي، والحاجة (زينب الغزالي) الداعية المجاهدة.. وتطالعنا كذلك شخصية رئيس الحركة (السنوسية) الاصلاحية الدعوية في (ليبيا).. وفي (تونس) شخصية الشيخ (الطاهر بن عاشور) العالم الباحث المفسر، والشيخ (محمد الفاضل ابن عاشور) العالم الخطيب والداعية الكبير، والشاعر الإسلامي الكبير الأستاذ (محمود الباجي).. وفي (الجزائر) تطالعنا شخصية المجاهد الكبير السيد (عبدالقادر الجزائري) والشيخ (عبدالحميد ابن باديس) المعلم المربي المجاهد، والشيخ (الأخضر الإبراهيمي) العالم المعلم الداعية، والأستاذ (مالك بن نبي) المفكر الإسلامي الباحث المؤلف.. وفي (المغرب) تطالعنا شخصية المجاهد الثائر السيد (عبدالكريم الخطابي) والمجاهد (علال الفاسي) المفكر الباحث..

وفي العالم الإسلامي خارج نطاق العالم العربي تطالعنا الكثير من الشخصيات التي نورد بعضها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.. ففي (تركيا) مثلاً نتذكر شخصية الشيخ (بديع الزمان سعيد النورسي) العالم الداعية المجاهد، وعلينا أن نستعرض هنا شخصيات شيوخ الإسلام البارزين في أيام الأمبراطورية العثمانية.. وفي (الباكستان) تطالعنا شخصية فيلسوف الإسلام، وشاعره الكبير الدكتور (محمد إقبال) وشخصية الشيخ (أبو الأعلى المودودي) العالم الداعية المفكر الباحث المؤلف..

وفي (الهند) شخصية الشيخ (أبو الحسن علي الحسني الندوي) العالم الداعية المؤلف.. وفي (اندونيسيا) تطالعنا شخصية الدكتور محمد ناصر) زعيم أكبر حزب إسلامي قبل أكثر من اربعين عاماً هو حزب (ماشومي).. وفي (السنغال) تطالعنا شخصية الشيخ (إبراهيم نياس) زعيم أكبر تجمع إسلامي في (إفريقيا) قبل أكثر من ثلاثين عاماً واسم هذا التجمع هو (تجمع أنصار الدين).. وفي (نيجيريا) تطالعنا شخصية رئيس الجمهورية الشهيد (أبو بكر طفاوا بليوا) وشخصية رئيس الوزراء الشهيد (أحمد وبللو) وشخصية قاضي القضاة، قبل أكثر من ثلاثين عاماً، الشيخ (أبو بكر جومي).. وتطالعنا كذلك في أوساط إخواننا الشيعة في (سوريا) و(لبنان) و(إيران) شخصيات مثل شخصية السيد (محسن الأمين) والشيخ (علي الجمال)، والسيد (محمد مهدي شمس الدين) والسيد (عباس الموسوي) شهيد المقاومة، وآية الله (الكاشاني) الذي واكب حركة الدكتور (محمد مصدق) الوطنية في (إيران) أيام الشاه، والسيد (نواب صفوي) زعيم حركة (فدائيان إسلام) الإيرانية، وآية الله (الخميني) زعيم الثورة الإسلامية في (إيران)، وآية الله (شريعتمداري)..

هذه الشخصيات الإسلامية المعاصرة التي ضربتها مثلاً، وغيرها وغيرها.. على شركات الانتاج الإعلامية التي تحترم نفسها، وتحترم الإنسان، وتحرص على مجد أمتها، ورضا ربها، أن تبادر إلى استخراج هذه الشخصيات من بطون الكتب، وثنايا الدراسات، وتحول سيرها إلى وقائع ملموسة مشاهدة، يتتبعها ويحرص على تقليدها ومحاكاتها الشاب والمرأة والطفل، كل على قدر فهمه واستيعابه، وكل على قدر تأثره وملاحظته..

وقبل أن أنهي هذا النداء الموجه إلى شركات الانتاج الإعلامي العربي الحريصة على سمعتها وعملها وعلى المشاهد العربي، والمشاهد المسلم، والمشاهد الإنسان في كل مكان، أود أن أذكر أيضاً ببعض الشخصيات البارزة المهمة التي عاشت للإسلام في ديار الغرب، سواء كانت من أهل تلك الديار، أو من الذين هاجروا فأقاموا فيها فترات طويلة من الزمان أو جعلوها مستقراً ومقاماً.. أذكّر بتلك الشخصيات أو بنماذج منها لتستفيد شركات الإنتاج من سير حياتها، فتحولها إلى مسلسلات تلفزيونية تمثيلية..

من هذه الشخصيات، شخصية الأستاذ محمد اسعد (ليوبولدفايس) النمساوي، وشخصية أمير البيان الأستاذ (شكيب أرسلان)، والدكتور (سعيد رمضان) صهر الأستاذ الشهيد (حسن البنا) والذي رأس المركز الإسلامي في جنيف فترة طويلة من السنوات والمفكر العالمي الفرنسي الأستاذ (روجيه غارودي) والشيخ الدكتور (سيد الدرش) أحد أئمة المركز الإسلامي البارزين في (ريحنبت بارك) في (لندن)، والفنان المطرب (يوسف إسلام)، والأستاذ (وارث الدين محمد) زعيم أمة الإسلام في (أمريكا) وغيرهم وغيرهم..

وأعود الآن بعد هذا الاستطراد الطويل الذي أرجو الله سبحانه ألايكون مملاً إلى شركة (الزهراء للإعلام العربي) ورئيسها الأستاذ (أحمد رائف) الذي استقبلني، ورحب بي، وأبدي استعداده الكامل لمساعدتي وتقديم وكل ما يلزم لذلك، فطلبت إليه أولاً أن يرشدني إلى من يكتب لي نصوص المسلسل الذي بين يدي وهو (صور من حياة التابعين)، فجمعني، بكاتبين تتعامل معهما شركته، هما الأستاذ (نبيه الجوهري) والأستاذ (فيصل طاهر أبو فاث)، فكتب لي أحدهما نصوص سبع حلقات، وكتب الآخر نصوص ست حلقات بعدما وضعت بين يديهما الكتب التي ألفها عن تلك الشخصيات الأستاذ الدكتور (عبدالرحمن رأفت الباشا) عليه رحمات الله، والمصادر التي رجع إليها في تأليفه لتلك الكتب.. وأنجز الكاتبان العمل، وراجعته، وعدلت وأصلحت وأكملت فيه كثيراً من المشاهد والمواقف.. واتضح لي بعد دراسة تنفيذ الانتاج في كل من (مصر) و(سورية) أن التكلفة ستكون أقل بكثير فيما لو تمت في (سورية).. شددت الرحال نحوها، وكلفت أخي الأستاذ (علاء الدين الأيوبي) الإعلامي الإذاعي التلفزيوني المعروف بالإشراف على تنفيذ العمل شريطة أن يكون الممثلون من الرجال والنساء ممثلين نجوماً من الدرجة الأولى، وهذا الذي كان، وانتهى العمل بنجاح على أني أعطيته درجة نجاح مقبولة هي في حدود الستين بالمائة، ذلك لأن مخرجه كان مخرجاً ناشئاً قليل الخبرة كان عليه أن يضبط ممثليه بصورة أفضل، وألا يبالغ في اختيار ملابس تلك الفترة التاريخية، وأن يجتهد في اختيار الموسيقى التصويرية التي اختارها.. وعرض العمل في تلفزيون المملكة الذي أنتج من أجله، ثم عرض في تلفزيون (سورية) وفي تلفزيون (أبو ظبي) وفي تلفزيون (دبي).. وحقق هامشاً رحبياً قليلاً في حدود خمسة عشر بالمائة.. والمهم أنني رددت المبلغ المقترض لهذا المسلسل إلى صاحبيه، ومع المبلغ رددت ربحاً قليلاً.. ولم أتمكن بعد هذا العمل مع الأسف بعد نجاحي فيه كتجربة أولى، من أن أعمل غيره، ذلك لأنني لم أكن متفرغاً للإنتاج الإعلامي، وقبل ذلك لم يكن عندي ما يكفي من المال للإنتاج بصورة هادئة ومن غير ضغوط، كذلك لم تساعدني ظروفي الصحية..

إنني أنصح بهذه المناسبة من يودون أن يدخلوا ميدان الإنتاج الاعلامي وخاصة التلفزيوني منه، بعد توفر الرغبة القوية في ذلك أن يهيؤوا المال الكافي لذلك، وأن يتفرغوا لهذا النوع من النشاط تفرغاً كاملاً، فالنشاط الإعلامي المتقن الجيد لايسمح لمن يقوم به أن يعمل أي عمل آخر، وألايستعجلوا الربح، وأن يصبروا السنوات الاولى بحيث تكون مهمتهم في هذه السنوات العطاء فقط، وأما الاخذ والعوائد والارباح، فستأتيهم راغمة بعد ذلك بإذن الله طالما كانوا محافظين على إتقان العمل وجودة الانتاج.

وهكذا فقد أثمرت جهود اتصالاتي ب(خالد زارع) عليه رحمات الله التي أوصلتني إلى الأستاذ (علي عيسى)، واتصالاتي بالدكتور (عبدالحليم عويس) التي أوصلتني إلى شركة (الزهراء للإعلام العربي) وأوصلتني نصائح الأستاذ (علي عيسى) وتوجيهات شركة (الزهراء) إلى البوابة التي دخلت منها لإنتاج (صور من حياة التابعين)، الذي أنتج بصورة مقبولة على كل حال.. لكن لم يكتب الله لي أن أستمر في ميدان الانتاج الاعلامي كما كنت أحب، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم!

وفي تقديري أن (خالد زارع) عليه رحمات الله، كان إعلامياً ناجحاً متعدد المواهب، وكان عصامياً فذاً.. لكنني ألحظ بأنه كان يجب أن يترك بصمة أوضح في مجال الإعلام، في ميدان الاذاعة والتلفزيون خاصة، وآثاراً أكثر وضوحاً!

وفي رأيي أن ذلك يعود لا إلى قصور في شخصيته، ولا في حضوره، ولا إلى ميزات ذاتية كانت تنقصه! لا أبداً!!.. وإنما السبب في هذا يعود إلى أنه لم يكن متفرغاً كل التفرغ للإعلام، فقد كانت له نشاطات أخرى تستلزمها ظروف الحياة، وتقتضيها أسباب العيش، وهذه الظروف، وهذه الأسباب هي نفسها التي منعتني من أن أتابع النشاط والحركة في ميدان الإنتاج الإعلامي دون سواه!!

إنني أذكر (خالد زارع) عليه رحمات الله، فأذكر فيه الأصالة والنبل والأريحية والإخلاص في العمل والخوف الدائم من الله عز وجل..

أذكر أننا فقدنا إعلامياً فذاً أصيلاً رائداً يتدفق عطاء وحيوية ونشاطاً.. أرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعل في الاجيال التي تأتي بعده، من يستمر في حمل مشعل العطاء الإعلامي الذي حمله، ويرفعه عالياً، ويحافظ عليه شامخاً سامقاً عالياً مضيئاً..

ويا أولاده الكرام.. يازوجته الفاضلة.. يا أهله وعشيرته الأحباء وفيهم عمه الكريم السيد (عبدالعزيز) وعمه الحبيب السيد (عبدالرحمن)... وفيهم أخي الدكتور (بدر كريم)، وأخي الأستاذ (عبدالكريم الخطيب).. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعظم أجركم، ويشكر لكم سعيكم، ويعوضنا ويعوضكم بفقد (خالد) خيراً، وأن يجعل منزلته في أعلى عليين من الجنة، وأن يكون رفيقاً للأنبياء والشهداء، والصالحين.

z-aiayoubi@hotmail.com - الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة