ألفت كتابها عن (الظل) مثلما تؤثر العيش في الظل؛ لا تأبه بما يتداخل مع (الفلاشات) من بريق يفتح أمام كثيرين الطريق، ربما لأنها اختطت مساراتها بنفسها منذ أن أيقنت أن العلم يستحق (التنسك) دون أن يحتفل بالتمسك.
تخرجت في الجامعة فشغلت نفسها (تطوعياً) بتعليم الكبيرات، وكان منهن والدتها - حفظها الله -، وتستعيد تفاصيل تلك الأيام، فتسعد حين ترى (أجمل النساء) ممسكة بمصحفها الكريم تقرأ بتدبر ومتعة.
لا يدرك قيمة العمل التطوعي إلا من يزاوله بمحبة، وهذه ثقافة ضن بها زمن ال(كم)، ومن هنا تردى ال(كيف)؛ فكثيرون تهمهم العوائد المباشرة، ولا يشترون عاجلاً بآجل يدخرونه ليوم (لا ظل فيه إلا ظل الله).
(للظل) - إذن - دلالته المتماهية مع دراستها المعمقة في كتابها (الصعب): (الظل: أساطيره وامتداداته المعرفية والإبداعية)، وهكذا هي الدكتورة فاطمة عبد الله الوهيبي نخبوية تخاطب النخب، ولا تسأل عن أرقام التوزيع، وطاولات التوقيع، ومسابقات الأكثر مبيعاً، ومن يرتبط لديه الظل بالموت - كما يقرأ بعضنا دلالات الكتاب - لا يهتم بالأطايب والرغائب، وإن عاش وسط الناس لأنه لا يعشى بما في أيدي الناس من جاه وذهب وألماس.
صدر أول كتبها قبل قرابة عشرين عاماً (1411هـ) عن: نقد النثر في القرنين الرابع والخامس الهجريين، وأتبعته بكتاب عن: مسرحة التراث في الأدب المسرحي السعودي، وبعد أن أنهت دراسة الدكتوراه أصدرت أربعة كتب عن (نظرية المعنى عند حازم القرطاجني) و(المكان والجسد والقصيدة)، و(دراسات في الشعر السعودي)، وأخيراً كتاب (الظل) الذي سيؤرخ لمرحلة مهمة في البحث الثقافي لا تعنيه حوارات الصخب وجدل المنتديات.
في الهدوء إشراق وفي الحراك انطلاق، وبهما يُصنع (الغد الثقافي) الذي لا يحتكر لتيار، ولا يرتهن لابتسار واختصار.
فاطمة الوهيبي تزاول اقتناعاتها غير معنية بمكاسب (الآن) أو (الأنا)، تعيش في سلام دائم مع نفسها، وقد تنأى عن المشهد الأكاديمي والثقافي إذا أحست بعدم الجدوى، مؤمنة برسالتها، منصرفة إلى أبحاثها، ساعية إلى إكمال مشروعاتها، غير عابئة بالمعوقات والإحباطات التي يجدها الباحث من الدوائر البيروقراطية التي لم تسلم منها الجهات الأكاديمية.
رشحت لجوائز، وفازت بجوائز، وكُرِّمت بكتابات ومنتديات، وظلت كما هي لم تتورم كالكثيرين والكثيرات، وإن أخذ عليها بعدها عن المشاركات المنبرية الجماهيرية مكتفية بزاويتها نصف الشهرية في الثقافية.
فاطمة الوهيبي رقم لا يتكرر بيسر، مثل كل الرموز النادرة التي تضيء المسار الثقافي ومعضلتنا مساواتنا النجم بالدجى حتى باتت ألواننا باهتة.
الموهبة هبة.