قال لي شاعر شاب طويل اللسان والشَعر غير مؤدب مؤمن بقتل الآباء: هؤلاء الذين يقال عليهم إنهم رواد الشعر الحديث ربما كانوا رواد فضاء، ولكن علاقتهم بالشعر الحديث الحقيقي كعلاقة كوهين بالقومية العربية أو كعلاقة سلمان رشدي بالدين الإسلامي.
قلت مغتاظاً: لا تظلمهم ولا تلغِ جهدهم، فقد فعلوا كل ما في مقدورهم.
قال: كل ما قدموه كان جهداً ضائعاً لا يساوي دانقاً في ميزان الشعر.
قلت: أنسيت نازك الملائكة ودورها الطليعي؟
قال: وكيف أنساها وهي التي كانت أشعارها الحديثة ودعوتها إلى التجديد مجرد نزوة عابرة، تنبهت لها بسرعة، وبادرت إلى التنصل منها والتنديد بها معلنة توبة صادقة؟
قلت: وبدر شاكر السياب؟
قال: حائر بائر، ولو كان له وجه محمود درويش وثروة رفيق الحريري لطلق الشعر.
قلت: وبلند الحيدري؟
قال: مقالاته الصحفية فيها شعر أكثر من قصائده.
قلت: وعبدالوهاب البياتي؟
قال: ضيعه حب السياحة والرغبة في أن يكون شاعراً عالمياً.
قلت: وأدونيس؟
قال: يبيع التنك على أنه ذهب أثري، ويبيع الماء المالح بوصفه نفطاً.
قلت: ونزار قباني؟
قال: أنا واثق بأنه الآن شديد الحزن لأنه لم ينظم قصيدة بمناسبة وفاته.
قلت: وصلاح عبدالصبور؟
قال: كأزهري ذي لحية وجبة وعمامة يرقص على موسيقى الروك أند رول.
قلت: وحركة مجلة (شعر)؟
قال: جعجعة كثيرة وطحن قليل.
قلت: وأنسي الحاج؟
قال: غاندي متنكر في ثياب غيفارا، وغيفارا متنكر في ثياب غاندي.
قلت: وخليل حاوي؟
قال: شاعر مرهف انتحر هرباً من زملائه الشعراء.
قلت: وما رأيك في الشعراء الجدد؟
قال: من المستغرب أن العراق قد اتهم بامتلاك الأسلحة الكيماوية والنووية ولم يتهم هؤلاء الشعراء التهمة ذاتها.
قلت: ما دمت ناقماً على كل الشعراء، فلماذا أنت بخيل ومقل في نشر قصائدك التي تروج لما ترى أنه الشعر الحقيقي؟ أنت منذ يومين لم تنشر أية قصائد جديدة.
قال: مشكلتي الحالية هي أن كلماتي يعادي بعضها بعضاً، وكل كلمة تركل الأخرى وتلطمها وتصفعها.
قلت: كن حذراً، فإذا شاعت الأخبار عن حالتك، فقد تنتهز بعض الدول الفرصة لإعداد تدخل عسكري بحجة منع القتال وإشاعة السلم والأمن.
قال: أنا متأكد من أنها لن تتدخل، فليس في بيتي ثروات طبيعية غير مكتشفة، وليس في جيوبي مليارات الدولارات.
لندن