إعداد: محمد المنيف
الحقيبة السابقة أشرنا فيها إلى معرض أرت دبي إحدى المناسبات المختصة بالفنون التشكيلية التي افتتحت الأسبوع الماضي بحكم أنهما أهم المناسبات التشكيلية على المستوى الخليجي والعربي والعالمي لنتحدث هذا الأسبوع عن بينالي الشارقة أو المناسبة الثانية التي لا تقل أهمية عن السابق بقدر ما تشكلان معاً ثنائياً إبداعياً عالمي الانتشار خليجي المولد والمكان.
وإذا وصفناهما بالأهمية العالمية وأشرنا إلى مكان انطلاقهما وهي الإمارات العربية المتحدة الشقيقة التي تمثل بقية دول المجلس فإننا نؤكد اعتزازنا بمثل هذه الأنشطة والفعاليات والمعارض التي يعم خيرها للجميع وجب علينا شكر القائمين عليها نيابة عن كل الفنانين التشكيليين الخليجيين ان تقرب لهم مسافة اللقاءات المباشرة مع الجديد في هذا الفن وفنانيه للاطلاع عن قرب على الأساليب والتقنيات وتداول الآراء والأحاديث مع منفذي الأعمال من المشاركين ومع مديري القاعات المشاركة.
اليوم نسعد أن نطل على بينالي الشارقة ونستعرض تجربته التاسعة التي أصبح بها أكثر نضجاً وتحقيقاً للأهداف.
الفن في مواجهة الظروف الاقتصادية
لم يتوقع الكثير أن تُقام مثل هذه المعارض في وقت
ما زالت صدمة الانتكاسة الاقتصادية تؤرق الجميع وتبعث فيهم الكثير من الخوف والتردد في أن يُقام مثل هذه المناشط التي تحتاج إلى دعم مادي وجهود مكثفة لكن عزيمة الرجال والثقة في المنجز كانت السبيل إلى الاستمرار والتواصل والوصول إلى النتائج المطمئنة، وإذا كنا قد تابعنا ما تحقق لمعرض أرت دبي من نجاح من حيث التنظيم والحضور فإن لبينالي الشارقة وهجه ونجاحه وتميزه الذي أعد له كل السبل من الوقت والدعم المادي والقدرات البشرية فكان بحق على أعلى مستوى من النجاح.
فعاليات مصاحبة
تابعت الثقافية (الفنون التشكيلية) من خلال الحضور لهذا الحدث عبر تغطية مباشرة للمؤتمر الصحفي قبل الافتتاح، إضافة إلى حضور الافتتاح الذي شرفه حضرة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد بحضور عدد كبير من الضيوف القادمين من مختلف دول العالم، إضافة إلى المسؤولين والقيمين على البينالي حيث اطلع الجميع على مختلف الأقسام والأجنحة مع ما تمت متابعته من قِبل الجمهور في الفترات اللاحقة أو ما سبق الافتتاح من فعاليات منها (لقاء مارس 2009) الذي تضمن استضافة 47 مؤسسة عاملة في قطاع الفنون البصرية في العالم العربي، حيث يستمر برنامج اللقاء ثلاثة أيام بالإضافة إلى (برنامج العروض والأفلام) الذي اشتمل على العديد من الفعاليات في أماكن عديدة مثل مسرح الشارقة الوطني وجمعية المسرحيين ومقهى فن ومنطقة الفنون وبعض المواقع الأخرى.
وقد أتى بينالي الشارقة في دورته التاسعة في حلة جديدة نتيجة الخبرات التي اكتسبها منذ انطلاقته عام 1993، معبّراً عن طبيعة الواقع الثقافي في إمارة الشارقة الذي أصبح يمثل جزءاً من المحافل الفنية والثقافية العالمية.
المسؤولية الأكبر
تقول الشيخة حور القاسمي رئيسة البينالي (حول هذه الدورة ربما لم يعد بمقدورنا قراءة البينالي من خلال دورة بعينها، فطبيعة العلاقة التي كونها مع الواقع الثقافي والفني وطبيعة الأنشطة والبرامج التي يطرحها البينالي جعلت منه حاضراً وموجوداً بشكل دائم، من هنا نشعر الآن، أن مسؤوليتنا أكبر والتحديات التي نواجهها أكبر، ومن هنا كان ينبغي علينا تكثيف الجهود وإضافة أشكال جديدة من التواصل ضمن عروض البينالي).
من جانب آخر قال جاك برسكيان مدير البينالي (الحقيقة أن تشديدي وإصراري على برنامج العروض، جاء من إيماني بشرعية هذه الأشكال وجعل المتلقي يدرك بأن بينالي الشارقة يعمل على الإزاحة والكشف، وبالدرجة الأولى يعمل على إحداث شرخ في المفهوم التقليدي المحصور في أنماط محددة).
وتمنى لهذا التفاعل أن يحفر ويفكك ويحلل تلك القوالب الجاهزة وأن ينتج عنه مزجاً خلاقاً بين الأساليب والتيارات، وبناء علاقات بمفاهيم جديدة مع المكونات الثقافية الخاصة في المكان، التي يمكن أن تقودنا إلى فضاء آخر، مفسحين المجال للمزيد من علاقات التشبيك والمزيد من المبادرات الفنية، والتي يمكن بدورها أن تحدث ما يمكن أن اسميه (بالتأثيرات المضاعفة).
الفنانون وغير الفنانين
هذه العبارة التي وردت في الإعلان عن المشاركة في الدورة التاسعة للبينالي والتي أعلنت بداية العام 2008 ووجهت بها الدعوة من قِبل جاك برسكيان مدير البينالي داعياً الفنانين و(غير الفنانين) تعني كما يقول جاك هي بحث العلاقة القائمة بين الفنانين والبينالي على صعيد الإنتاج وتجلّي الفكرة في العمل الفني. استناداً إلى خبرتنا السابقة في تنظيم البينالي فلم يكن الهدف من إدراج العمل في سياقه الملائم في الحدث بحد ذاته يكمن في إبراز الموضوع وإنما في دمج السياق المحلي وتسليط الضوء على حضور البينالي في المدينة. وهذا ما دفعنا إلى التفكير في الموضوع لفترة أطول). وأضاف: (إنني أعتبر هذا الحدث تجربة كفيلة بأن تعلّمنا الدروس، من مواطن نجاحها وفشلها). ولكنه بعد مضي الفترات الثلاث المحددة.
وقد يفهم من هذه الدعوة أن المقصود هنا في التمييز والقول (غير الفنانين) الذين لم يكن لهم اسم أو شهرة مكنتهم من الوصول إلى البينالي، إضافة إلى إمكانية القول انها تعني كل الأعمار والتجارب، فالبينالي يعتمد كلياً على الفكرة قبل التقنية أو الأسلوب وهنا يجب أن نتوقف كثيراً عند هذا التوجه المهم الذي يفتقده الكثير من المعارض ويخفي على الكثير من الفنانين الذين ما زالوا في حدود العمل المتحفي أو التقليدي.
تجاوز الإقليمية وغياب لأسماء متوقعة
يرى بعض النقاد أن طبيعة البينالي الديناميكية التي انطلق بها مع أولى دوراته، قد تبلورت في دوراته الأخيرة مؤكدة ما هو إبداعي وجوهري في العالم، تحت شعار يمكن اكتشافه في ثنايا الأعمال المعروضة هو حق التعبير من خلال الحرية المطلقة لتقديم الفكرة ضمن أُطر القيم والذوق العام، ليحمل عنوان (احتمالات لزمن مقبل) بمشاركة 82 فناناً من مختلف أنحاء العالم حيث صنفت أعمال هذه الدورة خارج الحدود الجغرافية والاهتمام المطلق بالإبداع، مما أتاح الفرصة لمشاركة الفنانين وغير الفنانين لتقديم ما يحملونه من خبرات وتجارب تنسجم مع الشعار والعنوان الذي طرحه البينالي معبرين عن أفكارهم ورؤاهم الخاصة، التي انطلق منها القيمون على البينالي إلى تبني تمويل الأعمال المستوفية للشروط الإبداعية وإعطاء الأولوية للمحتوى الفني الذي يحمل المضامين المهمة على المستوى الإنساني والجمالي.
تعدد الوسائط وتنوع الخامات والسبل
تعددت وسائط الأعمال المعروضة بين التقليدي عبر التلوين والتخطيط والرسم والحفر مع ما برزت به هذه الأعمال من تجدد في الفكرة والطرح والمعنى مروراً بالأعمال المصورة كالأفلام أو الفيديو أرت وصولاً إلى الأعمال التركيبية والكولاج والنحت والصور الضوئية. حيث نجد فيلماً للفنانة مها مأمون جمعت فيه العديد من المشاهد التي صورت أمام الأهرامات في السينما المصرية ومن الأعمال التركيبية عمل بعنوان حقد على حلم يتناول التناقض في النضال من أجل الهوية الوطنية البوسنية كما نجد في عمل الفنان البيرتو دومان الذي استخدم عربة التسوق كمفردة رمزية قادرة على تمثيل ثقافة المتسوق والإشارة إلى طبيعة العلاقة بينها وبين النشاطات الثقافية إلى آخر المنظومة.
يبقى أن نقول إن بينالي الشارقة بصمة هامة وعلامة بارزة على جبين الإبداع التشكيلي الذي يستحق أن يقام له مثل هذه التظاهرة والجهد.
الجميل في الأمر أن الكثير من الأعمال المشاركة لأسماء معروفة عالمياً وبعضها الآخر يعد جديداً على مسامع المتابعين، ومع ذلك كان حضور الشباب من الفنانين وغير الفنانين هو الأجمل والأكثر ثقةً للقادم من المعارض، وان كان هناك تساؤل يطرح نفسه فهو في غياب أسماء محلية من مختلف دول مجلس التعاون عكس ما عُرف في الخطوات الخمس الأولى.
monif@hotmail.com