(1)

* كانت الكلمة (اقرأ) كتاباً.. يرسل نور الهداية، واليقين، والعلم، إلى العقل.. ويشذِّب الوجدان.

وكانت الكلمة (اقرأ): بناءً إنسانياً وروحياً، لشخصية (مواطن) هذه الجزيرة... لتمتد الكلمة، وتنشر ضوءها في كل العالم.. وتقف بالإنسان - كريماً - فوق قواعد راسخة، من: الحرية، والحق، والعدالة الاجتماعية، والحضارة، والتطور!!

وكانت الكلمة (اقرأ): سيفاً يُشرع في وجه الباطل والظلم، ويبتر الجهل والتخلف، ويقيم (الوحدة).. من أجل الأرض، والإنسان، ويقضي على الإرهاب!!

وكانت الكلمة (اقرأ): نخلة سموقاً.. طرحت بذور الشبع، ونشرت الفيء في الهجير... وكانت رمز (الثروة) الحقيقية - قيمة ومعنى - في جذور إنسان هذه الأرض.

وكانت الكلمة (اقرأ): ترشيداً لمعطيات (النفط) الذي فجر معه القدرة على التطور، والنماء، والرخاء.. وعلى إعزاز الإنسان بالعلم، عبر آلاف المدارس، والمعاهد، والجامعات، والمؤسسات العلمية والثقافية!

ورغم أن هذا (النفط) قد حوله (البعض) في خارج المملكة إلى (تهمة) لنا، وتكليف بواجبات تستتبع أخطاء الآخرين.. لكننا التزمنا بأبعاد كلمة (اقرأ): هدياً، ورجاحة، وحصافة، وإصراراً على المحبة!

وهكذا... تحولت الكلمة (اقرأ)، إلى قدرة إنسانية، فكرية، وروحية.. تبني حاضراً يزدهر بفعاليات التطور، والثقافة، والحضارة.. وترسخ في أعماق الأرض المعطاء، وفي وجدان الإنسان الملتزم: جذور التاريخ الطويل.. الحافل بالتراث، وبعراقة الوجه الحضاري المتواصل مع حقب التاريخ!!

***

* وتستلهم مؤسسة (الحرس الوطني) دورها في فعاليات التراث والثقافة.. بخدماتها المتعددة: العسكرية، والتعليمية، والتراثية، والثقافية.. لتقف هذه المؤسسة اليوم وهي تجسد ركائز هامة لهذا الدور.. ومنها:

* أنها مؤسسة تربط واجب الدفاع عن الأرض.. بمعنى الدفاع عن التراث، والثقافة.. شموخاً بقامة الوطن الصاعدة من عمق التاريخ، وتلاحماً مع الحقب التاريخية التي شهدتها هذه الجزيرة العربية، منذ أن كانت صحراء عطشى، حتى روتها، وأرغدتها تلك الكلمة الفتح.. المنادية: (اقرأ)!!

(2)

* ويأتي مهرجان (الجنادرية): في مثل هذا الوقت من كل عام، لينشر إضاءة تشمل كل تلك القيم، وكل ذلك التراث الأصيل.

وتأتي مؤسسة (الحرس الوطني): بهذا المهرجان.. كأنها تحتفل بكل الإنجازات الكبيرة التي حققتها (المملكة العربية السعودية) في مجالات: التطور، والتنمية، والرخاء!

وليكون هذا المهرجان السنوي: إضاءة لعصر صار يفخر بتعدد مراكز العلم، والتقدم، والجامعات والنهضة على هذه الأرض... وهو العصر الذي يواجه - في نفس الوقت - تحديات أعداء متآمرين، ومتحدين في أحقادهم، ضد: الدين، والحرية، والإنسان!

إنه هذا العصر الذي يحضُّ على: التسابق، والانطلاق، والركض الجنوني أيضاً!

وهذا الإيقاع الذي يتصف به عصرنا.. جعلنا نقف في وسطه، ونحن أكثر إصراراً على: البناء والتشييد، ونحن ندافع ونصد ونواجه مخططات أعداء يستهدفون: طمس تاريخنا، ومحو تراثنا، وسلب معطيات منجزاتنا!!

ولاشك أن (الحرس الوطني) في هذا الوطن: مؤسسة شامخة، تمثل نجاح تجربة رائدة اضطلع ببنائها من سنوات طويلة: قائد هذه الأمة الملك (عبدالله بن عبدالعزيز).

بل إن هذا النجاح الذي حققته مسيرة (الحرس الوطني): يعكس قدرة الإصرار على بناء درع مساعد للجيش، للحفاظ على المقدسات، والأرض.. ولرعاية ومواكبة خطوات التنمية فوق أرض خيرة.

ولم تكتف مؤسسة (الحرس الوطني) بأن يكون دورها محصوراً في فعل ومهام المؤسسة العسكرية فحسب... بل انطلقت إلى هذا الدور الأشمل الذي يستشرف خدمة (الإنسان) فوق هذه الأرض... وذلك: بإقامة العديد من المستشفيات الحديثة، المجهزة... وتكثيف أعداد المكتبات لمنسوبيها، ولمن يحب الاطلاع والمعرفة... والاهتمام بنشر الثقافة الدينية، والتاريخية، والمشاركة في برامج علمية وثقافية مع الجامعات، والمعاهد.

ولابد أن هذا المهرجان السنوي: التراثي الثقافي.. يستنهض أبعاد كلمة: (اقرأ) من فعالياته.. وذلك بالتركيز على الجذور التراثية، ونثر عبق الأجداد الذين بنوا قواعد الحياة بالإيمان: عقيدة.. وبالكفاح: فروسية.. وبالكلمة (اقرأ): علماً، ومعرفة، وفنوناً، وإبداعاً!!

(3)

* إننا في عصر (الحاسب الآلي)، ومراكز الأبحاث العلمية، ومحطات الأقمار الصناعية، والجامعات العديدة، والمشروعات التنموية... ولابد لنا - في هذا الازدحام العقلي - أن نتلفَّت إلى أصولنا، وتراثنا، وجذورنا! ولابد أن نطلع (بالقصيدة)... مثلما ينبثق الدم الزكي، في سبيل العقيدة، والحق، والأرض، والحرية!

لا ينبغي أبداً أن يحدث (الانفصام) بين التراث، وثقافة العصر، وعلومه.

ولا ينبغي أن يحدث (التناقض) بين فعل النضال الوطني، والدفاع عن كل المكتسبات، وعن الدين، وعن البقاء!

إن (التراث): هو التثبيت الدائم لإيجابية (الانتماء)!

إن (التراث): هو رائحة الأرض، وعبق الوطن الذي يضمخ مشاعرنا، وحياتنا.. لندافع عن ذلك كله، ونحافظ عليه!

وبهذا المهرجان السنوي في (الجنادرية)... استطاعت مؤسسة (الحرس الوطني) أن تشرع السيف والقلم: متساويين.. وذلك بحفاوتها بالتراث، وحفاظها على مكتسبات موروثة، محفورة في أعماق الوجدان والعقل.

لقد بنَتْ نموذج (القرية) بواقعية السلوك الطبيعي لمجتمع الجزيرة العربية: الأصل، والأصيل، لاستنهاض التاريخ، ولمواكبة قفزات التقدم بالعلم، وبالكلمة (اقرأ)، وبالتقنية!!

وإذن... فإن القاعدة الأساسية لحياة شعب، يتطلع دائماً إلى التطور والبناء... لابد أن تحفل بإرساء (التنمية الثقافية) فوق أرضها، وفي عقل ووجدان إنسانها. وهذه (الاحتفالات) التي يشهدها قلب الجزيرة العربية النابض: السموُّ فيها مستمد من قيمة القاعدة العلمية، الحضارية، الثقافية!

إن (القيمة) لها.. ممنوحة من التمسك بروح التشريع الإسلامي، الذي يكفل العدالة، ويرسخ انتصارات الحق على الباطل، ويبني الغد.. بركائز التنمية الشاملة، في نشاطات الحياة المتعددة.

* ولقد شهد هذا القلب النابض للجزيرة العربية: مهرجانات دلت على ثبات أقدام هذه المسيرة التنموية، الأمنية، الحضارية.. التي عكست - بدورها المميز - أصالة أمة، تجذَّرت في الحضارة، ونهلت من تراثها العريق، وتمسكت بقيمها.

وتعتز المملكة أيضاً بمهرجان (مؤسسة الملك فيصل الخيرية) السنوي، لتكريم العلم، وتشجيع العلماء!

ونجحت هذه المؤسسة - أيضاً - في أهدافها التي حققت بها: إنشاء مراكز البحث العلمي، وتوفير الخبرات الفنية، وتقديم المنح للباحثين والدارسين في العلوم المتعددة، وإنشاء المستشفيات، والمصحات، ودور العلاج، والرعاية، والتأهيل، وإنشاء المساجد، والمدارس، والمراكز الإسلامية.

* وكانت هناك (جائزة الدولة التقديرية) التي أمر بإنشائها (خادم الحرمين الشريفين الملك فهد) رحمه الله، لتمنح كل عام لثلاثة من الرواد الذين أغنوا العقول بمعارفهم، وأفنوا حياتهم في سبيل الكلمة (اقرأ)، ونسجوا من إبداعاتهم عوالم جميلة!

ونتمنى - بهذه المناسبة - أن ينبعث عطاء هذه (الجائزة) مجدداً، وأن لا يطول أمد تجميد هذا العطاء... لأن فيه لمسة العرفان والوفاء لعقل الإنسان: العالم، والمثقف، والأديب، والمبدع!!

ولاشك.. أن مثل هذه المهرجانات، والجوائز، يأتي منسجماً مع المقولة المعروفة:

* إذا أردت أن تعرف مضمون أمة.. فابعث الروح في كلمتها، وفي عمر تراثها!!

(4)

* لقد قامت فكرة (مهرجان الجنادرية) الذي ترعاه وتعدُّ له، وتنظِّمه: مؤسسة عسكرية اهتمت بعقل الإنسان، وبتشذيب وجدانه، وبتعميق انتمائه بجذوره، وهي مؤسسة (الحرس الوطني) التي يرأسها قائد هذه الأمة الملك (عبدالله بن عبدالعزيز).

ومن أهداف نشاطات (الجنادرية) تقوم على هذه المحاور:

* إبراز أوجه التراث الشعبي التي تضم: الصناعات اليدوية، والحرف المعروفة بها كل منطقة من مناطق المملكة، والسوق الشعبي... وقد ركز المهرجان في عرضه لنماذج الصناعات اليدوية على عمل: الفخار، والجلود، وصناعة المعدن أو المعادن من كنوز وثروة الأرض المعطاءة.

* يمتاز المهرجان - أيضاً - بالتفاتة غير عادية إلى النشاط المسرحي، حيث يعرض المهرجان مسرحيات، وحفل منوعات في الختام.

* يقدم المهرجان: معرضاً للكتاب، وإصدارات جديدة، وأمسيات شعرية، ومسابقة في قراءة وتجويد القرآن الكريم، ومعرضاً للوثائق والصور.

* يعتني المهرجان (بالطفل)، فينظم: مسابقات للأطفال المميزين في الفن التشكيلي، وإقامة مرسم للأطفال، والعديد من الجوائز.

* تعميم فكرة (القرية النموذج) لكل منطقة من مناطق المملكة، وهي الفكرة التي بدأها ونفذها في عام 1413 هـ الأمير (خالد الفيصل) أمير منطقة عسير، وقال يومها عبارته الجميلة:

- (من الممكن أن تكون الجنادرية وعاء دائماً ومستمراً لتراث المملكة، فتعكس تراثها العظيم بشكل دائم، وهي قادرة على القيام بمثل هذا الدور للمساهمة في الوحدة الوطنية الثقافية، وإيضاح قيمة تراثنا وتقديمه للآخرين).

* وإذا أردنا استثمار هذه الفكرة - إعلامياً - وربط الإنسان السعودي بتراثه بكل ألوانه.. فإن الدعوة إلى إبقاء هذه النماذج التي تتشكل منها فعاليات مهرجان الجنادرية كل عام: قائمة طوال العام، من المهرجان إلى المهرجان.