Culture Magazine Monday  21/01/2008 G Issue 230
فضاءات
الأثنين 13 ,محرم 1429   العدد  230
 

عندما يستشعرُ (الفرَج) همومَ الأمة!! «1-2»
د. أحمد عبد الملك

 

 

أهداني أخ عزيز - تعرفت عليه في معرض الكتاب - ديوان ( خالد الفرج) الجزء الأول والثاني، والذي قدمه وحققه خالد سعود الزيد، وطبع بالكويت عام 1989. ولقد خط الشاعر بخطه الجميل بعض المعلومات عن حياته وبعض قصائد الديوان. فيقول عن نفسه: خالد بن محمد بن فرج بن عبدالله بن فرج الصراف الدوسري؛ من المساعرة، وأمه شيخة بنت ثنيان بن عبدالرحمن أل ثنيان، من قبيلة الخليفات في قطر.

وقد ولد بالكويت عام 1316 هجرية، وأقام بالهند حوالي ثلاث سنوات ثم عاد إلى الكويت ودرس في المدرسة المباركية. وفي عام 1333 هجرية ذهب إلى الهند وعاد عام 1334 هجرية. أقام بالبحرين عام 1345 هجرية وتولى سكرتارية بلدية المنامة. نفاهُ الإنجليز عام 1346 هجرية إلى الكويت لدواع سياسية؛ وعاد إلى القطيف وتولى تأسيس بلدية القطيف. توفي في لبنان يوم 24- 12-1945 ميلادية.

ويقول عنه المُحقق: إن خط خالد الفرج في جميع دواووينه الشعرية ورسائله المخطوطة يمتاز بالجمال والوضوح. فخالد الفرج خطاط ماهر، كانت له مطبعة، سبكَ بنفسه مجموعة من حروفها، وضبطها بما يتناسب مع جمال الخط العربي. لذا لم أجد عسراً في قراءة مخطوطاته لوضوحها وسلامة خطوطها.

في الجزء الأول من الديوان - التاريخ والسياسة - يقدم لنا (الفرج) ملاحم تذكرنا بالشاعر العربي (أبي تمام). ففي أول قصيدة بالديوان يتحدث عن السيرة النبوية، ويصف لنا المناخ العام في مكة عندما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أن الكفار عاندوه وعارضوا الدعوة واتهموا صاحبها باتهامات باطلة. يقول الشاعر في هذا المقام:

هم عاندوه مكابرين بجلهم

ولكم دعوهُ بشاعر ٍ مجنون ِ

واستكبروا ماقال في الأنصاب

والأصنام من ذم ومن تهجين ِ

فأقام لا تثنيه لومة ُ لائم

كلا، ولم يأبه بفعل ٍ مهين ِ

يََصلونَه ُ حَرَّ الأذي فيُجيبهم

ربِّ اهد ِ قومي إنهم جهلوني

ياقوم جئتكم بأحسن ماأتى

رسلٌ به أقوامهم فذروني

أهديتم سُبلَ الرشاد لخيركم

في هذه الدينا ويوم الدين

ويسترسل الشاعر في ذكر أركان الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج؛ ويحذر من الكبائر والفواحش، كما يشير إلى الوحدة والتمسك بالعروة الوثقى؛ وكيف أن الإسلام في شرق وغرب العالم - إلى الصين والسين - لم يفرق بين الزنوج والسكسون. كما نتعرف عبر القصيدة على ثقافة (الفرج) كإنسان مطلع على الديانات الأخرى ورموزها؛ مثل (نانك) مؤسس ديانة السيك، وكذلك بالثقافة العامة الخاصة باللغات الأخرى حيث يأتي على ذكر تجنب شرب الخمر؛ ولحتميات القافية يأتي باسم (الزرجون) وهي الخمر في اللغة الفارسية. كما يدعو إلى الحذر من البدع؛ ويأتي بنماذج مقاربات للقرآن الكريم؛ يقول:

وتدبَّر الأيَ الكريمة واتعظ

(بالعصر) أو (بالتين والزيتون)

كما يأتي على ذكر القادة المسلمين ومنهم صلاح الدين؛ فيقول:

في كل عصر حاولوا هدمه

بعث الإله ُ لهم (صلاح َالدينِِ)

القصيدة الثانية عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويتحدث فيها عن بعث الرسول، ومعاداة الفرس للدين الإسلامي، وهبوط الوحي، حيث يصور حال (النبي) بعد اتصال الوحي به وما أصابه من حالات البرد والارتجاف، آخذا ذلك من آيات القران الكريم والسنة النبوية وكذلك الأمر الإلهي بإعلان الدين الجديد. يقول :

حتى أتاهُ (اصدع بما تؤمر) به

فبدوا برُغم القوم لم يتكتموا

القصيدة الثالثة عن المعراج. حيث يتناول الشاعر - بصورة ملحمية - تذكرنا بالإلياذة اليونانية، مسترشداً بما ورد في القرأن الكريم حول الموضوع، مضيفاً جمالاً وروعة بيان.. يقول:

حتى تدنّى قاب قوسين إلى

أن كان يسمع همسة َ المُتناجي

وفي الشطر الثاني من البيت نجد بلاغة جميلة إذ أن المتناجين لا يظهر صوتهم؛ وتلك مبالغة معروفة في البيان العربي. وهي تكشف مدى قرب النبي من الخال عزوجل وكما جاء في الأية: (ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى). وتتوالى الصور المأخوذة من القرآن الكريم في وصف ما شاهده النبي من الصالحين في الفردوس والمجرمين في الأغلال، حتى ينهي القصيدة بإشارة إلى مذبحة (ديرياسين) حيث يقول:

في (دير ياسين) وفي أخواتها

ذُبح الاهلي مثل سرج نعاج ِ

والمسلمون جميعهم في شاغل ٍ

من سفسفات أوعقيم لجاج ِ

رحماك ربي إن أرضك قد خلت

فأبعث لنا يارب بالإخراج ِ

ونلاحظ صيغة اليأس والأسى - في البيت الأخير-من حال الأمة وضعفها؛ حيث لا ملجأ ولا منقذ إلا الله الذين يدعوه بأن يأتي بالفرج.

الجزء الثاني عنوانه: في تاريخ آل سعود. وقد احتوى على متابعة تاريخية لغزوات الملك عبدالعزيز وأهله؛ حيث يذكر الشاعر في الحلقة الأولى في (البائية) التي وصل عدد أبياتها إلى 370 بيتاً نسبَ آل سعود - الدولة الأولى - ودعوة محمد بن عبدالوهاب، وهجرة عبدالعزيز الأولى، والهجرة الثانية ( العودة إلى الدرعية ) ثم إعلان الجهاد، وموقف المصريين والأتراك ،( حيث الحرب المصرية النجدية عام 1226- 1233 هجرية التي انتهت باستيلاء إبراهيم باشا على الدرعية وقام بإحراقها وهدمها وأخذ آل سعود وأرسلهم إلى أبيه بمصر ومنهم من أرسل إلى (الآستانة)؛ ثم ظهور تركي؛ وفيصل، ثم الملك عبدالعزيز واستعادة الإحساء؛ يقول الشاعر في هذه المناسبة:

وقد كانت الإحساءُ للظلم مرتعاً

من البدو والفوضى تئن وتصخبُ

بها دخل الأتراكُ كالضب غارهم

ولم يُغن عنهم فيه جيش مُدَرّبُ

ثم يعرج على الحرب العالمية وسقوط حائل؛ والموقف مع الشريف حسين (ملك الحجاز) يقول:

هناك قامت في الحجاز دعاية ٌ

تبث بستر الجنس والدين تحجبُ

يقوم بها بين الحطيم وزمزم

زعيمٌ إلى بيت النبوة يُنسبُ

وقد وقف الإسلام أحرجَ موقف

وكل عدو ضدهُ متألب ُ

ويصل الشاعر إلى وقعة (تربة) حيث ارسل الملك عبدالله (ملك الأردن فيما بعد) بجنود نظاميين وبادية كي يحتل الحجاز. لكنه هزم هزيمة نكراء؛ وكانت تلك الهزيمة مقدمة لاستيلاء الملك عبدالعزيز على الحجاز - كما يقول الشاعر. وفي هذه المناسبة يقول الشاعر:

فأرسل عبدالعزيز بالجيش غازياً

يحف به من قاذفي النار موكبُ

ليفتح أسوار الرياض وبعدها

إلى البحر تغريه الأماني فيطربُ

وما كاد أن يلقى بتربة أهلها

وقد كبّروا عند اللقاء وتأهبوا

فداخلهُ الرعبُ المخيفُ وجندهُ

تولوا على أدبارهم لم يعقبوا

فما اهتز حلمٌ أنت شامخُ طودهِ

بوقت به ذو الحلم لاشك يغضبُ

سكوتٌ أرابَ الناس حتى تساءلوا

وراحوا يظنون الظنون فاسهبوا

أيشمخُ مغلوبٌ ويهدأ غالبٌ

ويُصفح مظلومٌ ويُترك مذنبُ

ونلاحظ الحكم البليغة في البيت الأخير؛ وهو ما يذكرنا بأغنية لناظم الغزالي يقول ما معناه (أيضحك مأسور وتبكي طليقة ٌ)... وينهي الشاعر الملحمة بمؤتمر الكويت وفتح الحجاز عام 1434 هجرية.

الحلقة الثانية من تاريخ نجد رفعها الشاعر إلى الملك عبدالعزيز في رمضان 1348 بعد أن سوى الأخير كل الأمور مع الدويش وأرسلهم إلى الرياض. وهي ملحمة جميلة تروي الاختلافات والمواقع بين عبدالعزيز ومناوئيه؛ حيث يذكر المواقع التي تواجه فيها عبدالعزيز مع خصومه.

القصيدة السابعة في الحلقة تتناول خلاف الأخوان مع الملك. حيث عقدت جمعية عمومية من رؤساء القبائل وعرض الملك تنازله عن الملك إذا كان ذلك في صلاح المسلمين - كما يقول المحقق - ويستشهد بقول الشاعر واصفاً الجمعية العمومية عام 1928 ميلادية:

إياكَ نختار فاحم البيتَ والحرما

وخذ لنصرك منها العهدَ والقسما

وَلمّ شعثَ بني عدنان كلهم

ياباني الركن شَيّد فوقه الأطما

هذي النفائسُ بُخسٌ فيك مُثمنها

وذي النفوس فداء أن تسيل دما

ويتطرق الشاعر إلى بعض القبائل في قصائد متفرقة مثل العجمان وأل مقرن وغيرهم.

الجزء الثالث: مناسبات ومراسلات؛ ويتطرق فيها الشاعر إلى بعض الزعماء والبارزين من العرب من عبدالعزيز الثعالبي (الزعيم التونسي) وذلك في أمسية في النادي الأدبي بالبحرين عام 1925 ميلادية؛ يقول في مطلع القصيدة :

ماالاحتفالُ وإن تضاءل مُظهراً

إلا عواطف أُفرغت في قالب ِ

والله يعلم ما تكنُّ قلوبنا

لمقامك السامي العليّ الجانب ِ

يا أيها الأستاذ جئت مُنقباً

عما ليعربَ من طلول ومناقب ِ

لترى بقايا الفاتحين ونسلهم

وهل استطاعوا ردّ مجد ٍ ذاهب ِ

طبعاً نلاحظ هنا روح التأسي على حال الأمة حيث لم يستطع أبناؤها استرجاع أمجادها القديمة ولعل الشاعر يقصد هنا ضياع الأندلس، وخفوت صوت الأمة الإسلامية. ويسترسل الشاعر في ذكر حال العرب واستيلاء المستعمرين على مقدراتهم وكذلك الجهل المستشري في الأمة؛ ولا أعتقد أن حال العرب اليوم - بعد 80 عاماً - من وقت القصيدة قد اختلف كثيراً؛ هذا إن لم تراجع إلى الوراء !!؟

في ذات الفصل يرسل الشاعر رسائل طويلة (على هيئة قصائد) إلى كل من الأديب الكويتي عبداللطيف النصف؛ وعبدالله بن علي الزائد صاحب جريدة البحرين بمناسبة منعه من التجارة في البحرين بأمر من الإنجليز عام 1931 ميلادية؛ يقول الشاعر في هذه المناسبة :

إن شئت بالبحرين تصبحُ تاجراً

فاجعل بأولَ ماتبيع ضمائرا

واحمل بيمناك الأثيمة سِبحة ً

تُعمي بها للجاهلين بصائرا

فإذا أتوا تجرَّد و هَلِل دائماً

جهراً، وكن في سر ِنفسك فاجرا

وتلقهم بالابتسام مُرحباً

وإذا مضوا بالابتسامة ساخرا

واركع على قدم الرئاسة أولاً

ليُقبّل الباقون رأسك آخرا

ومتى ابتغيتَ أجلَ فخر ٍ يُبتغى

كن عن أبيك وعن أخيك مخابرا

- الدوحة hamsalkhafi@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة