عندما أدخلوه إلى مائدة السلطان بدأ طفلاً مختلفاً، ولعله نفسه كان سيعجب كثيراً لو أن هنالك مرايا في غرفة الطعام يرى من خلالها شكله الجديد بثيابه المزركشة والمطرزة بالحرير وذلك الحذاء القطني الذي يشعره بأنه يطير ولا يمشي..
بدت المائدة كبيرة جداً وممتلئة بأطعمة غريبة وعجيبة لم يرها في حياته البائسة والشقية، فيما يجلس السلطان في أحد جوانبها وجارية حسناء منشغلة بتدليك أكتافه ورقبته..
أشار له بالجلوس قائلاً:
- تفضّل تبدو جائعاً جداً.
حار الصبي أمام تنوّع الأطعمة والفواكه لكن منظر فاكهة صفراء موضوعة في سلة مزخرفة أثاره كثيراً، فرغم أنه لا يعرف الكثير من هذه الأطعمة إلا أنه بقي ينظر بين فترة وأخرى لتلك الأصابع الصفراء الصغيرة التي تشكِّل عنقوداً جميلاً.
انشغل الولد بالتهام الطعام فهو لم يتناول شيئاً منذ أن التقطه حراس السلطان قائلين له:
- مولانا يريدك.
سأله السلطان بعد ذلك عن اسمه فقال:
- عنيد
- واسم والدك
- لا أعرفه.
- واسم أمك
- لا أعرفها
قرَّر السلطان يومها أن يأخذ الطفل إلى قصره.. ويعتني به..
وها هو يتناول طعامه الأول بشراهة عالية على مائدة السلطان الذي يبدو مسترخياً ليد الجارية الحسناء.
- ما اسم هذه الفاكهة؟
سأل الطفل السلطان بجراءة غريبة.
- أصابع حليمة
قال السلطان ذلك وهو يضغط على أصابع الجارية بخبث، بعد ذلك طلب من الجميع ضاحكاً أن لا يذكروا الموز أمام الولد إلا بأصابع حليمة..
سنوات ليست قصيرة مرت منذ ذلك اليوم كبر خلالها الطفل وأصبح ضابطاً يقود فرقة الحماية الخاصة بالقصر، ولعل هذا ما دفعه لقيادة الانقلاب العنيف على السلطان وحكومته معلناً حالة الطوارئ في البلاد ومعيِّناً نفسه حاكماً عسكرياً..
وعندما تناول المؤرخون تاريخ ذلك البلد الدموي أثناء الحكم العسكري في عهد الزعيم عنيد.. تحدثوا أيضاً عن أمر شديد الطرافة كما وصفوه فهذا البلد هو البلد الوحيد الذي يسمى فيه الموز باسم غريب هو أصابع حليمة.