حينما تؤول بنا الحياة صوب نهايتها، وتشرع سيمفونية الوداع في عزف مقطوعتها الأخيرة بشكل منفرد، سندشن - بلا ريب - معركة حاسمة ومدوية مع الرداءة التي اكتنفت حياتنا، وكانت ديباجة بارزة سطرت صفحاتها طيلة أعمارنا. آنذاك، لن نفكر في أمر سوى مشاريعنا الإنسانية التي ما برحنا نرجئها بلا بصيرة أو تدبر. وسيتجلى نصب أعيننا أن مفردة ضئيلة، ولكن مريرة، هي (يا للأسف)، سيتردد صداها مرارا وتكرارا بين جنباتنا. وهذا تحديدا ما يكشفه القرآن الكريم بكل جلاء في غير موضع بين ثناياه. ويسعني أن أحدس أمراً ما. ألا وهو أن أفدح الحصص نصيباً من الندم سيكون على صعيد علاقاتنا وجوانبنا الإنسانية. ولا غرو، فسوف تنفضّ عنا سائر الأجندات الذاتية المهترئة الخرقاء والمنتنة التي تحالفنا وإياها ضد الجمال والأخلاق والبذل. وفي كل هذا، فإن مشاعر الندم في تينك اللحظات الحاسمة والعصيبة والنهائية من الحياة، حيث لن يجدينا صنع أي أمر، ستلوكنا بلا هوادة، وستكون خاتمة وخيمة ومؤسفة لا محالة. ولذا فمن الأجدى لنا أن نهرع لفورنا إلى ترتيب أوراق إنسانيتنا، وإعادة النظر في الفلسفة التي نعتنقها إزاء الناس والحياة وسائر الكائنات، حيث يتوجب أن تكتنفنا روح زكية من الحب والسمو والشهامة.
إن الذين ينبثقون في تعاطيهم مع الأشياء والدنيا بحذافيرها من حولهم، متكئين في كل ذلك على الإنسانية النبيلة، ونكران الذات، ومشيئة الخير للآخرين، فمن المحتم أن تكون أدنى مكاسبهم الجديرة والمغبطة هي الانعتاق من وخزات الحسرة إبان استفاقة الضمائر على فراش الرحيل.
إنه لمن المؤسف بمكان، أن تكتسحنا الأنانية وحسابات المصلحة، فتعطب ضمائرنا، وتصمها بالاضطراب والتقهقر. الأمر الذي من شأنه أن يحملنا على الغفلة عن هذه القيم المجدية الفاخرة. إن الحياة أسرع بمراحل مما نخمن. وهي أقصر بكثير من أن نبددها في أي أمر عدا الاستمتاع المباح بها حد الثمالة. وبمقدوري أن أؤكد أن هذا هو الأمر الوحيد الذي لن نندم بشأنه يوما ما على الإطلاق.
- الرياض
TS1428@Hotmail.com