Culture Magazine Monday  10/03/2008 G Issue 238
تشكيل
الأثنين 2 ,ربيع الاول 1429   العدد  238
 

من الحقيبة التشكيلية
يحلمون بأكاديمية للفنون الجميلة
المبدعون السعوديون لفتوا أنظار النقاد في المحافل التشكيلية العالميةإعداد: محمد المنيف

 

 

تشكِّل أكاديميات الفنون الجميلة منطلقاً هاماً في بناء جسد أي حركة تشكيلية في أي بلد في العالم.. وإذا عدنا لتاريخ الفنون لوجدنا أن لهذه الأكاديميات دوراً فاعلاً في تقديم أجيال من الفنانين مؤهلين على أعلى مستوى في مجال الفنون وفي مقدمتها الفنون التشكيلية.. ويمكن العودة إلى سيرة الفنانين العالميين المشاهير فسيجد الباحث أن غالبية تلك الأسماء نهلت من تلك الأكاديميات في بلدها كما في تجربة مصر الشقيقة وما أصبحت عليه فنونها من تطور ناتج عن قاعدة صلبة على مدى ما يزيد عن تسعة وأربعين عاماً حيث أسست الأكاديمية عام 1959م، كإحدى مؤسسات التعليم الجامعي المتخصصة في تدريس الفنون التعبيرية.. وقد كانت اختصاصات وأهداف أكاديمية الفنون، كل ما يتعلق بتعليم الفنون والبحوث العلمية فأسهمت في رقي الفكر والفن والقيم الإنسانية وقدمت خدمة كبيرة للارتقاء بحضارة المجتمع إضافة إلى رعايتها للتراث الوطني بجانب ما تبع ذلك من أكاديميات ومعاهد للفنون على طول خارطة الوطن العربي.

اجتهادات ناجحة

ومع أن التشكيليين يعتصرهم الألم حينما يرون أكاديميات الفنون الجميلة تنتشر في مختلف أقطارنا العربية وتفقدها ساحتهم، إلا أنهم حاولوا تجاوزوا هذا المنعطف وتلك الأزمة وأوجدوا لأنفسهم سبل الدخول في هذا المجال بناء على مواهب صادقة وحقيقية عند غالبيتهم، كما لا يمكن أن نخفي الحقيقة التي تشهدها الساحة التشكيلية من نشاط ونغض الطرف عن أن ما يُقدم فيها من أعمال اعتمد فيه كلياً على الاجتهادات واكتساب الخبرات عبر المشاهدة أكثر منها تخصصاً بالمفهوم الحقيقي عدا مجموعة قليلة تلقت تعليمها في معهد التربية الفنية من فنانين عرب رواد تشهد لهم الساحة العربية والعالمية أو من بعض من أُتيحت لهم فرصة الدراسة خارج الوطن أو ممن تلقوا تدريباً من فنانين عبر دورات خاصة داخل المملكة أو خارجها أو ممن التحق بأقسام التربية الفنية بجامعاتنا وكليات المعلمين.

تنوع وإصرار

افتقاد الساحة للأكاديميات أو المعاهد المتخصصة التي تُعتبر منطلقاً ومرتكزاً لصناعة الفنان أحدث تنوعاً غير مستقر وغير واضح الملامح في مستوى الأعمال فأصبحت الساحة تعج بالأسماء والأعمال إلا من القلة القليلة التي أصبح دورها فاعلاً من الجنسين شكَّلت مراحل نمو وتطور الساحة التي يمكن اعتبارها مصدر ثقة يعتمد عليهم في تمثيل الواقع الحقيقي للساحة.. منهم الكبار أصحاب البدايات ومنهم الشباب القادم بدماء جديدة، مع هذا التنوع الذي تضاعفت به أعداد التشكيليين في الساحة يراه البعض ظاهرة صحية يمكن أن يُستخلص منه الجيد ويهمش الضعيف، كما أنه يشكل قضية أمام الراصد والباحث عن طرف الخيط ليعرف البداية والنهاية والكيفية التي تواجدت بها هذه الأسماء.

الأكاديميون.. الغائبون

يتفق الجميع على أن انطلاقة الفن التشكيلي السعودي أتت بعد أن حققت الساحات المماثلة الكثير من التجارب والخطوات الطويلة في هذا المضمار منها على سبيل المثال الساحة الخليجية مع ما سبقها من حركات تشكيلية في دول رائدة مثل العراق ومصر وسوريا إضافة إلى ما تبع ذلك من دول المغرب العربي، من تلك الدول من أسس أكاديميات ومعاهد للفنون التشكيلية ومنها من ابتعث فنانين لدراسة الفن التشكيلي، بينما نجد أن غالبية البعثات في المملكة إن لم تكن كلها لا يتعدى تخصصها مجالات التربية الفنية وتاريخ الفن والآثار والديكور، وإن كان هناك أسماء تخصصت في الفنون الجميلة فهي قليلة جداً تتردد على الألسن لم نر منها إلا ما يُعد على أصابع اليد الواحدة.

هذا الفقر في أعداد المختصين أو المتخصصين أكاديمياً ونعني بهم خريجي أكاديميات الفنون الجميلة وافتقارنا أيضاً إلى المعاهد والأكاديميات المتخصصة أفقدنا أيضاً التجارب الحقيقية التي تمثلها الهوية أو الشخصية والأسلوب الذي يمكن لنا به أن نحدد مسار الساحة، كما أن الزملاء الأكاديميين في التربية الفنية لا يمثلون حقيقة الفنان الأكاديمي الذي تلقى تعليمه في أكاديميات الفنون الجميلة، وهذا ما أصبحنا نسمعه من الكثير من باب التمييز بين فنان وآخر ووضع المقارنة بهذا الوصف عند عرض الأعمال أو اختيار لجان التحكيم كان يُقال إن هذا الفنان أكاديمي مع أنه لا يعني الصفة الحقيقية للمتخصص في هذا الفن، فكل من بالساحة المحلية مشتركون في مصادر التعلم والتدريب واكتساب الخبرات كما أشرنا ونعني أنها اجتهادات شخصية دعمت بدورات أو خبرات فنانين أكاديميين حقيقيين.

تأثير التجارب

انعدام وجود المصدر الحقيقي أو النبع الصافي المأمون لإنبات أجيال متخصصة على حقيقتها وبمقوماتها السليمة دفع بمن في الساحة إلى اتباع تجارب عالمية وعربية ومحلية ابتدأت بالعالمية وكان عصر النهضة من أبرز ما اتبعه المجربون في الرسم ومنها إبداعات ليوناردو ديفنشي ورامبرانت ورفائلو وغيرهم ممن برزوا في دراسة الشكل والعنصر بشكل فوتوغرافي.. تلا ذلك مرحلة التأثر بالفنون المعاصرة لفان جوخ وغوغان مروراً بكل الأسماء وصولاً إلى بيكاسوا وبراك، كما لم تخل الساحة من التأثر بالتجارب العربية خصوصاً من تلقى التعليم بمعهد التربية الفنية فخرجوا بالكثير من ملامح الفن العراقي والفن المصري والسوداني إلى آخر المنظومة مع ما تبع ذلك من تأثُّر بتجارب أخرى أبرزها أعمال الحروفية التي تأثرت برواد هذا الفن على المستوى العربي منهم العراقي ضياء العزاوي والتونسي نجا مهداوي والمغربي فريد بلكاهية وبتجارب الفنان صلاح طاهر.. أما التجربة المحلية كان من أبرزها تجربة الراحلين الفنان محمد السليم وعبد الحليم رضوي التي نرى الكثير منها في أعمال بعض الفنانين خصوصاً أعمال الرضوي التي وجدت أرضاً خصبة في محيطها المنطقة الغربية، إضافة إلى الاتجاه الواقعي واستلهام البيئة والتراث كما نجدها في أعمال الفنان الرزيزاء وواقعية أبا حسين وصالح النقيدان فلكل من تلك الأعمال تلامذتها.

كما لا ننسى جانب النحت وما خلفه الفنان الراحل عبد الله لعبد اللطيف وما أُضيف له من تجديد من تلامذته، الطخيس، والدحيم، والرويضان، ومن أتى بعدهم من النحاتين من تشابه في الأداء.

تجاوز نحو المنافسة

مع هذا الكم الكبير من مصادر الفنون والكيفية التي تعاملت معها الساحة المحلية أوجدت خليطاً ومزيجاً لا يمكن استخلاص عناصره أو معرفة هويته إلا من بعض الأعمال التي نفذها فنانون على أعلى درجة من الثقافة والوعي بمعنى التأثر استطاعوا تفادي الوقوع في هاوية التبعية التي يعيشها معظم التشكيليين وبرزت مؤخراً في أعمال الشباب الذين نرى في أعمالهم استنساخاً لأعمال الغير أكثر منه تأثراً، بل تشويها أكثر منه تطويراً للسابق، هذه الفئة أو المجموعة هي ما يمكن أن نضعها دليلاً قاطعاً على أن الفنان التشكيلي السعودي يمتلك القدرة على المنافسة ويبحث عن البديل لتحقيق الغاية الأسمى، وهو التواجد في مختلف ساحات الثقافة والإبداع، وإذا كنا قد حققنا القليل من النجاحات التي لفتت أنظار النقاد العالميين والعرب وأثارت اندهاشهم فإن تلك الإبداعات لم تكن إلا نتاج البحث الجاد المدعم بالموهبة مع ما نطمع ونحلم به وهو إيجاد أكاديمية للفنون التشكيلية لترسم خط السير الصحيح للساحة ..إبداعاً تقنياً ودعماً بالنقاد.

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة