مشكلتنا في جازان أننا في جازان .. وأنا نحب جازان ونحب وطننا ونظن أنّ الآخرين أيضاً يحبوننا ليس لأننا من جازان، ولكن لأننا أبناء هذا البلد الممتد من الماء إلى الماء ومن الأرض إلى خاصرة السماء.
ولأنّ جازان في أقصى الأرض، فقد بقينا مجردين من كل شيء عدا الأمل .. هذا الأمل الذي رفعناه كبيرق في السماء .. جعلناه بوصلتنا نحو أحلامنا وبقينا نطارد هذا الحلم في كل أصقاع الوطن .. شتاتاً كشتات سيل العرم .. لأنّ قدرنا أن نكون في جازان القصية عن منابع الضوء ومباهج الثروة والعصية على ثقافة المعاريض والانتظار على أبواب القصور، وكان هذا قدرنا الذي تمردنا عليه وما زلنا وسنبقى.
وجاء عبد الله .. جاء لجازان العطشى .. العطشى للفرح .. وفرحت كما لم تفرح من قبل ولم يندهش عبد الله من ذلك .. لأنه الأصيل ويعرف كرم الأصاله وعاتب الكل عن التقصير نحو جازان وأطلق فيها حمائم الفرح والتحوّل .. لكن آخرين اندهشوا أن تكون هذه جازان وبكل هذه البهجة والجمال وهذه الفتوة الناهدة نحو مساقط الضوء.
وقلنا لهم سنسامحكم كلكم على ظلم ذوي القرب .. فقط تذكّروا أننا في جازان مثلكم .. ولن نقول أجمل .. وكل الشواهد تقول ذلك .. مثلكم وذلك أضعف الأيمان.
وآمن من آمن بذلك لكن آخرين ما زالوا يرون فينا ماضي تصورهم وعقوق خيالهم حتى وإن تجملوا..
بالأمس جاءتنا الدكتورة أشجان هندي في جازان .. ومثل كل الذين ما زالوا يحملون عن جازان ذلك التصور المؤلم (كبروشور) سياحي وآخر الأرض التي لم تكتشف. وكتبت عن جازان وعنا (الهوى جازاني) .. لكن الهوى الذي كتبت عنه هوى الأطفال الجياع والنسوة البائسات والأيتام الذين لم يروا النقود ولا صورة (بابا عبد الله ولا آلة التصوير هذا المنجز الحضاري الطليعي) كما تقول .. وعودوا لما قلت إن كان لديكم خوف التجني.
وعاتب بعضنا أشجان عتاب المحبين .. ولم نذهب أبعد من ذلك .. ملتمسين كما نفعل لمن لا يعرف جازان كل عذر .. فأشجان لم تكن الأولى التي ترى فينا كرنفالاً سياحياً .. سبقها آخرون وآخرون سيفعلون .. وسنظل نعاتبهم وندعوهم لجازان .. لأننا نعرف أنّ جازان للكل .. لكل أبناء الوطن.
لكن الدكتورة أشجان عادت هذه المرة لا لتطوّقنا بقلادة الشفقة، لكنها جاءت تطلب منا أن نجثو على ركبنا ونتلقّى منها تراتيل الفصحى في معنى الاعتراف بالفقر والفقراء والمنبوذين وحتى المجانين و.. بكشف المستور، وإلاّ فنحن جاهلون وغافلون وعلينا أن نغلق أفواهنا.
(اجمع شتاتَ فمك أيها المتكلم وقل زوراً أو اصمت؛ فليس منّا من يكشف المستور، وليس منّا من لم يُلمّعنا كما ينبغي لجمالنا، وليس منّا من أحسّ بنا، أو من أحسن الظنّ فينا، ولا منّا من آلمَهُ أن نتنفس في الهامش ونحن نظن أننا موغلون في عمق المركز! جاملنا على حساب مصلحتنا؛ فهذا ما نطلبه، وأدم ثناءك ممطراً على ألمنا الذي لم تقترفه يدانا؛ فهذا ما تطربُ له آذاننا. فقط اجعلنا مُقمرين ما استطعت داخل بيتنا الواحد، ولا تكشف وجه همومنا أمام إخوتنا؛ فيكيدون لنا كيداً، ويشمتون بنا شماتة!!! أسرف في حديثك عن أفراحنا ومباهجنا، ودع وجعنا جانبا فإنّ وجعنا الإنساني ليس من شأنك أيها الإنسان!) هذا الذي قالت في هواها الذي لم يعد جازنيا هذه المرة ولكن صار انسانياً كونياً.
وشرقت بنا وبكم وغربت وطالبتنا بالاستغفار عن ذنب لم نقترف وبإعادة تهجي مفردات اللغة: (فلٌ أبيضُ أهديه إلى من كتب بالقربِ من صورتي في عدد الجزيرة الثقافية الماضي، وإلى كل من تحدث باسمهم: أما وأنّ لأسلوبِ الخطابِ - وفي كل اللغاتِ والأزمنة - أصولاً لا يجهلها إلاّ جاهل ولا يُغفلها إلا غافل):
واختتمت مقولتها بموعظة (توراتية) ومن حقها أن تفعل فهي تتحدث إلى جازان وأهل جازان القابعين هناك على الضلع الجنوبي الرابض على الأطلال: (غادروا الأطلالَ، واستقرئوا بحب واقعاً نبنيه ونعيشه. اهجروا التفكيرَ في عهد المعاريض، وهاجروا إلى عهد الحوار والمحبة، لنتحدث في مواجعنا بعلانية واعية، ونعينُ من يحبنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً؛ فإنّ في ذلك تمام عافية الجسد الواحد .. المحبةُ والسلامُ لأرواحكم جميعاً).
شكراً يا أشجان سنفعل .. (عفواً يا دكتورة أشجان) سنفعل، ولكن ليبق هواك جازانياً .. لعل ذلك يحسن صورتنا يا أشجان .. وإن كنا في جازان للأسف لا نعرف أن نتجمل.
عمرو العامري
- جازان