Culture Magazine Monday  28/04/2008 G Issue 245
قضايا
الأثنين 22 ,ربيع الثاني 1429   العدد  245
 
تزامن المناسبات الثقافية:
حركة باتجاه الفراغ .. أم فراغ تملؤه الحركة؟!

 

 
* الثقافية - فوزية محمد الجلاّل:

تحولت الرياض خلال شهر مارس المنصرم إلى عاصمة ثقافية بامتياز حيث شهدت عدة فعاليات ثقافية: مهرجان الجنادرية، معرض الكتاب الدولي، جائزة الملك فيصل العالمية، جائزة الملك عبدالله للترجمة، مؤتمر الابتكار العلمي. وما حفلت به تلك الفعاليات من أنشطة ومحاضرات ولقاءات. إلى جانب عدة أنشطة تبدو مجدولة في هذا الموعد من العام مثل: المهرجان المسرحي الرابع، المعارض التشكيلية والفوتوغرافية والمنبرية لجمعية الثقافة والفنون والنادي الأدبي وبعض المراكز الثقافية، الأسبوع الثقافي اليمني الحافل بنشاطات منبرية ومعارض تشكيلية وتراثية وفنون ومسرحية وغنائية شعبية.

إلا أن هذا التزامن وإن بدا مؤشراً على الحركة الفاعلة والمقدرة الإدارية والتنظيمية المتميزة أربك النشاط الإعلامي بوسائله المختلفة، وبخس حق بعض الأنشطة في النقل والتحليل. هذا إلى جانب أن هذا التزاحم قد أسفر عن سلبيات حرمت كثيرين من متابعة أنشطة معينة، ثم - وهذا جانب مؤثر - إن شطراً كبيراً من العام ستبدو فيه العاصمة فارغة من هذا الحراك الثقافي والفكري بامتياز أيضا .!.

وفي هذا الإطار توجهت (الثقافية) لعدد من المثقفين والمتابعين والمشاركين للتعرف على آرائهم حول هذه القضية بكل أبعادها، من حيث: الإيجابيات - السلبيات - التنظيم الأمثل.

وكانت لهم آراء تقابلت وتقاطعت، تلاقت واختلفت ولكنها اتفقت فيما يشبه الإجماع على غياب التنظيم والتنسيق بين هذه الفعاليات زمانا ومكانا:

نضج فكري

- أكد الأستاذ الدكتور منصور الحازمي، في عجالة، إلى أهمية التنسيق بين الأنشطة ورأى جدوى تقسيمها على مدار العام:

لا شك إن ما شهدته الرياض خلال الأسبوعين الماضيين من فعاليات ثقافية متعددة ليعبرّ عن النضج الفكري والمستوى الرائع الذي وصلت إليه بلادنا والحمد لله. ولكن سؤالك ليس عن هذه الفعاليات، التي نفخر بها جميعاً، بل عن تزامنها، أي قيامها في وقت واحد، مما يحرم الكثيرين من الحضور والمشاركة فيما يودّون حضوره والمشاركة فيه. ولكن هذا التزامن له جانبه الإيجابي والمتمثل في اللقاء والتعارف والإطلاع على معظم الفعاليات في وقت واحد. ومع ذلك، فلا بدّ من التنسيق بين هذه الأنشطة، وأنا معك في وجاهة تقسيمها على أشهر العام إن أمكن ذلك، مع مراعاة الخصوصية التي تتمتع بها، وفي أشهر الصيف وأشهر المقدسات، وشكوانا الدائمة من قلة الحضور في الفعاليات الثقافية والنوادي الأدبية.

إرباك

- وأشار الأستاذ علي بن سليمان الصوينع أمين عام مكتبة الملك فهد الوطنية إلى إيجابية الحراك الثقافي في المجتمع إلا أنه أكد أن المناسبات الثقافية المتزامنة قد تربك النشاط الإعلامي في الانتقاء والمتابعة:

تخطيط المناسبات الوطنية ينبغي أن يأخذ قسطا وافر من الدراسة في تحديد أفضل الأوقات وأنسب الظروف على كافة المستويات، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى الإقليمي أحيانا فيما يتعلق بالمشاركين والمستفيدين المستهدفين من الفعاليات الثقافية، سواء كانت مهرجانات أو معارض أو مؤتمرات وغيرها، وينبغي أن يؤخذ بالحسبان عوامل داخلية وخارجية متعددة تتعلق بالجوانب السياسية أو الأوضاع الاجتماعية والمناسبات الدينية أو المناسبات الأخرى مثل: رمضان والحج والأعياد والإجازات والطقس المناسب والمرور في زحمة المدن وتوفر الفنادق والسكن الملائم لزوار المدن التي تحتضن المناسبات، وهذا الأمر قد يستدعي دراسة متمعنة عند الرغبة في توزيع المناسبات الثقافية على مدار السنة.

وتزامن المناسبات الثقافية في المدن الكبرى مثل: الرياض وجدة مؤشر إيجابي جميل يدل على زخم الحراك الثقافي والاجتماعي الذي تشهده المملكة العربية السعودية على جميع الأصعدة في السنوات الأخيرة، فالمشهد الثقافي يعكس ازدهار وتنوع البرامج والفعاليات التي تلائم جميع الاهتمامات والأذواق من الناحية الثقافية مما يتيح الكثير من الخيارات أمام الناس على اختلاف ميولهم من أجل الحضور والمتابعة. ومع أن تزامن المناسبات قد يؤدي إلى تضارب مواعيد الافتتاح الرسمي لكل مناسبة وحضور أكبر عدد من المعنيين بالشأن الثقافي أو كبار المسئولين، إلا أن الأنشطة الثقافية شأن جماهيري يستمر أحيانا لعدة أيام، كما في تزامن مهرجان الجنادرية، ومعرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام. أما الأنشطة الثقافية الاحتفائية مثل: توزيع الجوائز، فمن المعتاد إقامتها في ساعات محدودة مساءً، وهي لا تتعارض كثيرا مع البرامج الثقافية العامة والمبرمجة لعدة أيام. كما أن حشد المناسبات الثقافية في فترة محددة له إيجابيات وفرصة مواتية لتعريف زوار المملكة بالتطور الثقافي السعودي الذي يعكس أوجه الحياة التنموية والحضارية، وذلك بما يسحب المناسبات الثقافية من جولات وزيارات ولقاءات متعددة خارج سياق الفعاليات الرسمية والثقافية. على أن كثرة المناسبات الثقافية المتزامنة قد يربك النشاط الإعلامي في الانتقاء والمتابعة، ولهذا ينبغي أن تكون التغطيات الإعلامية والتقارير الصحفية متوازنة، فلا يطغى الرسمي على الثقافي فنفقد روح الثقافة ونبضها في خضم ضجيج الخطابات الاحتفالية النمطية.

ليلة الشك الأعظم !

- وكان للدكتور خالص جلبي المفكر والكاتب المعروف رأي في الأنشطة نفسها، ليس على المستوى المحلي بل العربي، كان ساخطا ومتشائما وساخرا واصفا إياها بالاستعراضات الفكرية، وألعاب السيرك البهلوانية. وختم بمقال عن ظروف ولادة الحريات والعبقريات ! :

ما ذكرت من مؤتمرات واجتماعات لابأس بها، ولكنها اجتماعات رسمية يكثر فيها المادحون ويقل المنتقدون، والله أنزل سورة القيامة موعظة للغافلين وذكرى للمتقين، فلا نجاة في يوم القيامة إلا للنفس اللوامة، وقد كتبت كتابا كاملا بهذا العنوان في النقد الذاتي.

وأما معارض بيع الكتب فيكثر فيها اللصوص والمرابون وأكلة لحم المفكرين، الذين تفنى أعمارهم وتتقوس ظهورهم ويذهب بصرهم ليأتي لصوص دور النشر فيبيعوهم ببخس من الدراهم، وهو ما حدث معي في معظم الأحوال من كتبي. ولو اعتمدت في رزقي على عشرات الكتب التي نشرت لي، أن أعيش من ريعها، لكنت من الهالكين، أو في أحسن الأحوال من المتسولين على باب الجامع الكبير، بجنب النسوة المتلفعات بالسواد ؟

ولذا فقد صبرت على ليالي الجراحة المرعبة، وحفلاتها الدموية، حتى مطلع الفجر، حتى أضمن لنفسي وبناتي حياة كريمة، فلا أمد يدي بالسؤال أو أمدح مسئولا فيتصدق علي بمنصب وراتب.

إنني حزين هذه الأيام على الأجواء المحبطة، فلا تتفاءلي كثيرا أختي الفاضلة، بالاستعراضات الفكرية، ولا تغرنك ألعاب السيرك البهلاوانية، فبين العقل العربي وحرية الفكر مسيرة دهور، والبحث عن الدرر في عمق المحيط يصلح له غطاس صبور يستطيع مسك نفسه إلى العمق، لعله أن يعثر على صدفة خالدة

وإليك نظرتي لظروف ولادة الحريات والعبقريات :

في الوقت الذي كان العالم الإسلامي يضع عقله على الرف، ويتوقف الزمن عنده على ضرب صنج الصوفية، ويشخر في أحلام وردية على قصص ألف ليلة وليلة، كانت بذور منهج الغزالي في التأسيس المعرفي من خلال مبدأ الشك يثمر ثمراته في جنوب ألمانيا بطريقة مختلفة.

يقول ديكارت عن نفسه أن الثلج والبرد اضطره إلى قضاء الشتاء في جنوب ألمانيا قريباً من مدينة أولم(ULM) كان رينيه ديكارت من نبتات التنوير العقلي الجديد، الذي امتد من شمال إيطاليا إلى كل أوربا من الشعلة التي قدح زنادها لابن رشد. يقول ديكارت أنه التجأ إلى هذه المكان وهو فارغ البال من الهم والحزن والهوى. كان الشيء الذي يحتل كل ملكاته العقلية هو إمكانية الوصول إلى الثقة واليقين في العلوم، فديكارت كان قد ودع الفكر القديم وفقد ثقته به فكتب في (المقال على المنهج) التالي:

(العقل هو أحسن الأشياء توزعاً بين الناس إذ يعتقد كل فرد أنه أوتي منه الكفاية، وليس من عادتهم الرغبة في الزيادة لما لديهم منه. ويشهد هذا بأن قوة الإصابة في الحكم التي تسمى العقل، تتساوى بين كل الناس بالفطرة، وكذلك يشهد بأن اختلاف آرائنا لا تنشأ من أن البعض أعقل من البعض الآخر، وإنما ينشأ من أننا نوجه أفكارنا في طرق مختلفة، لأنه لا يكفي أن يكون للمرء عقل، بل المهم هو أن يحسن استخدامه، وإن أكبر النفوس لمستعدة لأكبر الرذائل مثل استعدادها لأكبر الفضائل).

استولى الشك على كيان ديكارت كاملاً فبدأ يتنفس الشك ويعيش فيه، ويقول أن تلك الليلة شعر وكأن دماغه من شدة التفكير يوشك على الانفجار، ثم انقدح أمامه فجأة المنهج الجديد الذي عرف بالمنهج التحليلي الديكارتي. قال ديكارت إنني عندما أشك أفكر؛ حتى لو شككت في كل شيء بما فيه وجودي بالذات، حتى لو زالت الدنيا كلها، فإن شيئاً لا يزول ولا يتزحزح وهو أنني أشك؛ أي إنني أفكر وإذا كنت أفكر فهناك حقيقة أنني موجود على صورة من الصور ولكنني موجود. فهذه هي الحقيقة الراسخة الوحيدة التي يمكن أن استند إليها في كل عمليات التفكير. هذه الحقيقة الراسخة مهدت الطريق لعصر التنوير في أوروبا، واعتبرت الفلسفة الديكارتية أحد المفاصل الجوهرية، التي قامت عليها الفلسفة الأوربية الحديثة، باعتبار أن ديكارت وعشرات من أمثاله كانوا البناة النظريون للعصر الحديث بكل إنجازاته، لأنه مع حركة العقل تم تدشين حرية التفكير، ومع حرية التفكير انطلقت الأبحاث العلمية بدون حدود، ومنها نبعت التكنولوجيا الحديثة والنظم السياسية.

فهؤلاء المفكرون العظام هم الذين حلوا أعظم مشاكل الجنس البشري وبناء مناخ الحرية الفكرية الكامل بدون خوف.

تشتت وإرهاق

- وقد استهلك هذا التزامن وفوضى التنسيق، وقت وأعصاب الدكتور سلطان سعد القحطاني الأكاديمي والباحث والناقد والروائي المعروف، الذي قال:

لا أظن أن إرهاقاً مر بنا في هذا العام سيكون له مثيل في الحياة الثقافية من خلال مهرجاناتها العادية، فقد جاءت الجنادرية التي تأخرت عن موعدها مصاحبة لمعرض الكتاب الدولي الثاني، ومعه جائزة الملك فيصل العالمية، وأصبح المثقف يسعى بين هذا وذاك، وكثير منهم لم يتمكن من حضور أي منها، وليست المشكلة في تعدد هذه الفعاليات العالمية بقدر ما سببه عدم التنظيم بينها في الزمان والمكان من إرباك حرم الكثير من متعة الاستزادة مما يقدم في كل منها من ثقافة، قد تكون جديدة- على الأقل- في عرضها، حيث استضافة جائزة الملك فيصل كل الفائزين بها على مدى ثلاثين عاماً، فسرقت كل الأضواء من المهرجانات الأخرى، وقدم معرض الكتاب وجوهاً جديدة تعني الشيء الكثير في الثقافة العربية، ورموزاً ثقافية تأتي لأول مرة للسعودية ويلتقي بها المثقفون؛ كل هذه الفعاليات يحسب المثقف لها حساباً في كل عام، فإذا جاءت مجتمعة في زمن واحد شتت أفكار الحضور والمشاركين في آن واحد، وبالرغم من هذه السلبية إلا أنها فتحت نافذة جديدة تعني المنافسة فيما يقدم، ولذلك يجب على القائمين عليها أن يجدوا في اختيار الضيوف بما يجدون فيه الفائدة وجذب الجمهور المثقف إليهم وإلى نشاطاتهم، وقد أحسنت إدارة الثقافة في معرض الكتاب الدولي، عندما وضعت جدولاً بأسماء المشاركين، بحيث لا تتكرر الأسماء مرة ثانية، مما يفتح المجال لدماء جديدة يستفاد منها، ويجب على كل ضيف يحضر أن يقدم مشاركة يناقش فيها ويستفاد منه بقدر الإمكان، كما يجب على هذه الجهات الثقافية أن تنسق فيما بينها تحت إشراف وزارة الثقافة الإعلام بالتعاون مع الجهات الأخرى، من حيث الزمان والمكان والمواد المقدمة، لتلافي الازدواجية، وإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المثقفين والباحثين للمشاركة.

إرهاق

- أما الشاعرة الدكتورة ثريا العريض فقد أسهبت في تناول تلك الأنشطة محتوى وتنظيما وما صاحبها من سلبيات وإيجابيات، وأكدت على ضعف التنسيق بين المؤسسات في جدولة النشاطات ودعت إلى أن تقام هيئة مركزية للتنسيق بين النشاطات المتكررة والمستجدة من حيث التوقيت والموقع :

أقدر للثقافية تحقيقها حول النشاط الثقافي في الرياض في شهر مارس بالتحديد لأن الأمر بلا شك يتعلق بطبيعة الطقس الربيعي لتجنب البرد القارس والحر القاتل واختيار الموقع مرتبط مباشرة بكونها العاصمة:

ولأنها كلها نشاطات في مدينة الرياض وأنا من سكان الظهران لم أحضر شخصيا أياً منها هذا وإن تابعتها إعلاميا:

- مهرجان الجنادرية كالعادة كان حدثا متنوعا رائعا. ما تابعته منه على شاشة التلفزيون حمل لي متعة متجددة. ولعلي أشير هنا إلى الأوبريت التي لأول مرة في تاريخ الجنادرية أشارت إلى مساهمة المرأة في بناء الوطن. وبصفتي مواطنة اعتز بكل دور فاعل للمرأة وأقدر من يقدره أشكر من التفت إلى هذا الجانب.

ولكن بعض قراء زاويتي اليومية خاصة من المناطق البعيدة عن العاصمة علقوا على حكمة توقيت الجنادرية في وقت ليس فيه إجازة مدرسية تسمح باصطحاب العائلة والأولاد لحضور فعالياتها وأتمنى لو أخذ منظمو الجنادرية هذا التعليق المهم بعين الاعتبار.

أما من ناحية الإيجابيات فبديهي أن أي نشاط ثقافي ينجح يحرك الساحة للاستزادة وإعادة التجربة وهذا ما يثري الساحة. ولكن من الناحية التخطيطية البحتة هناك بعض المآخذ:

والمشكلة الرئيسية في تزامن عدة نشاطات يهتم بها نفس الجمهور بأي منطقة أن في ذلك إرهاقا للحضور المدعوين وللأفراد المهتمين الذين لا يستطيعون إيجاد الوقت الكافي خارج الدوام. مهرجان الجنادرية، معرض الكتاب الدولي، جائزة الملك فيصل العالمية، جائزة الملك عبدالله للترجمة، مؤتمر الابتكار العلمي. وما تحويه من أنشطة ومحاضرات ولقاءات تتطلب الكثير من الوقت الفائض عن الأولويات للكثيرين.

صحيح أن التزامن لا يمكن التخلص منه نهائيا ولكنه إذا حدث اعتبر مؤشرا سلبيا على ضعف التنسيق بين المؤسسات في جدولة النشاطات. جدولة الفعاليات من المستحسن أن تنسق بصورة شمولية أي بالتفاهم بين المؤسسات المعنية بالإضافة إلى بديهيات متطلبات المقدرة الإدارية والتنظيمية المتميزة.

وليس من الضروري أن شطراً كبيرا من العام سيبدو فارغاً من هذا الحراك الثقافي والفكري حيث تجربتنا تشير أن الفراغ الثقافي عادة يتزامن فقط مع الإجازات الرسمية كالأعياد وإجازة الصيف حين من المتوقع أن يسافر الكثيرون. ومع هذا فهناك مساع لاستحداث نشاط ثقافي حتى في الإجازات. واعتقد أن إعادة جدولة نشاطات مثل معرض الكتاب ومهرجانات الثقافة إلى فترة الصيف ستتيح لمن لا يستطيع السفر أن يشارك فيها ويقدر توفرها له محليا.

بالنسبة لمعرض الابتكار قيل لي ممن حضرن أن الاستعداد لحضور السيدات كان أقل من المتوقع وهذا يثير استغراب المتابع في هذه الفترة من الزمن التي نرى فيها مشاركة المرأة والاهتمام بالموهبة على رأس التوجهات المعلنة رسميا مما يحدونا إلى توقع أن يستعد لها جديا في أي نشاط وربما كان لضعف الإعلان والتوصل يدا في ذلك.

توزيع الجوائز لجائزة الملك فيصل يتبع الترتيب الذي اختارته لجنة الجائزة منذ ابتدأت ,مع بعض التطوير, ولأنه ليس حفلا مفتوحا للجمهور العريض لا أجد مشكلة في خيار اللجنة وربما تزامنه مع الجنادرية يأتي بسبب أن بعض المدعوين مشتركين في الحدثين. ولكني استغرب أن لا تشمل الدعوة بعض شخصياتنا النسائية الفاعلة في مجال الثقافة.

أما خيار تركيز النشاطات في العاصمة فيمكن تبريره بأن ذلك يسهل حضور المسؤولين وهم مشغولون جدا وهو عذر مقبول خاصة في أنشطة تعنى بتوزيع الجوائز بما في ذلك جائزة الترجمة الجديدة وما سيتلوها من جوائز ستجد على الساحة. ولكن هذا التركيز في حال النشاطات الأخرى يثير ردود فعل سلبية لدى الجمهور العادي في المناطق الأخرى من الراغبين في الحضور خاصة في نشاط له طابع وطني مثل الجنادرية أو ثقافي عام مثل معارض الكتب حيث يستحب حضور العائلة ككل. فمسألة كون الفعاليات كلها في منطقة الرياض تعني تعسر حضور من يعيشون خارج المنطقة أو المشاركة فيها حتى لو تمت دعوتهم رسميا حيث تحدث في الغالب أيام الدوام الرسمي وقلة يختارون الابتعاد عن عائلاتهم لو حدثت في إجازة آخر الأسبوع.

وحتى في العاصمة تزامن الأنشطة الثقافية أيضا يعني حرمان من يستطيعون الحضور من المشاركة في بعضها حيث لا يستطيع الفرد حضور كل الفعاليات المتقاربة زمنيا حين الوقت المتوفر محدود.

وأضيف أن هناك فعلاً حراكاً ثقافياً واضحاً في المملكة العربية السعودية وبأبعاد أوسع مما حددته الرسالة حيث لا اختزل معنى مصطلح (ثقافي) في معارض الكتب وتوزيع الجوائز؛ ولا المكان في مدينة الرياض؛ ولا الزمن في شهر مارس. وأرى أن كل ما يتعلق ببناء الوعي يدخل في البناء الثقافي. وبهذا المعنى نعيش منذ بداية العام حراك ثقافيا مستمرا بدأ بفعاليات الأندية الأدبية التي أعايش منها نشاط نادي الدمام الأدبي متنوعا بين الندوات والمحاضرات وعروض الأفلام أسبوعيا.. كما أتواصل عن بعد بنشاط الأندية الأخرى في حائل وتبوك والمدينة وجدة وربما استهل مع بداية العام بإعلان الأميرة حصة بنت سلمان في منتدى الإعلاميات عن جائزة للإعلاميات في الصحافة.

وقد شمل النشاط العام فعاليات محلية بدئا بمنتدى جدة الاقتصادي في فبراير ثم تزامن في شهر مارس بمنتديات عدة لسيدات الأعمال في كل من جدة والرياض والدمام. وليس هذا كل ما حدث ثقافيا.

فقد تابعت مؤخرا مشاركة وفود المملكة في فعاليات أدبية سعودية خارج الوطن ودعيت إلى بعض منها. وما زلنا ننتظر المزيد.

و الأفضل تنظيميا للاستفادة المثلى على مستوى الوطن أن تقام هيئة مركزية للتنسيق بين النشاطات المتكررة والمستجدة من حيث التوقيت والموقع يراعى فيه الخيار الأمثل لكل منطقة والأحداث الأخرى المرتبطة مثل السنة الدراسية التي تقيد الطلاب والمدرسين وحتى الآباء والأمهات.

تغطية حية

- واختلف الأستاذ سعيد الصويغ مدير تحرير المجلة العربية مع الآراء السابقة، فقد رأى في هذا التزامن إيجابية تخدم ضيوف الرياض أكثر من سكانها، وطالب بأن يكون هناك بث مباشر مرئي للفعاليات:

تزامن هذه المناسبات قد يخدم ضيوفها والذين يفدون من خارج الرياض لمتابعة مناشطها في أقصر مدة ممكنة، في تصوري أن ضيوف جائزة الملك فيصل رحمه الله أو ضيوف الجنادرية أو غيرهما من الفعاليات الثقافية، يتيح لهم هذا التزامن فرصة المشاركة والحضور، وكذلك بالنسبة للقادمين إلى العاصمة من سكان المملكة.

أعتقد أن هذه المناسبات لها استعدادات مبكرة جدا فالمتوقع قبل بدء فعاليتها، تُعلن خططها وبرامجها عبر وسائل الإعلام المختلفة، مع نشرة يومية عبر تلك الوسائل للمنشط الآتي يعني في اليوم نفسه حتى يتسنى لمن يرغب حضور واحد منها أن يحدد ذلك مستقبلا ويرتب أوراقه على هذا الأساس. ثم لمَ لا يكون هناك بث مباشر عبر القنوات المرئية المحلية لكافة هذه المناشط، قد يساعد هذا في متابعتها لحظة بلحظة من أي موقع كان، بل وهذه التغطية المباشرة تخدم أيضا أولئك الذين لم تسمح لهم الظروف بحضورها وتعطي فرصة للبعيدين أن يكونوا قريبين.

ولعله من المناسب أن أطرح تساؤلا: لم لا تستمر بعض المناشط الثقافية فترة أطول كالجنادرية، أو يتكرر حدثها في العام في أكثر من محطة في بلدنا الحبيب ؟ وما الذي يمنع من استحداث مناشط أخرى في فترة الصيف كل منطقة حسب ما يلائمها، بل ومن المهم أن تبرمج بعيدا عن الإقليمية، لتظهر وحدة ثقافية كما هي وحدة الوطن. وزارة الثقافة والجهات المعنية والمرتبطة بهذا الشان مطلوب منها تأكيد الحضور العالمي مرارا للوجه الثقافي الوضيء على مدار العام، بوضع خطة عمل يُستأنس فيها برأي مفكرينا وأدبائنا ليظل صوته الحاضر الذي لا يغيب.

عشوائية

- ورغم إشادته بالحراك الثقافي والفكري الذي تشهده الساحة المحلية، إلا أن الروائي والكاتب الأستاذ إبراهيم الناصر الحميدان أشار إلى عشوائية التخطيط ودعى لإقامة مجلس أعلى للثقافة لاستيعاب الفعاليات وتنظيمها:

بلادنا تطرح من خلال هذه الفعاليات العديد فرص الثقافة التي يحتاجها الإنسان الذي يبحث في المزيد، وهي دليل على الوعي الذي يستوعب الجديد نحو الأفضل من الحراك الثقافي. وليس من شك في التنظيم الفكري يطرح نفسه بشكل تلقائي حتى وإن بدا عشوائياً من جهة التخطيط لأن عدة جهات ثقافية تعمل في معزل عن التخطيط لأن هكذا طبيعة الأشياء الفكرية ولذا فإن التنظيم يستوجب مجلسا أعلى للثقافة حتى يتسنى إطلاق زوايا توضح المسيرة المباركة في أكثر أبعادها، ولعل مكتبة الملك عبد العزيز العامة تستطيع بما تملكه من أدوات إيجابية أن تضع خطة تستوعب تلك الفعاليات بالتعاون مع الجامعات والمراكز الثقافية ووزارة الثقافة والإعلام. وقد يحتاج هذا البحث التنظيمي بعض الوقت، إنما من سار على الدرب وصل.

أين تذهب هذا المساء ؟

- وفي هدوء المتابع والمتفاعل أثنى الكاتب المعروف الأستاذ محمد عبدالرزاق القشعمي على زخم النشاط الثقافي في الرياض واعتبره دليل صحة وعافية ونماء، وأكد على أهمية أن يكون هناك ترشيدا لمواعيد تلك الفعاليات:

شهدت مدينة الرياض عدداً كبيراً من الفعاليات الثقافية المكثفة خلال هذه الأيام، وأصبح من يحرص على حضور بعضها يلهث لمتابعتها واللحاق بما يمكن حضوره قبل فوات الأوان .

لقد تصادف إقامة المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) مع بداية افتتاح المعرض الدولي للكتاب، وفي الوقت نفسه أقيم حفل تسليم جائزة الملك فيصل العالمية، وكذا في اليوم التالي إعلان جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة، وبعد أيام قلائل لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة يفاجئنا المهرجان المسرحي الرابع وفي اليوم التالي لافتتاحه يقام المعرض الفني العربي للفنون التشكيلية (بصمات عربية) إضافة لما تنفذه القنوات الثقافية الأخرى مثل النادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون وغيرها، ولا أنسى أيضاً مؤتمر الابتكار العالمي الذي أقيم في الفترة نفسها ومركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية، وبعد أيام سيكون هناك مؤتمر النقد الأدبي الحديث الذي يقيمه نادي الرياض الأدبي مع ما تقيمه الجامعات وأمانة المدينة والمؤسسات الأخرى من هذه الفعاليات المتلاحقة بل المتزامنة التي قد يحسدنا عليها أبناء المناطق الأخرى من المملكة.. وهذا دليل صحة وعافية ونماء، صحيح أن الرياض أصبحت كبيرة مترامية الأطراف، ويصعب وصول بعض المهتمين إلى أماكن بعض المراكز التي يقام بها هذا النشاط، فقد يجد المهتم أقرب موقع لمحل إقامته مما يسهل عليه التواصل معها وحضورها.

ويا حبذا كان هناك تنسيق أو ترشيد لمواعيد هذه الفعاليات لكان أفضل! ولكن مهما كان فالإيجابيات أفضل وأكبر من السلبيات.. فالحمد لله لدينا من الشباب القادرين على الإدارة والتنظيم المميز ما يجعلنا نستطيع الاعتماد عليهم.

وخلاصة القول فإن عاصمةً مثل الرياض ليس غريباً عليها أن تشهد مثل هذه الأنشطة .. ولكن الغريب أن بعض المهتمين قد تفوتهم الفرصة لعدم معرفتهم بموعد الفعالية ومكانها؛ لعدم نشر أخبار عنها، فليت إحدى الصحف - وبالذات صحيفتي العاصمة (الرياض والجزيرة)- تفرد زاوية في إحدى الصفحات المحلية تحت عنوان (أين تذهب هذا المساء؟) وتجعل له عنواناً يسهل إبلاغ المسؤول عنه بما يقام بالعاصمة من نشاط، ويوضح فيه كل ما يلزم لتسهيل الوصول إلى مكان إقامته.

تمركز

ورأت القاصة والكاتبة الأستاذة شريفة الشملان، أن تمركز النشاطات في العاصمة يحرم المدن الأخرى منها:

شيء مبهج أن تكون هناك تظاهرات ثقافية وعلمية وأدبية، فذلك يدعي لإثراء المعرفة، والتواصل بين الجمهور وبين الأدباء والمثقفين ولكن بالنسبة لما يحدث في الرياض من فعاليات كثيرة في آن واحد يجعل فرص الاستفادة تتضاءل حيث سيكتفي المتلقي بنوع وان ضغط وقته على نوعين فقط، فالبعد الجغرافي في مدينة كالرياض مزدحمة بطبعها فما البال عندما يكون بها مثل هذا الزخم الثقافي لا أستطيع أن أفتي بالتنظيم ككل وذلك لعدم تمكني من الحضور، هذا من جهة ومن جهة أخرى دائما تبدو هذه الفترة من العام مزدحمة جدا، وهذا شيء إيجابي كما تفضلتِ حيث يبقى العام كله شبه فارغ، ناهيك عن تمركز النشاطات في العاصمة يحرم المدن الأخرى من الأنشطة وتحريك جمادها، بل قد يجعل. من بعض المناطق تلجأ للفعاليات بالدول المجاورة.

ذاكرة الآخر

أما الكاتب المعروف الأستاذ سهم بن ضاوي الدعجاني فقد رأى في هذا التزامن إنجازا وطنيا كبيرا، وموقفا إيجابيا يضاف لرصيد هذا التزامن:

إن تزامن الفعاليات الثقافية (مهرجان الجنارديه, مهرجان الكتب، جائزة الملك فيصل العالمية, جائزة الملك عبدالله للترجمة, مؤتمر الابتكار السعودي...) وغيرها من المناسبات ذات الطابع الثقافي الجماهيري، يعد- في نظري- إنجازا وطنيا كبيرا, يضع الوطن في دائرة الضوء الفاعلة. ويكفي أن تعود بنا الذاكرة إلى الصحافة الورقية والإلكترونية، لنجد أننا قطعنا ثمرة الحضور الفاعل والإيجابي في (عقل) و(قلب) المواطن والزائر من خلال تلك الفعاليات الثقافية، كما لا أنسى الحضور السعودي الفضائي الذي حققه (الوطن) بعد تلك الفعاليات, ويكفي الرجوع إلى قوائم ضيوف المملكة الذين حضروا إلينا من قريب ومن بعيد, سواء كانوا ضيوفا على المهرجان الوطن للتراث والثقافة أو ضيوفا على مهرجان الرياض الدولي للكتاب أو ضيوفا على جائزة الملك فيصل العالمية أو جائزة الملك عبدالله للترجمة أولئك الضيوف نخبه مميزه من أصحاب الرأي والحضور الفكري في بلدانهم، لاشك أنهم سيعودون إليها وهم يجمعون صورا مشرقه لواقع المشهد الثقافي السعودي.

وهنا, يرد عدد من الأسئلة, هل تزامن ذلك الفعاليات يعتبر سلبية أم إيجابية من حيث الترتيب والإعداد وغيرها من الجوانب التنظيمية, وأنا في نظري أن هذا التزامن إيجابي ومفيد حيث اختصر على الوطن تكلفة إقامة مثل تلك الفعاليات الجماهيرية، كما أنه وفر على الجهات المنظمة كما مثل وزارة الثقافة والإعلام ورئاسة الحرس الوطني ووزارة التربية والتعليم ومؤسسة الملك فيصل الخيرية ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة, وفر على تلك الجهات عدد الضيوف المشاركين في احتفالاتها حيث وجدت أن أولئك الضيوف يشاركون بشكل احتفالي في كل المناسبات، مما يوفر على تلك الجهات كثيرا.

ولكن السؤال الأهم في نظري: هل فعلا استفدنا من حضور أولئك الضيوف فائدة حقيقية وهل استطعنا أن نقدم لهم المشروع السعودي من خلال فترة البقاء القصيرة لهم بيننا، وهل أقمنا لهم بشكل احترافي قنوات حيه للتواصل مع المثقف المحلي, عبر المؤسسة الثقافية والمدنية ليتعرفوا على خارطة النجاح السعودي, وأن يقيموا علاقات حميمية مع المثقف السعودي, ثم ما مدى حضور تلك الأسماء الكبيرة بعد مغادرتها للوطن الأرض, ما مدى حضورها فعلا في المشهد الثقافي المحلي، عبر الصحافة السعودية والمجالس الوطنية.

بالعودة الواعية إلى ذاكرة الصحافة إبان تلك الفعاليات, نسأل السؤال الأبقى: ماذا بقي في ذاكرة من حضر إلى الرياض للمشاركة في تلك الفعاليات الثقافية؟

ماذا بقي في ذاكرته هو عن الرياض وأهل الرياض وثقافة الرياض؟ وماذا أضاف هو إلى مشهدنا الثقافي المحلي, وهل نجحنا في نقل تجربة الوطن الثقافية إلى الصديق وابن العم والزائر أم لا؟!

أرجو ذلك، فعادتنا النجاح وليس غير النجاح.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة