«أرسل حكيماً ولا توصيه».. بهذه الكلمات المُعبرة ودع صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل «يرحمه الله» مؤسس الدبلوماسية السعودية وعميدها، أخي الحبيب معالي المهندس عبدالله المعلمي عند سفره لتسلم منصبه الجديد مندوباً دائماً للمملكة في الأمم المتحدة عام 2011 في عز العواصف التي شهدها العالم العربي، لينطلق الدبلوماسي الشاعر والأديب الأنيق نحو آفاق واسعة، جعلته أحد أشهر الدبلوماسيين في العالم، بما يملك من مقومات خطابية وأسلوب بديع في الطرح وحجج قوية.
تذكرت كلمات «الحكيم» وصولاته وجولاته في الأمم المتحدة خلال اللقاء الذي جمعنا قبل أيام في أمسية جداوية بمنزل أخي الاستاذ الفاضل فؤاد سليم، وحضور كوكبة من أهل الفكر والرأي والمسؤولين، حيث دار حديث عن أيام الزمن الجميل، عندما كان معالي المهندس عبدالله المعلمي ملء السمع والبصر في مدينة جدة، أميناً لها ومخططاً لمشاريعها، وتلقى رسالة تاريخية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز «يرحمه الله» كان مضمونها «كن أميناً لجدة، مهتماً بالضعيف قبل القوي، ميسراً لأمور الجميع» والتي كانت وقتها بمثابة وثيقة العمل، حيث تم توزيعها على كافة البلديات الفرعية وإدارات الأمانة، وكان أول اتصال تلقاه المعلمي بعد تولي أمانة جدة من معالي وزير المالية السابق الأستاذ محمد أبا الخيل، حيث ذكره بأن أصعب كرسي في العمل الحكومي هو وزارة المالية وأمانة جدة، وكنت محظوظاً وقتها لأني كنت مساعداً للعلاقات العامة ومديراً للإعلام في أمانة جدة.
ترك الحكيم والأديب والمفكر والمهندس عبد الله المعلمي بصمات لافتة على عروس البحر الأحمر، فقد كان حريصاً على وضع لمسة جمالية في كل ميادينها وشوارعها وعلى امتداد الكورنيش الساحر، مثلما عمل بعدها بإخلاص وتفان من أجل ازدهار ونمو اقتصادها خلال وجوده في غرفة جدة، وعلى امتداد مشواره الإبداعي في القطاع الخاص، وحتى عبر أفكاره الجريئة التي طرحها في عموده «أفكار للحوار» في صحيفة المدينة ومقالاته الأدبية والفكرية في العديد من الصحف السعودية. شريط من الذكريات مر أمام عيني وأنا أتأمل في كلمات وذكريات وجولات معالي المهندس السفير عبدالله المعلمي في لقائه الأخير بأهل جدة، جعلتني أتساءل ألا يستحق هذا الرجل أن يطلق أسمه على أحد شوارعها؟ المسألة ليست مجرد تكريم لجندي خدم وطنه بتفان وإخلاص، وكان سيفها المسنون في المعارك الكلامية التي شهدتها جلسات الأمم المتحدة على مدار 11 عاماً، الأمر يتجاوز ذلك، فنحن بحاجة ماسة إلى تخليد النماذج السعودية الرائدة، والشخصيات التي تركت بصمة وأثراً لن تمحوه الأيام.
لا تتوقف طموحاتي عند تخليد اسم المهندس عبدالله المعلمي بوضعه عنواناً لأحد شوارع جدة، بل أرى فيه خبرات متراكمة وقصص نجاح طويلة تحتاج أن ننقلها إلى الأجيال الواعدة التي ستحمل الشعلة مستقلاً في هذا الوطن الحبيب، فمسيرته الناجحة في العمل الحكومي ومجلس الشورى الذي شهد صولات وجولات كبيرة له، وإبداعه في السلك الدبلوماسي سواء في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومجلس الأمن، لا ينبغي أن يبقى حبيساً وآمل في كتابة مذكراته، التي ينبغي أن يتم استثمارها بشكل أكبر يصب في مصلحة الوطن. من المؤكد أننا شغوفون جداً بالعمل الذي يقوم به المهندس المعلمي حالياً، والذي يروي جانبا مهما من تأثير والده الأديب الفريق يحيى المعلمي عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، وعميد الشجرة المباركة التي أنجبت أيضاً الأستاذة آمال المعلمي سفيرة خادم الحرمين الشريفين في النرويج، لكن نأمل أن يكون عملا وثائقيا يليق بمدرسة المعلمي في كل الاتجاهات، الإدارة والدبلوماسية والعمل الحكومي والخاص. ربما تكون شهادتي في معالي المهندس عبدالله المعلمي مجروحة، بعد أن عملت معه واقتربت منه على مدار 4 سنوات، وكنت أحد الشاهدين على شخصيته وعبقريته الاستثنائية، وتشرفت بالجلوس معه كثيراً خلال إجازته السنوية في الأمم المتحدة والاجتماع به والتزود من علمه وشخصيته خلال تواجده بجدة، لكني أدرك أن الكثيرين مثلي يعرفون قيمة هذا الرجل، ويدركون أنه من الصعب عدم الاهتمام بمثل هذه الشخصيات الحكيمة.