يتحدث الناس هذه الأيام من أحياء سوق عكاظ ولقد عني الباحثون والمؤرخون بالبحث عن سوق عكاظ لأنه من الأماكن التي لها دلالات، حيث تناوله بالبحث والتحديد علماء أعلام من أمثال الأصفهاني وابن عبد ربه والأصعمي والواقدي وأبو عبيدة والهمداني وابن حجر وابن إسحاق والأزرقي والفيروزا بادي وابن الأثير والألوسي ومن المحدثين عبدالوهاب عزام وشكيب أرسلان وحمد الجاسر ومحمد بن بليهد وعبدالله بن خميس وعبدالله الشايع وعلي حافظ وعاتق البلادي وناصر الرشيد وفهد المعطاني وخليل المعيقل ومحمد بن موسم المفرجي وغيرهم، فمنهم من يقول إنه بين مكة والطائف وهو للطائف أقرب وأخرون يرون أنه بين نخلة والطائف.
وكنا ونحن طلاب في دار التوحيد في عام 1371هـ نذهب في نزهة مع أساتذتنا إلى موقعه إذ يبعد عن الطائف بعشرة أميال فقد كان ميدانا للقتال وسوقاً للتجارة ومجالاً للشعر والأدب وملتقى لجميع الطبقات، وكنا نردد ما يقال فيه من شعر كقول خداش بن زهير:
فقدتكم ولحظكم إلينا
ببطن عكاظ كالإبل الفداد
ضربناهم ببطن عكاظ حتى
تولوا طالعين من النجاد
وقصيدة الرداعي وهي طويلة ومنها:
سل الهوى عن قلبك المغتاظ
والعيس تطوي الأرض بالمضاظ
مشفقة من زاجر كظاظ
مسهلة في الخبت من عكاظ
وغير ذلك من القصائد ولقد بدأ سوق عكاظ عام 540 قبل الميلاد وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سوق عكاظ وتردد اسمه في كتب الأدب والتاريخ ومعاجم البلدان، فهو عنوان من تاريخنا وعلم من أعلام آثارنا وتراثنا ولقد حظي بما يستحقه من التحقيق والبحث والدراسة والمساجلة بين المؤرخين والباحثين وعسى أن تحظى الأماكن الأثرية الأخرى بالاهتمام من قبل المهتمين بالآثار والتاريخ وآخر ما أطلعت عليه هذه الأيام كتاب (عكاظ الأثر المعروف سماعاً والمجهول مكاناً) للأستاذ عبدالله بن محمد الشايع حيث تناول فيه بالتحقيق والدراسة سوق عكاظ.
ويقول الأستاذ الشايع مما حير الباحثين وأوجد بينهم الخلاف في تحديد سوق عكاظ أنهم فهموا أن جميع النصوص الواردة عن عكاظ تتكلم عن موضوع واحد وهو السوق مما جعل بعضهم يغفل قسماً من هذه النصوص والبعض الآخر صنفها إلى مجموعات وراح يوفق بينها ثم أشار إلى تحديد موضوع سوق عكاظ، ولقد تناول ما ذكره المؤرخون وعلماء البلدان عن عكاظ وقام بالتعليق والمناقشة لآراء القائلين بوجوده شمال شرق الطائف واستعرض الرحلات الميدانية للسوق وما ورد من نصوص بشأن أرض عكاظ القرية ذات النخل وموقع الطائف قديماً كما اشتمل الكتاب على فهرس للخرائط والصور والأماكن ويقع في (198) صفحة وهو إضافة جديدة لهذا الموضوع الذي شغل الباحثين فللأستاذ الشايع الشكر على إخراج هذا الأثر القيم وسيكون من المراجع عن هذا السوق العلم التاريخي الحافل بالذكر والمجد والتاريخ حيث كان شعراء والعرب يلتقون فيه وتتلاقح فيه الآراء والأحكام النقدية وكان الشاعر النابغة الذبياني أحد المحكمين في تقويم الإنتاج وقصائد الشعراء.