Culture Magazine Monday  28/04/2008 G Issue 245
قراءات
الأثنين 22 ,ربيع الثاني 1429   العدد  245
 

(حمزة العرب) أكبر تحول في تاريخ الفن الروائي«3»
د. حمد البليهد

 

 

وتوقفنا رواية (ابن الأثير) أمام عدد من الإشكاليات الأخرى، أهمها مدى نسبتها إلى مؤلفها، فثمة طبعتان لهذه الرواية (السيرة)، كلاهما طبع في القاهرة، الأولى عام 1962م وتقع في ستة مجلدات تشتمل على 2880 صفحة من القطع المتوسط، ويحمل غلافها (قصة الأمير حمزة الشهير بحمزة العرب تأليف أبي الحسن على بن الأثير الجزري صاحب كتاب الكامل في التاريخ، وتحفة العجائب وطرفة الغرائب). مطبعة مصطفى البابي الحلبي. أما الطبعة الثانية فلم تحمل اسم مؤلفها ولا تاريخ طباعتها، لكنها حملت عنوان (قصة حمزة البهلوان المعروف بحمزة العرب) وهي طبعة مكتبة الجمهورية لصاحبها عبدالفتاح مراد، وجاءت في أربعة مجلدات تشتمل على 1200 صفحة من القطع المتوسط، لكن العديد من الدلائل والمؤشرات وصيغ الألفاظ كالمصطلحات الإدارية والسياسية تدل على أن ثمة يدا قد تدخلت في إعادة صياغتها، أو تحرير بعض جوانبها في الحقبة العثمانية، كما أنها مختصرة قياساً إلى الطبعة الأخرى بما يزيد على النصف، كما أن عنوانها قد تغير إلى (قصة حمزة البهلوان المعروف بحمزة العرب)، واختفى اسم مؤلفها، لكن (إدور لين) حين زار القاهرة في منتصف القرن التاسع عشر أثبت في كتابه (المصريون المحدثون) أسماء رواة السير الشعبية التي كانت تروى آنذاك، ما عدا سيرة (حمزة البهلوان) فلم يخصص لها راوياً محدداً، مما يؤكد أنها ظلت عملاً أدبياً كتابياً تناقله الخاصة في مكتباتهم دون أن تتحول إلى سيرة شفوية يرويها الرواة في المقاهي الشعبية كما هي طبيعة هذا النوع من القصص، وإذا كان ما نظنه قريباً من الصحة فمن الجلي أنها لم تلقَ قبولاً نظراً لتقنياتها الكتابية لا الشفوية.

وتعد حمزة العرب أو البهلوان الرواية (السيرة) الوحيدة التي احتفت بالسرد على حساب الشعر، وتمثلت فيها جماليات النص الأدبي الكتابي بدءاً من الأسلوب السردي الراقي، وصولاً إلى وحدة الموضوع، وتوظيف الوصف لخدمة الأحداث، وانعدام صيغ الحكاية المتعارف عليها في السير الشعبية أو الإحالة القولية، وعلى الرغم من ضخامتها غير أننا لا نشعر بتغير الراوي أو اختلال الصياغة وانتظامها، مما يجعلنا نظن بأن يكون مؤلفا واحدا توافر على سبكها بهذا الشكل، وهي عمل مخطط له بشكل واضح، حيث انتقالات البطل من مرحلة الوعي بوجوده السياسي إلى وجوده القومي إلى الوجود الكوني أو الحضاري ضمن سياقه الاجتماعي البشري، كما أن مؤلفها قد أسس بنيان أحداثه على طريقة الاستنتاج أو الاستدلال المنطقي، مما يؤكد أنه من طبقة النخبة المثقفة التي تحتكم إلى المنطق وتغلبه على الصدفة أو الخرافة واعتباطية الحدث، بالإضافة إلى أنها من أقل السير لجوءاً إلى الجن والسحر وغيرها من الأساطير أو التقنيات التي سادت في قصص العوام وسيرهم الشفوية، وهو ما يعني أن مؤلفها كان متوجهاً بخطابه إلى فئة أو نخبة بعينها، وهي طبقة الخواص العارفين بالكتابة المستقين معارفهم من الكتب التاريخية والفقهية والعلمية وليس العوام الراغبين في السماع وتغذية الخيال بالخرافات، فإذا أضفنا إلى ذلك كله شخصية البطل المختارة بعناية من بين الرموز (الأبطال) الإسلاميين، وتعميمه فنياً وتاريخياً بنسبته إلى أمير مكة الذي يحمل اسم: إبراهيم، وليس عبدالمطلب، مما يتيح للمؤلف التخلص شرك التاريخ الرسمي ومجاملة ذوي نعمته العباسيين، ليتمكن من تمرير خطابه المنطوي على جملة من القضايا شديدة الحساسية كالشعوبية التي رفضها الإسلام دون أن يؤخذ ذلك عليه، فحين نتأمل بعمق كل حيثيات هذا النص الإشكالي يتضح لنا كم هو عمل أدبي مخطط له بعناية فائقة، وإذا كانت هذه القصة قد كتبت صدى لترجمة ابن الفتح البنداري لشاهنامة الفردوسي التي طلبها منه الملك العادل في دمشق أدركنا أنها كانت موجهة لأن يقرأها الخليفة بنفسه وربما أرسل نسخاً منها لبعض الملوك من أمثال العادل في دمشق، بما يعني أنها عمل فني كتابي من البدء يمثل الانحرافة الكبرى والأهم في تاريخ القص الإنساني بدءاً من الخرافات ومروراً بالملاحم ثم السير ثم الرواية حتى اللارواية عند مارجريت دورا في العصر الحديث.

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة