الحمد لله القائل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله. أما بعد: ففي يوم الثلاثاء الموافق 16-12-1446هـ.
انتقل إلى رحمة الله الرجل البار والكريم الواصل لذي رحمه، الصادق في حديثه والوفي مع أصدقائه المبادر لكل خير. نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا، الأستاذ الفاضل الكريم عثمان بن عبدالله بن إبراهيم أباحسين.
فقد فجعنا كما فجع أهله وأحبابه ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. فالموت بلا شك نهاية كل حي والدنيا دار ممر والآخرة هي المقر.. وقد كانت جنازته مشهودة فقد صلي عليه عصراً في جامع المهيني بالرياض واكتظ الجامع بالمعزين والمصلين والمقبرة كذلك وفي جميع أيام العزاء. وقد عادت بي الذكريات واستعدت جزءاً منها لا سيما علاقة أبي ماجد بوالدي سلمان بن ردن البداح المتوفي 13-11-1442هـ رحمهم الله جميعاً.
فقد كانت علاقة قوية متأصلة يجمعهم الحب النقي والوفاء والصدق. فأسرة أباحسين عموماً لهم منزلةٌ خاصةٌ عند أسرة البداح. وخصوصا الأخوين الكريمين أبا خالد أ. عبدالرحمن أباحسين متعة الله بالصحة والعافية. وفقيدنا أبا ماجد رحمه الله رحمة واسعة، وأبنائهم الأوفياء وعلاقتهما بوالدي امتدت أكثر من 30 سنة.
فمما أذكر بعد انتقال الوالد للعمل مديراً لتعليم البنات في المجمعة عام 1412هـ استأجر منزلاً بجوار منزل أباحسين وكنا نصلي بنفس المسجد فكانوا نعم الجيران متواصلين مع الجميع ومجلسهم مقصد للجميع مفتوح ليلياً يجتمع فيه أصدقاؤهم وأحبابهم فهو مجلس كرم وعلم وأدب وكان الوالد رحمه الله من رواده ويأنس بمجلسهم ولو انقطع يوماً أو يومين لأي ظرف فلابد أن يتصلوا ويسألوا ويتطمنوا.
ففي مجلسهم ترى الكرم غير المتكلف والأريحية والترحاب والاحترام.
يحدثني أحد الرجال الفضلاء من أهل المزاحمية وهو أبو ناصر الشهيل يقول: أتيت للمجمعة بعد تعيين ابنتي بالمجمعة وليس لي علاقات تذكر فيها إلا أنني وبالصدفة صليت في أحد المساجد وبعد الصلاة التفت علي أحد الجماعة حيث أحس أنني من خارج البلد وقال: أقلط قلت: إن شاء الله. ولم أسأل أين؟ حياءً!، يقول خرجت بالسيارة أبحث عن صاحبي فإذا أمامي بيت قريب من المسجد بابه مُشرع فإذا بصاحبنا الذي رأيته بالمسجد واقف ينتظرني وبعدها أصبحت من رواد هذا المجلس مما يسر علي قضاء بعض الأوقات حتى انتقال ابنتي وما زالت العلاقة مستمرة معهم، وغيره كثير.
إن فقيدنا أبا ماجد يعتبر رمزاً من رموز الكرم وعلماً من أعلام المجمعة يشهد له الجميع بالكرم وخدمة الناس والسعي في حوائجهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أنفعهم للناس).
لديه اطلاع في التاريخ وإلمام كبير وثقافة واسعة ومعرفة، وصاحب قراءة واطلاع.
عمل مديراً لبنك التسليف بالمجمعة فترة طويلة خدم فيها الناس ويسر أمور المراجعين ممن هم بحاجة إما لقرض زواج أو ترميم أو أسره أو غير ذلك، ممن هم في أمس الحاجة.
فكان يخدم المراجع سواء يعرفه أو لا يعرفه من منطلق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل، سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهرا...).
ومن وفائهم ألا تمر مناسبة زواج أو تخرج أو غير ذلك إلا ويتم دعوة والدي، والوالد رحمه الله يبادلهم نفس الشعور ففي أي مناسبة سواء أيام كنا بالمجمعة أو بالزلفي إلا ويكون أباحسين في مقدمة الحضور.. بل في أيام مرض الوالد رحمه الله لم تنقطع زياراتهم واتصالاتهم فكانوا يزورون الوالد بالزلفي يطمئنون على صحته وهو يفرح جدا لزيارتهم. بل إن الوالد في مرضه رحمه الله كان يزور أبا ماجد بعد إصابته بعارض صحي فكان كل منهما يتابع حالة الآخر.
ويذكر أحد أبناء عثمان أباحسين يقول: أبي تأثر تأثرا بالغاً وشديداً لوفاة والدكم رحمهم الله جميعا.. وكان دائما يذكره ويعدد مآثره وعلاقتهم الصادقة بل إن أبا ماجد قال لي مرة: لا يمكن أن يغيب أبوبندر عن بالي فوالدكم من الأشخاص الذين لا يمكن أن أنساهم.. وفي أيام عزاء الوالد رحمه الله رغم ظروفه الصحية وبالرغم من تعزيته ومتابعته الهاتفية إلا أنه حضر مع أبنائه البررة وقال: (لم يطب لي بال إلا أن أحضر)..
والأمر كما قال الشاعر:
إذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
وبعد وفاة الوالد كان دائم التواصل والسؤال. هذا غيض من فيض وهذ ه النماذج من الصداقات الصادقة المليئة بالوفاء والمحبة لا شك منبعها مروءات متأصلة. عزاؤنا لزوجته الوفية أم ماجد وأخوته ولأبنائه وبناته ومحبيه وأسرة آل أباحسين.. ونسأل الله أن يسكنه منازل الأبرار وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدّم، وأن يجعل الخير والبركة في ذريته. كما أسأل الله أن يجمعهم في الفردوس بوالديهم وأحبابهم والمسلمين.
** **
محمد بن سلمان بن ردن البداح - الزلفي