Culture Magazine Thursday  09/04/2009 G Issue 278
مراجعات
الخميس 13 ,ربيع الثاني 1430   العدد  278
أبجديات الروح والجسد
حمد حميد الرشيدي
50 صفحة من القطع المتوسط
سعد البواردي

 

الروح مضاف إليها الجسد تعني الكائن الحي.. انهما توأمان توالدا وتواجدا.. إذ لا روح تضخ الحياة دون جسد يحركها ويشاركها مهمة التواجد والتوحد..

شاعرنا اختار لنا أبجدياته.. ومفرداته شعرا يلامس شغاف تجربته حيث القيادة الروحية.. والجسد المطية.. بهما اختار لنا هذه الرحلة وبها جاءت الرغبة حميمية في ان نصحبه إلى حيث ابتغى.. إلى أن أخذنا معه؟ وإلى ان اختار وإلى أن انتهى به وبنا المطاف.. وإلى أي قطاف من المشاعر زودنا بها؟ تساؤلات مطروحة.. ننتظر الاجابات عليها من واقع إبجدياته.

الديوان أهداه إلى رفيقة دربه أم بسام.. وإلى أبنائه الثلاثة وحسنا فعل..

بداية مع ذكرى اليوم الوطني لبلادنا الغالية:

جاء سبتمبر يروي الذكريات

وأحاديث الفتوح الخالدات

وحكى عن بطل خاض الوغى

بتحديد المنايا القاتلات

جاء يطوي البيد مشتاقها لها

ويحث السير من أقصى الجهات

بدلا من (أقصى الجهات) وددت لو قال.. في كل الجهات.. ويخاطب روح موحد (الجزيرة) الذي لملم الشتات بقوله:

(يا فتى العرب) الذي نادت به

عزة الدين.. وبالله الثبات

رحم الله ضريحا قد ثرى

فيه جثمانك وحوم الرفات

الرحمة يا شاعرنا لا تكون للضريح وانما للراحل الكبير الذي يتوسد القبر.. اقترح ابدال كلمة الضريح بكلمة الفقيد.. وعن الرياض قلب الوطن النابض يتحدث: اجتزئ من قصيدته بيتين اثنين يختصران مشاعره وشعره:

وها هي مربع الامجاد تبقى

كما كنا نريد ونبتغيها

رياضا في رياض زهوات

كفوح شذا يطيب لمجتنيها

وكما هي القلب طوف على الأجنحة.. (خيبر) جناح عربي لطائر الوطن أهدى لها باقة شعر

ألا سبحان من صوّر

جمال ثراك يا خيبر

وانبت قيك أشجارا

ونخلا باسقا أخضر

وفجر من عيونك كل

نبع فاض كالكوثر

مشاهد التقطتها عدسة ذاكرته فصاغها شعرا يفيض بالحب..

(لبنان) ريحانة الشرق كما يسميها.. وكما نسميها معه كانت محط رحاله:

لبنان يا ريحانة الشرق الشذيه

وهبوب نسمته النديه

طابت جراحك يا جريح العرب من عشرين عاما

وشفيت أوجاع الارامل واليتامى

ويمضي به الخطاب كما لو ان كل شيء على ما يشتهي ونشتهي

بجنوبك اجتمع الشتات

وبلاد يعرب لم تعد حلم الصهاينة المقدس

من نيلها.. حتى الفرات..

النيل يا شاعرنا غاضب وراية العدد ترفرف في سمائه.. والفرات أكثر غضبا والأقدام الغازية الهمجية كانت تذرح بالموت والذلة أرضه وفضائله.. والرج العربي ينزف وكأن شيئا لم يكن.. ولبنان الشاهد على الهزيمة والضياع والصراع والأطماع.. الشرق كله بريحانه يحتضر.. ويُبتر.. ومع هذا يظل الحلم.. وتبقى المقاومة النظيفة الشريفة مفتاح خزانة المستقبل..

(محمد الدرة) أيضا درة لا تكفي لعودة حياته.. الجلاد مازال يغتال ويختطف.. (ويجرف.. ويدمر.. ويستعرض عضلاته.. ولكن..!

بعصر الهاون والصاروخ والذرة

يجيء محمد الدرة

بريء كانتفاضة عصره الحجري

وان وصوفوه بالغجري

ويضيف: بصوت الدرة الشهيد:

كثيرون الذين قتلتم غيري

وأكثر منهم الأحياء من أهلي

ثم ماذا بعد هذا؟ انتفاضة قامت ثم نامت.. أعتبها وعود سرابية على خارطة الطريق.. وخرطة الطريق.. افضت غلى تناحر بين الفلسطيني والفلسطيني داخل الأرض المحتلة.ز وكل فلسطين أرض محتلة.. وكل العروبة ديار محتلة..

(محمد) الثاني لم يكن (درة) وإنما ابن عم له بثه شكواه ووجعه من زمنه القاسي.

محمد خانني فيما ابتغيت

زمان من مواجعه اتكويت

أبدل كلمة (اتكويت) ب اكتويت أنها الأصح

اراني من وجود العمر وجها

ضحكت لزيفه حتى بكيت

سئمت ترقي الآمال منه

وما شيدت فيها وابتنيت

شطرك الأخير يفتقد إلى عملية تصويب وترميم.. أرى أن يكون هكذا

وما شيدت منها أو بنيت

ذلك أن الآمال هي التي تشيد وتبنيى.. لا أن يُشيد فيها..

خبرت مذاقها حلوا ومرا

وآثرت السكينة فانطويت

وما أنا من يعيش على هوان

يُعيرّ لي به حي وميت

الصحيح (يعيرني) (لا يعيرلي) القصيدة نابضة بالدفء.. جميلة الدلالة رغم بعض الهفوات التي لا تخدش قيمتها الفكرية.

يجدّ بنا السير معه.. ويأخذنا إلى كهف الصراحة حيث يختبئ بعض الفارين من الأذى لأنهم صرحاء مطاردون.

معاذ الله أن تغدو الصراحة

من الحرمات عورات مباحة

وحاشا ان يذل بها عزيز

لدى أهل الكرامة والسماحة

من قال لله هذا يا شاعرنا؟! أنت متفائل.. هل قرأت مقولة القائل:

في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء؟!

يتحدث شاعرنا عن مثالية الموقف كما لو أنها لغة المواقع..

ولكن الصراحة خير درب

طرقت به القلوب بكل ساحة

اصافح من يصافحني عليها

وكلي باسطا قلبا وراحة

وما أنا بالذي يختال سخطا

على من تكسر الدنيا جناحه

ولا أنا مستبد عاش يبني

على أنقاض من فشلوا نجاحه

ويختتم مقطوعته قائلاً:

ولكن الحليم إذا تأنى

رأى في الحلم ما يأسو جراحه

فلا أمس اللئيم لنا بأرض

ولا فلق الغد الآتي صباحه

أنت متفائل جدا.. إلى درجة أنك اصبحت عملة نادرة.. صدقني..

هذه المرة مع مخاض مشاعره:

بين رجع الصدى وهمس الخواطر

يولد الشعر من مخاض المشاعر

سيد توّجته مملكة الروع

فدانت له عدد من المنابر

انه الشعر ملهم الروح بوحا

من معين بلجّة الحسن زاخر

انه يتذكر شعره ومشاعره بعد انقضاء عشرين عاما كما لو أنه مجرد ذكريات خطرت على باله

هأنا اليوم بعد عشرين عاما

بك عهدي مازال بهي المآثر

يا شريكي الذي يقاسمني العمر

سنينا مكاسبا وخسائر

كم تنفست منك روح المعاني

بلسان أحي بهن الدفاتر

مفردة تفنست جائزة.. والأفضل منها تلمست.. أو تنسمت.. أيهما تختار.

(معلقة على جدار الريح) لا بد أنها لقوتها لن تطير في الهواء لأنها مثبتة بأوتاد على حائط الريح (هذا شيء جيد) ولكن لماذا أوحى لصاحبه بايصاد الباب وجميع النوافذ لأنها تستبيح الحمى.. وتدار بالعيون ترابها وغبارها الذي التصقنا به واقمنا معه صلحا اخويا أبديا لأنه منا وفينا.. أليست الريح التي تذروا عيوننا بالغبار هي تلك التي تسوق الرياح فتسقي به أرضنا الصحراوية العطشى؟! هل انها ريح أخرى تخشاها دون ان نفصح عنها خشية من هبوبها؟ لا أعرف فالمعنى في بطن الشاعر..

هكذا الريح يا صاحبي

كلما هبت اجتاحنا هجسها

يثير بنا عقدة الخوف من آدميتنا

أي شيء نكون إذا؟

ومتى نستعيد هوياتنا؟

حين تذرء الريح ملامحنا

يا عزيزي خذ بحكمة المثل (باب تجيك منه ريح سدّه واستريح) محتفظا بهويتك وملامحك التي لا يقدر على احد مصادرتها.. شاعرنا الرشيدي ثاب إلى رشده وما غوى.. ولكنه أبعدنا قليلا عن هبوب الريح وغبارها كي لا نصاب بالزكام.. وأخذنا جميعا إلى حين ما نسيه الأعشى!..

ملايين الذين نحبهم كانوا سواسية بلا قلب

كأسنان الذئاب الكاشرات لنا بلا ذنب تساوينا..

أخذنا من مصيته إلى أخرى.. من زكام نخشاه إلى ذئاب مفترسة تتهيأ للهجوم.. انه أشبه بعمرو ذلك الذي استجاره شاعرنا القديم فقال:

المستجير بعمرو عند كربته

كالمستجير من الرمضاء بالنار

لننتظر ونرى النهاية:

إذا ما الرفق بين الكرة والحب؟

وجُمل أخرى متلاحقة تصب في مجرى التخويف.. والتوصيف بشتى الأمثلة

شهود حياتنا ماتوا.. وما ماتت قضيتنا

وما قل الذي قد فات مات، وما نسيناه

موقف صخري من التاريخ يقاوم ولا يساوم.. لأنه وجه لا تموهه الحضارات الزائفة.. ولا الشعارات الزائفة.. هكذا وقف وقفة عنتر حاملا سيفه في وجه تاريخ الريح وتباريحه.. فهل ينتصر؟!

ومن موقف صخري إلى موقف مخملي شعري يحمل تجلياته للنصف الآخر.. وهل لمثله تأني التجليات المشحونة بالوله والحب.. والعتب.. وأحيانا الغضب!

هناك وقَفَت..

بمفترق الطرق الافعوانية السائبة

ثلاثون عاما وقفت هناك

كشاخصة في طريق القوافل

ضفائرك السود أشعلها الشيب

وقفة طويلة كهذه كل شيء لابد وأن يشيب ويشيخ ويهرم.. ماذا كانت تنتظر؟ لم تدعه لحيرته.. وهو يطرح عليها سؤاله:

كيف تقولين لي: إن هذا غبار الطريق؟!

ووجهك رمانة نصف مشطورة؟!

تدلت عناقيدها الشاحبة!

فكيف تموتين واقفة؟

من حقها أن تختار وقفة الموت يا شاعرنا.. الأشجار الصامدة تموت واقفة.. ومثلها الإنسان الشامخ أنه يختار وقفة الموت.. وموت الوقفة يسترجع منها صور قديمة

عرفت به العيش والملح ما بيننا

ورائحته منك فيه استشاطت بذاكرتي

وبقائك يشب حناياي دون دخان

أنا ما نسبت..

ترابك أذكره ما حييت.. وأن اكل الدود أعظمك البالية

وصرت رفاتا.. ستبقين شهوة هذا التراب بهذا اللسان..

بعض وفاء لتلك الوقفة الصامدة التي لا تركع..

تنهال على شاعرنا خطابات عشقه فمن بقيا أو بقايا من شتات مرورت بإليها، وصولا إلى وجه يستدير في اتجاه الشمال. نهاية بسادية العشق.. نفس القيثارة.. ونفس اللحن.. ونفس الكلمات هكذا حصاد الحب كالثمر المختلف في مذاقه وأشواقه. انها تسوق أحيانا إلى اضطرابات وجدانية.

قلتها مليون مره

حلوة أنت ومُرة

وسرور يقتضيني

حزنه من غير جره

تمتلك الحيرة نفسه أمام مشهد لا هو بالحلو لا بالمر.. انه المزيج من هذا وذاك

بين خوفي ورجائي

في هواك ازددت حيرة

تتراماني ظنون

بين من أهوى وأكره

الحب يا شاعرنا لا يقبل في ابجدياته الظنون.. انه يقين يحسم الموقف دون تردد ودون غيره - كلنا ندرك سره لو أبصرناه ببصائرنا

أنه شيء مع الأيام

لا أعرف سره

عد إلى عقلك قبل عاطفتك يستبين لك الفجر الصادق من الفجر الكاذب.. وخذ من شاعرنا القديم رؤيته وحكمته حين يقول:

أعد نظراً يا عبد قيس لعل ما

اضاءت لك النارُ الحمار المقيدا..

أنت تمتلك الذاكرة والمذاكرة هذا ما تحدثت عنه في (على سفوح الذاكرة) التي يلزم تنشيطها حتى لا تأخذك إلى متاهات الحيرة والشك.

ذكرتك يا وعود غدي

ويا غيي.. ويا رشدي

فذاب القلب وجدا و

ارتمى الأعياء في جسدي

وبت أصارع الشكوى

نديم الحزن والكمد

لا يكفي ان تصارع.. بل ان تقارع كما لو كانت في ساحة حرب سلاحها ان تكون أو لا تكون كما قال أرخميدس..

تمر شوارد الأحلام

في عيني كلامرز

وتطويني من لاذكرى

فلول أقحمت أمدي

ويعلن أخيرا استسلامه للهزيمة.. كما لا ترضى لقلبه ولحبه..

فوا أسفي على حبي

غريب.. وهو في بلدي

يصيح: إلى م يا دنيا

تصبح به إلى الأبد

حبك يا شاعرنا يعاتبك.. ويخاصمك هكذا صاح في وجهك باكيا وشاكيا الاستكانة ضرب من اوجه الضعف الذي نخشاه عليك..

ألم يذرك بشباب قلبه:؟

فإنك لم تزل في الحب

غض العود يا ولدي

هكذا أسدل شاعرنا ستار حبه دون الفصل الأخير.. ومن يدري فقد يستفزه قلبه.. ويعود إليه حبه..

وبعد كانت رحلتنا مع شاعرنا حمد حميد الرشيدي في ديوانه (أبجديات الروح والجسد) ممتعة وشيقة عوامل ابجديات أخرى يكون صوته أقوى وأكثر تماسكا وأمضى في معركة الروح والجسد.. وإلى لقاء جديد يجمعنا جميعا على خير ومحبة أيها الأحبة..

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5013»ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض ص. ب 231185 الرمز 11321 فاكس 2053338

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة