فقدتْ محافظة الرس ابناً من أبنائها الأوفياء، رجلاً من رجالاتها الكرام، إنه العمّ الشيخ أبو خالد، علي العبدالسلام القبلان -رحمه الله-.
نعم، الرجل، فاضل كريم. هو من أطيب من عرفت ومن خيرة من جالست، سمح عظيم الخُلُق، سيما الخير تشرق من وجهه الوديع، ولديّ يقين أن كل من رآه -ولو لم يكن يعرفه- يشعر بالارتياح له والاطمئنان إليه. مستبشر الطلعة بسام.. جميلُ الملبس والهندام.
كان رحمه رائع التفكير حكيماً بعيدَ نظر، ممتعاً في روايته دقيقاً في توصيفه، حاضر البديهة والطرفة، قصصه شائقه وأحاديثه رائقة.. وحضور مجلسٍ هو فيه مكسبٌ لا يفوّت.
ومع كل ما يتمتع به من ثقافة واسعة واطّلاع متجدد إلّا أنه يستمع إلى محدّثه باهتمام ويناقش بعمق وحكمة.
كان صاحب تأمّلات في الحياة، ونظرات مستقبلية تثير الاستغراب، لكنه كان يقولها مقتنعاً بها وحده دون الآخرين.. ويقول: سترون ما سيحدث (إن بقينا) وتحققت نظراته بعد سنين.
كنت أرى أبا خالد -رحمه الله- أحد الذين قصدهم المتنبي بقوله:
ذكيٌّ تُظنّيهِ طليعةُ عينِهِ
يرى قلبُه في يومِِه ما ترى غدا
(أي من شدة ذكائه يرى بقلبه ما تراه عينه في الغد).
من أبرز خصاله سماحته ولطافته، وروحه الشابة الثابتة في تفكيره ومتابعته وأحاديثه.. هو نفسه (أبو خالد) لم يتغير في طبعه وسموّه، حتى مع كِبَر سنه.
كان مرور ذكره وسيرته في مجلس يُشعِر بالسعادة والحب والودّ والعشرة الطيبة إذ هو (أنيس الجليس).
كان -رحمه الله- حريصاً جداً على بيتنا وأسرتنا.. ويسأل عنا واحداً واحداً، شارَكنا أفراحنا، وشاطرنا أتراحنا.. ووقف معنا في كليهما.
لا عجب أن يتصل (الفقيد الفريد) بابن خالته (الوالد حفظه الله) فهما -مع القرابة- صديقان؛ لكن العجب في تواضعه الرفيع ومبادراته بالاتصال الدائم -بين وقت وآخر- بي وبالأخ صالح (رغم أن الحق -كل الحق- له، والله) يسأل عنا جميعاً ويبلغني بتشوّقه إلى اللقاء. فإن أبطأ بالاتصال لم يقطع رسائل الواتس، وكنت أبادله الاتصال والسؤال.. وكان البشر والفرحة يبدوان عليه بوضوح إذا التقينا في مناسبة (دوريّة) كانت بيننا.
هو من الأفذاذ في المنطق، والحكمة، والحجة الدامغة والكلمة الموزونة، والعبارة اللذيذة، والتعبير الدقيق.. ولا أذكر أن اختلافاً في الرأي أخرجه عن حكمته ووقاره وطبعه الكريم، بل كان يُشيع جو الطرفة بمشاركاته وحواراته، ويذكر حجته بطريقة ساحرة ويقنع الحاضرين بسلامة رأيه وصوابه.
آلمني خبر وفاته وأحزنني وأبكاني؛ لأني فقدت رجلاً فذاً يندر مثيله.
وأنا واثق أن كلّ من عرفه -رحمه الله- سيقول ما قلت وأحسن وأجمل، فشمائله وخصاله أَعدّ منها ولا أعدّدها.
أخيراً.. مقام أبي خالد ومكانته عجزت أن تصل إليهما الكلمات وقصّرت عن الإبانة عنهما العبارات، فما أحمله -وكذلك الجميع- له من حب واحترام وإجلال وتقدير؛ أعظم من المسطّر وأكبر.
تغمده الله برحمته، ووسّع مدخله، وأحسن عزاءنا جميعاً فيه، وعظّم الأجر.. وصلى الله على محمد.
**
- عبدالحميد بن ناصر الصالح العمري