رواية (بكاء الرجال) للطيفة الزهير تشير في الذات حب افضول، إذ يدخل القارئ مباشرة إلى عوالمها من خلال حادث مروري أليم لرجل وامرأة يخلفان شاباً يافعاً، وطفلة صغيرة، وعليه - أي القارئ - أن يستقصي احتمالات الحزن الذي قد يُبكي الرجال والنساء إلا أن الذهنية الواقعية قد تتجاوز آلام الصدمة الاولى لتحاول الولوج إلى مضامين الفقد المحتملة لقصة كهذه حيث تنغرز الاسئلة في خاصرة الحقيقة عن السيناريو المحتمل لعبدالله وآمال وهما البطلان المرشحان لخوض هذه المواجهة الحياتية بعد رحيل والديهما.
في المشهد الأول من هذه الرواية تدخلنا الكاتبة لطيفة الزهير إلى عوالم الحزن الواقعي، حيث تعطي القارئ تصوراً عاماً لحكاية عبدالله واخته التي تتسم بحالة من الفقد والغربة وضياع خصلة الابوة والامومة حيث فرق الموت بينهم.
في الرواية تعيد الكاتبة رسم تفاصيل الحياة الجديدة لعبدالله وآمال، إذ نراها وقد اسهبت في شرح تفاصيل علاقة (آمال) مع أبناء خالها إلا أن هذه العلاقة التي يشوبها الكثير من التعكير قد تنمّي هاجس القلق على مآل حياتهما.
الرواية تعتمد أسلوب الحوارية المباشرة في وقت تغيب عن مشهد الاحداث اللغة الادبية التي تنحت من اللغة فضاءات ابداعية، وصور جمالية تخرجنا من أرض الحزن الوعرة إلى سهول تنبت احتمالات فأل قد تعيد ولع الانسان برؤية ما يبهج، لكنه قد ينصت لشكاية ما، وقد ينظر إلى مشهد حزين إلا أنه يظل في توق عارم إلى أن يرى كل ما يبهج ماثلاً أمامه بشكل مفاجئ.
تصر الكاتبة لطيفة على أن تستدعي كل مفردات الاستقصاء لأي حدث تتعرض له شخصية (آمال) إذ هي الموكلة فيما يبدو بأمر حزنها، وشؤون لواعجها الانسانية المختلفة عما سواها.
فالاستقصاء هنا مرده أن (لطيفة) معنية في حَبْكِ هذه الحكاية الأسرية، لكي تصبح ذات هم عام نتقاطع به معها، وهذا ما تريده الكاتبة بالفعل، حيث تسرف في وصف معاناة الشخوص الآخرين حول (آمال وعبدالله) على نحو ما عرضته عن ناصر وليلى وسمر وغيرهم، ممن يتفاعلون من قضية السرد الذي ينشغل في تفاصيل الحكاية تلو الحكاية رغبة في تجسيد حالة الالتقاء الممكن بين مشاعر الجميع، حيث تجمعهم حالة الفقد التي سيطرت على فضاء حكايتهم التي اندمجت بعضها ببعض.
تستمد الكاتبة طاقتها الحكائية من حجم المفارقات التي تحدث نتيجة لاختلاط الرؤى، وتنافس المشاعر، حيث توالت الاحداث الجانبية في الرواية لتصنع من هذه السيرة ألقاً حوارياً مباشراً يتفاعل معه جميع الشخوص ليرسموا للقراء لوحة أخرى من لوحات الألم الانساني. كما تصف الكاتبة أحوال شخوصها بأنهم لا يزالون في مسيرة بحث دائب عن ذواتهم، ولاسيما انهم من جيل يافع غيّب الموت الآباء والامهات ليصبحوا امام المفاوز مجهدين لفرط لواعجهم، وبحثهم عن دفء علاقات أسرية مميزة.
يلاحظ على الكاتبة لطيفة الزهير أنها غيبت شخصيتي (عبدالله وآمال) لتفسح المجال أمام أصدقائهما ليعبّروا عن وجودهم في هذا المشهد الانساني العام، فهو مستَدرك نقدي وجيه - على ما نعتقد - نحو تحجيمها لادوار (عبدالله) و(آمال) حيث استهلت الرواية بوعود حكائية عنهما، لكنها سرعان ما منحت الفرصة لشخوص آخرين على نحو (ليلى) و(سالم) إذ بلغت ذروة الصعود النسقي للحكاية غايتها حينما أفصحت ليلى عن خوف محتمل لمآل قصة زواج (سمر) إلى رجل خمسيني قد لا يقدّر أنوثتها ويفاعتها، وهو ما أصبح حالة تنوير أخرى في الرواية التي جاءت على هيئة لوحات حكائية.
معضلات المجتمع، وقصص الأسر هي الحاضرة في ثنايا هذه الرواية التي كان من المفترض ان تستخلص لنا الكاتبة نبذة عنها، لتنصرف إلى (تدوير النص) أي جعله معلماً في التفاصيل من أولها إلى آخرها بدلاً من هذا التراخي المكاني الذي تتداعى فيه كل قصة على الأخرى.. حيث يلمس القارئ ودون عناء أن الشخصية المفترضة هي لعبدالله، وآمال إلا أنهما غابا عن أحداث كثيرة.
الكاتبة لطيفة الزهير وضعت نصب عينيها نقد الواقع الاجتماعي المتمثل في قضايا الزواج والطلاق، وعلاقات الاسر لدينا بعضها ببعض كما لتوفق حقيقة في رسم هذه اللوحات الحكائية المعبرة عن مجتمعنا الذي يجبن دائماً عن استعراض مثل هذه القضايا..
يبقى أن نشير إلى أن الكاتبة حديثة عهد في مشروعها السردي آملين أن تكون الأعمال القادمة أكثر تخصصاً في كتابة الفن الروائي الذي يشترط في تميزه أن يكون مبتعداً قدر الإمكان عن فضاء الحكاية التي يلزمها أن يكون حضورها في الرواية مقنناً، لنعطي لعناصر البناء الفني الروائي دورة في العمل على نحو:
- اللغة.
- الحيز الزماني المقتضب.
- الحيز المكاني المناسب.
- الحدث الرئيس الذي تدور عليه مفاصل الرواية.
رواية (بكاء الرجال) وقعت في أحابيل الحكاية فكان حري بها أن تسلط الضوء على أبرز معالم الهم الانساني من خلال استنباط أكبر الصور وأعمقها لتدور مفصلات الاحداث عليها.
أملنا في عمل روائي جديد للكاتبة لطيفة الزهير لعلنا نصبح أكثر تفاعلاً مع الرواية في محتواها الفني الذي لا يبتعد كثيراً عما نريده من حضور للغة السرد، وخطاب الحدث المتنامي في ذاكرة الراوي، فلن تعوز الكاتبة الهمة القوية لعمل جديد ومشرق يضاف إلى هذا العمل الجديد.
***
إشارة:
* بكاء الرجال (رواية).
* لطيفة عبدالعزيز الزهير.
* الرياض 1427هـ - 2006م
* تقع الرواية في (254 صفحة) من القطع العادي.
لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244