قبل عامين أو ثلاثة، كتبتُ مقالاً طويلاً نُشر في (الثقافية) على ثلاث حلقات بعنوان (و.. أخيراً عرفتكِ أيتها الأمسيات) ذكرتُ فيه -بوضوح وتفصيل - أهمّ الأسباب التي جعلت واقع المنابر الشعرية لدينا على ما هو عليه من حال تدعو إلى النفور أكثر من دعواها للاجتذاب..
ومع اعتقادي بأنني قلتُ كلّ شيء في ذلك المقال، إلا أنني وقعتُ مجدداً في أحد أغرب أنواع الفخاخ التي تؤذي من دون تعمّد (لا أشكك في النوايا أبداً، إنما أشكّ في المقدرة على الإتقان)؛ فهذا ملتقى شعريّ يُفترض أن يكون على قدر عال من الضخامة والفخامة والتنسيق اللائق بمشاركة ثلاثين شاعراً وشاعرة (من السعودية) في مكان واحد وزمان مجدول على ثلاثة أيام بلياليها.. ولكن.. لماذا حدث ما سأرويه الآن؟!
إليكم ما حدث:
قبل انعقاد (ملتقى جازان الشعري الثالث) بأسبوع، بدأتْ الأخبار تُنشر عنه في صحفنا المحلية، وذكرتْ أسماء تسعة وعشرين شاعراً وشاعرة من أصل ثلاثين - هم كامل عدد الشعراء والشاعرات المشاركين في الملتقى.. وفي كل تلك الأخبار لم يرد اسمي أبداً.. إنما وردت في آخر القائمة عبارة (وغيرهم!). شيء جميل. جميل جداً، ولكن.. في جميع الأخبار والتغطيات المنشورة في الصحف بعد انفضاض الملتقى كان اسمي آخذاً مكانه في جدول يوحي بأنه أُنجز على أكمل وجه!
كل من يقرأ تلك الأخبار والتغطيات سيظن - وبعض الظن إثم - أنني لم أكن مدعواً، ولم يكن اسمي مدرجاً ضمن قائمة المشاركين.. ومع ذلك هرولت إلى حيث الملتقى من أجل المشاركة (المحسوبة عليّ، وأنا بريء منها)!. لا حول ولا قوة إلا بالله. كيف لجهة أدبية أن تعاكس الواقع بهذه الطريقة؟!
فالواقع أنني كنتُ أول المدعوين للمشاركة في هذا الملتقى، ولكني اعتذرتُ قبل موعد إقلاع الطائرة (من الرياض إلى جازان) بساعتين فقط.. وعليه فلم أحضر ولم أشارك ولم أزر جازان في حياتي كلها حتى اللحظة (للأسف). والحقّ كل الحقّ معي، ويحقّ لي أن أعتزَّ بموقفي.. أما نادي جازان الأدبي فكان عليه أن يبادر هو بالاعتذار بدلاً من استهلاك اسمي بطريقة لا مسؤولة أبداً وتبعد عن أدنى درجات الأمانة الأدبية والصدق الإخباريّ.
فبداية الدعوة (أو المشكلة) كانت منذ أكثر من عام حين التقيت الأخ أحمد إبراهيم الحربي (نائب رئيس نادي جازان الأدبي آنذاك) في منزل الشاعر الكبير عبد الله الزيد، وعرض عليّ فكرة الملتقى الشعريّ فأبديت موافقتي.. ثم صار يتصل بي من جازان كل شهر تقريباً للتواصل والتذكير والتنبيه عليّ بعدم الارتباط أو السفر إلى مكان آخر فترة انعقاد الملتقى، وكان يكرر أنني (أوّل المدعوين)!
وبالفعل أتتني الدعوة الرسمية منه، وقد أصبح رئيساً للنادي، فأرسلتُ موافقتي فوراً.. ثم.. وقبل الموعد المحدد للملتقى (نهاية العام المنصرم) كان الخطأ تلو الخطأ في تصريحات مسؤولي النادي التي نشرتها الصحف؛ مما اضطرني إلى إلغاء سفري ومشاركتي. فلماذا يذكرون الآن جملة صريحة ومغالطة للواقع هذا نصها (أمسية شارك فيها الشعراء.. ومنهم فيصل أكرم)؟! هي الغرابة بعينها أنك حين توافق على المشاركة يخفون اسمك وحين تعتذر وتطير إلى مكان آخر يذكرونك كما لو كنت جلست القرفصاء بينهم لتقول شعرك بلا أدنى تقدير.
نحن يا أحبابنا - في أنديتنا الأدبية وغيرها - نعمل لهدف واحد، ويفترض أن نكون على قدر - ولو بسيط - من المسؤولية والمصداقية وألا نؤذي بعضنا بحجة اللا قصد، فيجب أن نقصد تكميل بعضنا حتى نكوّن مشهداً ثقافياً يليق بنا.
إنني، منذ فترة ذلك الملتقى (وبالتحديد منذ انتهاء معرض الكتاب في الرياض) وأنا موجود في بيروت عاصمة لبنان، وحدي بصفتي الشخصية والأدبية ولستُ مبعوثاً من أية جهة. أقيمت لي في لبنان عدة أمسيات شعرية (جماهيرية وتلفزيونية وإذاعية) بعضها تم على أكمل وجه وبعضها سيتم بإذن الله. وكمثال: مساء الجمعة 27 مارس 2009م أقامت الحركة الثقافية في لبنان أمسية شعرية لي، في مدينة صور التاريخية (قيل عنها حاشدة، وكانت كذلك بالفعل) افتتحت بالنشيدين الوطنيين (السعودي واللبناني) وقدّمني فيها الشاعر بسام بزون بكلمة وجدانية عن حميمية هذا اللقاء، ثم الشاعر باسم عباس الذي أخذ على عاتقه التنظيم الكامل للأمسية فظهرت بصورة جميلة ومشرّفة.. وقبل أن أصعد إلى المنبر وقف الشاعر الكبير الياس لحود مرتجلاً كلمة ثريّة أدهشتني بفخامتها وعمقها وأبكتني لسخائها في التقدير والإشادة بتميّز تجربتي الشعرية والأدبية وعلاقتي بالكون واللغة وما بينهما من حياة..
قراءاتي الشعرية، بعد كل كلمات الترحيب التي سمعتها، كان يجب أن تكون على المستوى الذي يرفع الرأس.. وبتوفيق من الله وحده كانت كذلك برأي كلّ الحضور الذي اجتمع بي في لقاء حميميّ موسّع ومطوّل امتد لساعات خارج الوقت المعتاد لأمسية من هذا النوع.
لم يكن بحوزتي سوى أربعة فقط من دواويني العشرة، قرأتُ معظم قصائدها في تلك الأمسية، وراح جلّ الحضور يسألني عن أسماء الستة الأخرى وكيفية الحصول على أعمالي الكاملة..
إنني أذكر بعضاً من كل ذلك، فقط لأقول (لكم - لنا): إني وإيّاكم من كبار المبدعين في هذا العالم العربيّ، فهل صعبٌ أن نقدم إبداعاتنا في بلادنا بالطريقة التي تليق بنا؟!
f-a-akram@maktoob.com
بيروت - غرة أبريل 2009