بعض الكلمات لا تترك لديك أثراً تقرؤها وتمضى وتراها مثل زائر عابر سرعان ما يختفي كل شيء بعده.. وبعض الكلمات تترك فيك أثراً عميقاً وتتساءل مع نفسك كيف بقي هذا ورحل ذاك.. ولا تجد الإجابة..
وإذا كانت الكتابة أنواعاً مختلفة في الشكل والتكوين بين الشعر والنثر والمسرح والصحافة فإنها أحياناً تختلط لتصنع مذاقاً خاصاً رغم إنها لا تنتمي إلى نوع من هذه الأنواع، إنها تحمل جواز سفر إلى كل القلوب دون تأشيرات أو هوية.. إنها مثل الأنواع النادرة من الفاكهة التي يختلط فيها نسب الأشجار..
وإذا كان الإنسان يشعر بالسعادة عندما يجد حديقة فيها الكثير من أنواع الشجر فإنه يكون أكثر سعادة عندما يجد شجرة وحيدة تتحدى الظروف والمناخ والبشر وتقف أمام العواصف والرياح..
وفي هذا الكتاب الذي تقدمه لنا مها بنت حليم في أولى تجاربها مع الكلمة ترى أمامك أكثر من صورة لأشياء مختلفة.. إنها الشجرة التي تتحدى الظروف والكلمة التي اتخذت من الغموض ستاراً ومن الرمز جداراً لعلها تبوح بأسرارها ومشاعرها حتى وإن أخفت منها الكثير.. ولأنها لا تستطيع أن تقول كل ما عندها بصراحة ووضوح فهي تتخفى كثيراً وراء سياج شديد الغموض شديد القسوة مع الذات ولكنه شديد الصدق مع نفسها ومع مناخ تعيش فيه.
وربما استطاعت في يوم من الأيام أن تكون أكثر قدرة على المواجهة لتقول كل ما عندها دون خوف أو حذر..
إنها بداية مشوار بدأ غامضاً تغلفه سحابات من الشجن والوحشة وربما طلعت الشمس يوماً وكشفت لنا عن أسرار عالمها المجهول دون حذر أو غموض..
نحن أمام نموذج من الكتابة الصادقة التي تحاول أن تتخفى وراء شرنقة من الغموض ومحارة من الرمز وتترك للقارئ حرية أن يفكر فيها كما يحب وكما يريد.. وما بين قلم ينشد الحرية ولا يجدها.. وقارئ يحاول أن يقرأ ما خلف السطور.. تتجسد الأزمة الحقيقية للإبداع..
