انبهار وتفاعل... ثم تريث وتأمل... ثم واقعية وتفاؤل...
يمكن للكلمات السابقة أن تصف المراحل التي مررت بها منذ إعلان الرؤية، والتي ربما مر بها كثير من الخمسينيين السعوديين.
لماذا الخمسيني؟ وما ضرورة أن يقرأ هذا المقال كل سعودي من جميع الأجيال؟
منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الحكم في 23 يناير 2015، وإطلاق صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية المملكة 2030 في 25 إبريل 2016، وهانحن أولاء نقارب العام التاسع من الإعلان عن الرؤية؛ والمملكة تتشكل وتولد ميلاداً جديداً على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والتنموية والاجتماعية، وقبل هذا كله تتشكل هوية الإنسان السعودي الجديدة التي كانت رؤية المملكة 2030 صانعة لها والتي سيكون لها دور فاعل في قيادة العالم. ولأهمية دور الرؤية في صناعة الإنسان فسيركز هذا المقال على الإنسان السعودي، والسعودي الخمسيني تحديداً، ولماذا؟
حسب الهيئة العامة للإحصاء ففي عام 2022 يوجد 1.182.998 خمسينياً سعودياً يمثلون 6.29 % من إجمالي السعوديين. وبالرغم من أن هذه النسبة من عدد السعوديين تعتبر قليلة إلا أنها بذات الأهمية والتأثير في سير ونجاح رؤية المملكة 2030، مع بقية الفئات العمرية، فمن أين جاءت تلك الأهمية؟
نجد في ظل الرؤية أن القيادات الإدارية في المؤسسات الحكومية وكذلك الشركات المالية تتحول تدريجياً من فئة الخمسينيين إلى فئة الشباب. وأهم من ذلك أن المؤسسة الاجتماعية السعودية التي لا تزال تقودها فئة الخمسينيين ومن يكبرونهم سناً وذلك بكل كفاءة وتقدير، إلا أن الأسر السعودية المكونة من الأب والأم (الخمسينيين) وأطفالهم في مرحلة المراهقة والشباب والذين يكونون الأسر متوسطة الحجم بدأوا يلاحظون التحول كذلك والتغير في هيكلة الأسرة للأجيال التي تليهم لأسباب تتوافق مع التغيرات العالمية من زيادة تكلفة المعيشة والتركيز على جودة التعليم وجودة الحياة. فالخمسينيون الذين كانوا هم قادة المجتمع، أصبحوا يرون التحول الوطني ينتقل للأجيال الشابة ليس على المستوى المؤسسي فحسب بل على مستوى تكوين المجتمع وإعادة ترتيب أولوياته من مسكن ومأكل وملبس وغير ذلك، فعلى سبيل المثال المرقوق الذي تتقنه كل أم خمسينية كم يا ترى نسبة من تتقنه من البنات العشرينيات، اسألوا بناتكم! ومع ذلك فنظرة الخمسيني للتغير المؤسسي والمجتمعي ليست سلبية، بل هي نظرة تملؤها الواقعية والتفاؤل.
ولكن قبل الحديث عن التفاؤل، لنمر مروراً سريعاً على الانطباع الأول للخمسينيين حول الرؤية، وهو انطباع الانبهار والتفاعل، فبعد أن أعلن صاحب السمو الملكي ولي العهد عن الرؤية كانت الأهداف المعلنة مبهرة، وبدا الجميع منهمكين في الاندماج مع تلك الأهداف والبرامج والتي كان برنامج التحول الوطني أولها. فانشغل الجميع كخلية نحل في ورش عمل ومبادرات ونقاشات مجتمعية في حراك مجتمعي تفاعلي غير مسبوق، ورغم الصعوبات التي اكتنفت تحقيق برنامج التحول الوطني وبعض مشروعات الرؤية، التي دعت للتريث إلا أن التريث لم يدم طويلاً.
مرحلة التريث والتأمل. حين يجتهد المزارع ويحرث الأرض ويزرع البذور ويسقي التربة ثم تتأخر الثمرة، قد يصاب بالإجهاد وقليل من الإحباط فيراجع خطواته ويتذكر ما فاته ويتأمل مستقبله. فكانت المراجعة والتأمل التي قادت كل خمسيني وكل سعودي ليشمر عن ساعديه ليكون جزءاً من الرؤية ولبنة من لبناتها، فما دامت الأهداف محددة وواضحة والقيادة مخلصة وحكيمة، فلا بد من مواصلة السير مهما تأخر الوصول، فأن تعمل ولو حققت 70 % أو 60 % أو حتى 50 % وتأخر تحقق باقي الأهداف فهي في الطريق ومن سار على الدرب وصل.
وأخيراً كانت مرحلة الواقعية والتفاؤل. إن ما حققته المملكة من تنمية وما وصلت له من تطور وعالمية في جودة الحياة على المستويات الثقافية والسياحية والرياضية والترفيهية، مع المحافظة على الهوية الوطنية الأصيلة والتعاليم الإسلامية الفاضلة، كل هذا يرسخ أن الواقع الذي نعيشه خير شاهد على نجاحات ملموسة لرؤية المملكة 2030. وهذا ما يدعو للتفاؤل والتطلع لرؤية المملكة 2040 وأبعد من ذلك 2050 وحينها سيكون الثلاثيون الآن هم الخمسينيون آنذاك فليعلموا أن خلف تلك الرؤية قيادة حكيمة وشعباً مخلصاً يسعى دوماً لتكون المملكة في مقدمة دول العالم كما وصلت اليوم لمصاف الدول العشرين.