في يوليو من العام 1997 كانت وفاة الفنان التشكيلي الرائد محمد موسى السليم، وهذا يعني أنه مرّ على وفاته أكثر من عشرة أعوام. والواقع كنت حضّرت لمادة عن هذا الفنان الكبير رغبة نشرها في يوليو الماضي لولا بعض الانشغالات التي ألهتني عن النشر في التوقيت المناسب.
توفي رحمه الله في إيطاليا، حيث درس ابتداء من 1969 في أكاديمية فلورنسا للفنون، وعاد ليؤسس إحدى أهم المؤسسات الفنية التي عُنيت بالفن، وهي دار الفنون السعودية، ومن ثم أنشأ الصالة العالمية للفنون التشكيلية.
ترك الفنان السليم تراثاً فنياً مهماً ومتميزاً؛ فهو منذ بداياته كان مولعاً بالمكان؛ لذا فإن جُل أعماله المبكرة حاكت مكانه الأولي، وهو عندما أقام معرضه الأول عام 1967 في الرياض كان أحد الأعمال المتبقية لمعرضه الاستعادي عام 1989 يمثل مدخل بلدته مرات بطبيعتها البكر، وهو عندما كان يرسم أعماله الأولى كانت النخلة ومزارعها من اهتماماته الكبيرة، فأحد مجايليه وأصدقائه الأديب سليمان الحماد كان يذكر أن السليم تعلق بالنخلة في العديد من أعماله الفنية.
أتذكر أن السليم أقام معرضاً بالألوان المائية لم تكن اللوحة فيه تخلو من مشهد لنخلة برية بجانب جمل أو خيمة، وهذا - كما بدا لي - استعادة لاهتمامات سابقة. لكن أعماله التي عاد بصيغتها من إيطاليا كانت أكثر بحثاً في الفني وفي استخلاص نتاجاته السابقة عندما رسم المشهد المحلي بنباتاته البرية أو صخوره أو مشاهد الخيام في صحراء ربيعية أو صحراء قاحلة، كانت الأعمال تمثل تحوله نحو أسلوبه الفني الذي سماه بالافاقية، وهو اتجاه استخلص عناصره ولخصها بما يتماشى وصيغة تحمل شخصيتها، وبالتالي شخصية الفنان التي أثرت قبل ذلك في عدد من الفنانين الذين عاشوا معه أو اطلعوا على أعماله خاصة في المنطقة الوسطى، بل إننا نجد أثر السليم باقياً في نتاجات بعضهم حتى الآن.
ولم تكن أعماله الحروفية إلا تواصلاً مع اتجاهه الافاقي، وهو يضمّن امتداداته حروفاً بعضها مقروء والبعض الآخر يتخذ هيئة عنصر مادي، وبالتالي كانت التجربة غنية بمعطياتها وأسلوبها، وحملت من الصحراء خصائص الزهد والبساطة وما تحمله من عطاء مادي، وكان الفنان يستشرف مستقبل هذا المكان.
حرص السليم على التواجد في أنشطة الساحة ابتداء برئاسته لجنة الفنون التشكيلية في الجمعية السعودية للثقافة والفنون ثم تأسيسه دار الفنون السعودية ومساهماته الكتابية في بعض الصحف المحلية، وكان فيها حاثا على العمل الجاد الذي يأخذ بالحركة إلى المصاف العربية والدولية، وهو عندما كان في أعوامه الأخيرة أو أشهره في إيطاليا، يبعث إلى بعض الفنانين والفنانات دعوات من بعض الجهات الفنية في فلورنسا للمشاركة في مسابقات أو معارض، وكانت استجابة البعض من الفنانين والفنانات، حتى أنه تم منح الفنانة التشكيلية شريفة السديري إحدى جوائز تلك المسابقة.
لم يكن السليم طيلة معرفتي به إلا كريماً ومبادراً زملاءه بالسؤال والتهنئة والتواصل، وعندما قامت جماعة أصدقاء الفن التشكيلي الخليجي كان أحد أعمدتها؛ فاستضاف معرض الأصدقاء بقاعته، ورافق الجماعة في معظم جولاتها، وكان أريحياً وإيجابياً ومعطاء، ولم تُثنه عن كثير من ذلك ظروفه المادية الصعبة؛ فكان يشارك ويوجِّه ويدعِّم كل ما هو إيجابي، ويسعى من خلال كتاباته إلى إصلاح بعض السلبيات في الحركة التشكيلية، وهذا ما أوجد له خصوماً في أكثر من جهة، وهو مع ذلك لم يربح من مثل هذه العلاقة؛ فكانت معظم تصميماته أو مجسماته لم تنفذ إلا عملاً نُصب لأعوام في ميدان أمام مطار الرياض القديم، ولم أعد أشاهده الآن.
الفنان السليم الذي توفي عن ثمانية وخمسين عاماً تقريباً قضى معظم هذا العمر في الفن دارساً وعاملاً ومشتغلاً.. وبقي أن نضع هذا الاسم في مكانته اللائقة مع الأسماء الرائدة التي كان لها السبق في تأسيس أحد الجوانب الثقافية المهمة في المملكة.
aalsoliman@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتبة«7177» ثم أرسلها إلى الكود 82244