«الجزيرة» - الرباط:
افتتح رسمياً كرسي تحالف الحضارات، كأول كرسي في العالم ينشئه تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، ويترأسه معالي الدكتور عبدالحق عزوزي، وهو عضو مؤسس وعضو مجلس إدارة الجامعة «الأورومتوسطية»، ومن كبار المفكرين والكتاب العرب.
وتضمن حفل الافتتاح الذي شهد حضور 1800 شخص عدداً من الكلمات لكل من معالي مستشار جلالة الملك محمد السادس أندري أزولاي، ومعالي الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة أنجيل موراتينوس، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبي السيد جوزيف بوريل، ورئيس الكرسي معالي الدكتور عبدالحق عزوزي،وعدد من كبار الشخصيات من العالم.
ويقوم الكرسي بمجموعة من التكوينات الجامعية المختصة في مجال تحالف الحضارات، و قد أنشأ سلكاً للماستر مختصاً بمجال حل النزاعات الدولية، وتحالف الحضارات يدرس فيه طلبة من مختلف دول العالم، ويقوم بالتدريس فيه قضاة دوليون، وممثلون سامون لبعض الهيئات الدولية وجامعيون وخبراء ومختصون من كل دول العالم، كما أن له مدرسة للدكتوراه يتابع فيها طلبة إعداد الأطروحات في مجال تحالف الحضارات ، كما يقوم الكرسي بعملية التكوين والاستشارة وتنظيم دورات تكوينية ومنتديات دولية والدفع بشباب العالم إلى التنظير الإيجابي لمستقبل العالم.
تحالف الحضارات ضرورة حتمية
وأورد معالي الدكتور عبدالحق عزوزي في كلمته أن الكرسي وأعضاءه الستين الذين ينتمون إلى العديد من دول العالم، يؤمن بأن تحالف الحضارات ضرورة حتمية وواجب أخلاقي وإنساني، وهو تعبير أصيل عن أبرز قيم الحضارة العالمية وسمات الشخصية الإنسانية المتوازنة؛ ويفتح تحالف الحضارات المجال واسعاً أمام تفاهم الشعوب والجماعات، ويؤدي إلى تقارب الحضارات وتلاقحها، وينطلق من نقاط الالتقاء بدلاً من أوجه الاختلاف، في إطار الالتزام بالموضوعية والحياد عند تناول الآخر من النواحي كافة، والابتعاد المطلق عن تغيير الحقائق على نحو يشوه صورة الآخرين أو يسيء إليهم ، وهو اختيار العقلاء وسبيل يسلكه الحكماء ومسؤولية إنسانية مشتركة يتحملها بصورة خاصة صانعو القرار والنخب الفكرية والثقافية والإعلامية في العالم أجمع، من أجل المشاركة الجماعية في بناء السلام في الحاضر والمستقبل.
وبين أن الصدامات والصراعات تسبب المآسي على مستوى الأفراد والشعوب، وتزرع الكراهية والنفور بين البشر، والبديل الأمثل للوقاية منها هو الحوار والتفاهم والتعايش السلمي واحترام حقوق الآخرين ومراعاة خصوصياتهم، مع الاستفادة من التنوع الذي يمثله تعدد الديانات والثقافات والحضارات لبناء مجتمع إنساني متفاعل ومتكامل.
يذكر أن الدكتور عبدالحق عزوزي الذي يترأس الكرسي ، هو أستاذ جامعي في العلاقات الدولية والاستراتيجية والعلوم السياسية، ومفكر وأكاديمي مغربي، وعضو مؤسس وعضو مجلس إدارة الجامعة الأورومتوسطية بفاس، وأنشأ العديد من المؤسسات والمراكز البحثية والتنموية وترأسها؛ وأسهم في مأسسة العديد من الملتقيات الدولية والمنشورات المعتمدة دولياً، والبرامج التنموية ذات البعد الدولي، كمنتدى فاس حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي، ومنتدى فاس حول الاتحاد من أجل المتوسط، وله إسهامات عدة في التعاون بين ضفتي المتوسط وبين الديانات بلورت في سياسات عامة جادة وهادفة.
وهو عضو مستشار في منظمات وهيئات دولية عدة، وحاصل على عدد من الجوائز والتوشيحات العالمية، كحصوله على وسام من درجة فارس في الفنون والآداب من وزارة الثقافة الفرنسية وكحصوله على جائزة الجمعية البرلمانية المتوسطية التي مقرها مالطا. له ما يقرب من ثلاثين كتاباً من المؤلفات المعتمدة عربياً ودولياً؛ ومن أهمها تسعة مجلدات حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي بالعربية والفرنسية والإنجليزية، كما أن له ما يزيد على 1500 عمود فكري.
المؤتمر الدولي
وقد نُظم على هامش الافتتاح مؤتمر دولي حول تحالف الحضارات في موضوع: «إعادة بناء الثقة من أجل عالم واحد ومتنوع» على درب تحقيق العيش المشترك من أجل إنسانية واحدة، شارك فيه نخبة من المفكرين ورجالات الدولة والجامعيين وأصحاب القرار من مختلف الشعوب والأمصار وطلبة الجامعة الأورومتوسطية.
وتناولت محاور الجلسات الحوارية عدة محاور من بينها : نحو تحالف يعتمد على الثقة من أجل السلام وبناء مجتمعات آمنة، منسجمة وعادلة - والهجرة والتعاون الدولي: نحو سياسات هجرة أكثر إنسانية وتماسكًا - والشفافية والمسؤولية والثقة: أسس حاكمة عالمية مستدامة - والدبلوماسية الوقائية والتعاون الدولي على أساس الثقة: نحو عالم أكثر أماناً - وبناء مستقبل ذكي: الذكاء الاصطناعي في خدمة المجتمعات - والتنوع الثقافي والانسجام الاجتماعي: فوائد الهجرة المدارة بشكل جيد.
الحوار الحضاري ضرورة قصوى
وألقى الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» السعودية كلمة نيابة عن المشاركين، كلمة أبرز فيها أن هذا اللقاء الدولي هو من الأهمية بمكان من خلال الإيمان بقدرة الفعل الجماعي على استعادة الثقة في المستقبل، وتوطيد الثقة داخل المجتمعات وإحياء الثقة كأساس لا يعلى عليه في مجال التعاون بين الأمم. وأضاف الأستاذ خالد المالك إننا نفهم من خلال هذه المحاور أن العالم يعاني من أزمات كثيرة وصعبة، وأن الحوار الحضاري ضرورة قصوى، ويجب أن يتناول ميادين سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية وفكرية متعددة، ولا يمكنه إلا أن يكون عالمياً وشاملاً.
وشكر الأستاذ خالد المالك المشاركين والمنظمين، وبالأخص الأستاذ مصطفى بوسمينة، رئيس الجامعة الأورومتوسطية بفاس، والأستاذ الدكتور عبدالحق عزوزي، رئيس كرسي تحالف الحضارات.
يوم دراسي
وقد نُظم بمقر البرلمان المغربي يوم دراسي جمع طلبة من أكثر من ثلاثين دولة في القمة الأولى للشباب الأفريقي والأورومتوسطي للجامعة الأورومتوسطية في موضوع: الانفتاح الأورومتوسطي والأطلسي: لنواجه معاً تحديات الغد؛ ونظم هذا اللقاء بموازاة مع القمة الثامنة لرؤساء البرلمانات والدورة 17 للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط؛ كما نظم هذه الأيام ملتقيات الجامعة الأورومتوسطية للشباب وتناول فيها الطلبة مسألة الهجرة.. وكانت فرصة لهؤلاء الشباب قراءة نداء المستقبل الذي سطروه وطلبوا من رجالات الدول والبرلمانيين الحاضرين تبنيه.. وإفريقيا والمنطقة العربية والفضاء الأورومتوسطي في حاجة إلى هؤلاء الشباب، فهم قادة المستقبل، ولهم من الأفكار والرؤى ما لا يوجد عند غيرهم، ويجب سماع صوتهم وإعطاؤهم فرصة الحديث مع ذوي القرار في عالم سماته الأربعة الغموض والتوجس والمجهول واللايقين.
فاس.. عاصمة التنوع الثقافي
وينبع إنشاء هذا الكرسي العالمي في مدينة فاس وفي الجامعة الأورومتوسطية، من القناعة بالدور التاريخي الذي اضطلعت به مدينة فاس كعاصمة لتحالف الحضارات والتنوع الثقافي، والدور التاريخي الذي اضطلعت به أقدم جامعة في العالم، وهي جامعة القرويين، التي زرعت القيم الحضارية والقواعد المشتركة الإنسانية وهي لبنات كل حوار مثمر وفعال، وتفتح الطرق أمام التجاوب والتعارف، وتسمح للبشرية بأن تعيش في وئام ووفاق.