مرت الثقافة السعودية بمراحل متعددة في تاريخها منذ بدايتها وحتى العام المنصرم 1428هـ تباينت ما بين مد وجزر، وتقييم الثقافة وطرح التساؤلات حولها من مهام كبار النقاد والمثقفين. وهي وسيلة للكشف عن التطور وأشكال التغيّر التي تعتري أي ثقافة، وبما أن الثقافة السعودية في العام الماضي كانت تضج بالحركة الدؤوبة ما بين أدب في أنواعه الرواية والشعر والمسرح.. أو في المجالس الثقافية والفكرية العامة والخاصة.. وكانت لنا وقفة في أول العام الجديد مع الأستاذ صالح زيَّاد الغامدي الناقد المعروف لنطرح تساؤلاتنا حول إنجازات العام المنصرم ورؤيته للمشهد الثقافي بوجه عام.
يؤكّد الدكتور صالح على أن ما يميّز الحركة الثقافية السعودية في العام المنصرم هو استمرار الإصدارات الروائية. واستشهد بعدد من الروايات أصدرت العام الماضي كرواية (جاهلية) لليلى الجهني التي تأتي بعد روايتها الأولى (الفردوس اليباب) بسنوات أتاحت للكاتبة قدراً من الاختمار والتريث والاستيعاب والعمق بما جعلها تتجاوز تجربتها الأولى وتلوح بالإصرار والتحدي تجاه المغالبة لعقبات الكتابة وتَعِد بما هو أجمل. وإلى جانب ليلى الجهني هناك العشرات من الكتّاب والكاتبات الذين نسمع بمعظمهم للمرة الأولى في ميدان الكتابة الروائية. وعن موضوعات الرواية الحديثة أشار إلى أن ما تطرحه الرواية في إصداراتها الأخيرة يمضي في الطريق نفسه من الإلحاح على قضية المرأة وحرية التعبير ومواجهة التغوّل الاجتماعي والمثالي، ومن ثم مواجهة الطهرانية والأحادية والشمولية بمزيد من التعرية والنقض والتفكيك. وليست قضية العنصرية والشوفينية بمستوياتها العديدة وأشكالها المقيتة إلا دائرة من دوائر الكشف المتعددة التي اضطلعت بها الرواية أو واصلت الاضطلاع بها. وبشأن الروايات المعتمدة على الجوانب الإثارية والفضائحية ألمح الدكتور صالح إلى أن سوق الرواية الرائج - ربما - ما زال يسهم في بروز عدد من الروايات التي تتخذ من الجسد والبذاءة والصراخ وأنها وسيلة إعلان عن الذات العاجزة عن مستويات الإبداع!
وحول الإصدارات الفكرية في العام الماضي فعدّد منها كتاب الدكتور سعد البازعي (المكون اليهودي في الحضارة الغربية) وبيّن أنه دراسة علمية معمقة، خارج المعتاد والسائد والنمطي، يتناول فيها فاعلية العقل اليهودي وتفوقه بتأثير الإثنية في سياق الاضطهاد والتضييق والمطاردة، على الإنتاج المعرفي والإيديولجي خصوصاً بالضدية للحواجز والفواصل التي عانى منها اليهود مثلما عانت وتعاني الأقليات والإثنيات البائسة في العالم.
كما تحدث عن الأندية الأدبية والملتقيات الثقافية من خلال الملتقيات الأدبية في جدة والرياض والمدينة والباحة والقصيم وغيرها، وأن ثمرة المجالس الجديدة في إرادتها أن تنهض بمناشط غير تقليدية. والأمر نفسه نلحظه في بعض الدوريات التي تجددت في العام الماضي مثل مجلة (دارين) الصادرة عن نادي الشرقية، و(قوافل) الصادرة عن نادي الرياض.
ويأمل الدكتور صالح بأن تواصل الساحة الثقافية حماستها، وحواريتها النقدية باتجاه الإضافة لا التكرار والاختلاف لا التشابه، وأن يفسح المجال لدور الجمعيات الفنية والأدبية والحقوقية الجديدة، لأن الدور المؤسسي تجاه الثقافة يجب أن يعمل باتجاه تأمين المناخ الصحي لها وأن يصونها عن كل ما يؤدي إلى شيوع ثقافة الملق والرياء والادعاء والسطحية.