من الأخطاء الشائعة قديماً في مخططاتنا العمرانية داخل وخارج المنازل أننا عززنا البيئة الصحراوية الجافة ونقلناها إلى منازلنا فليس للتشجير والخضرة اهتمام بالغ في منازلنا وأحيائنا و(يطف) صاحب المنزل بوضع شجيرات داخل وخارج منزله ثم ما يلبث أن يهملها أو يقطعها ويقوم بـ( تبليط) الموقع بعد الاستغناء عنها.
وكان مما يميز معظم شوارع المدن الرئيسة في بلادنا وجود جزيرة مخضرة بين الشوارع تتزين عادة بالنخيل ثم زحفت علينا شجرة البرسوبس، وشجرة الواشنطونيا وهي ليست من بيئتنا ولا من مزروعات ولا تمثل هويتنا، فيما أن الأحياء الجديدة معدومة من التشجير والخضرة.
منذ مدة يسيرة بدأنا في صفحة جديدة، فقد أعلنت المملكة العربية السعودية، عن خارطة الطريق الخاصة بزراعة 10 مليارات شجرة، والتي تندرج ضمن التزامات المملكة الوطنية والدولية بالتصدي لكافة التحديات البيئية المتعلقة بالمناخ وتحسين جودة حياة المواطنين من خلال الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي سيتم تحقيقها على المدى الطويل من خلال جهود التشجير، وذلك في إطار مبادرة السعودية الخضراء التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس اللجنة العليا للسعودية الخضراء.
وتأتي هذه المبادرة بالتزامن مع فعاليات النسخة الثانية من أسبوع المناخ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي تستضيفه المملكة للمرة الأولى في الفترة من 8 - 12 أكتوبر 2023 بمدينة الرياض.
وتتضمن الخارطة خطة استراتيجية مصممة لتنمية الغطاء النباتي في جميع مناطق الموائل الطبيعية، كما ستشمل المدن، والطرق السريعة، والمساحات الخضراء لضمان مساهمة الأشجار الجديدة في تعزيز صحة ورفاهية سكان المملكة الذين تعيش النسبة الأكبر منهم في المناطق الحضرية.
ومن المتوقع أن تستفيد مراكز المدن من زيادة الكثافة الشجرية التي ستسهم في خفض درجات الحرارة بمقدار 2.2 درجة مئوية وتحسين جودة الهواء، وتعد درجات الحرارة المرتفعة وتلوث الهواء من المخاطر البيئية الأكثر شيوعاً في المناطق الحضرية حول العالم، التي ترتبط بانتشار مجموعة من الأمراض غير المعدية، مثل أمراض القلب، والشرايين، والجهاز التنفسي، كما تُسهم جهود تنمية الغطاء النباتي بالمدن في خفض نسبة ثاني أكسيد الكربون.
وبالإضافة إلى ذلك سيسهم تنفيذ خارطة الطريق في توفير عديد من فرص العمل في مختلف أنحاء المملكة للقيام بمهام زراعة الأشجار، وجمع البذور، وتجهيز وصيانة الأراضي الزراعية، وتطوير شبكات لإعادة استخدام المياه المعالجة، وإنشاء حدائق ومتنزهات ومحميات جديدة، في خطوة مهمة تمهد الطريق لتطوير أساليب جديدة ومبتكرة لتعزيز الاستدامة.
وتعدّ مبادرة «السعودية الخضراء» واحدة من أكبر مبادرات إعادة التشجير في العالم؛ حيث تعكس التزام المملكة بالتصدي للتحديات البيئية المختلفة التي تواجه البلاد، بما في ذلك انخفاض معدلات هطول الأمطار ومساحة الأراضي الصالحة للزراعة ومناطق الغابات إلى ما دون المعدلات العالمية.
وكان الهدف الأول الذي تم الإعلان عنه لزراعة 10 مليارات شجرة يعادل استصلاح 40 مليون هكتار من الأراضي في المملكة، ومن خلال تنفيذ الدراسة، تم رفع هذا الهدف ليعادل الآن استصلاح 74.8 مليون هكتار من الأراضي، ويشكّل هدف زراعة 10 مليارات شجرة نسبة 1 % من هدف التشجير العالمي، و20 % من هدف زراعة 50 مليار شجرة الذي حددته مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر».
يشار إلى أن خارطة الطريق التي أعلن عنها لا تمثّل بداية جهود التشجير في المملكة، إذ شهدت الفترة بين عامي 2017 و2023 زراعة 41 مليون شجرة في مختلف أنحاء المملكة، كما أن خارطة الطريق استندت إلى دراسة جدوى علمية استراتيجية تفصيلية استمرت لمدة عامين، جرى تنفيذها بالتعاون بين وزارة البيئة والمياه والزراعة والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر، بمشاركة نخبة من أمهر الخبراء محليّاً ودوليّاً في تخصصات متعددة، كما توسّعت الدراسة إلى جانب التركيز على تمكين المملكة من تحقيق هدف زراعة 10 مليارات شجرة، لتشمل أساليب الري المستدامة التي يمكن استخدامها في أنشطة التشجير، وضمان توافق أنواع الأشجار المختارة مع الغطاء النباتي وقدرتها على التكيف مع مناخ المملكة، وشملت الدراسة أكثر من 1.150 مسحاً ميدانيّاً في مختلف مناطق المملكة لتحديد المواقع الجغرافية الأنسب لزراعة الأشجار، استناداً إلى الظروف البيئية المختلفة، بما في ذلك التربة، والمياه، ودرجات الحرارة، والرياح، والارتفاع عن مستوى سطح البحر، كما تضمنت الدراسة تقييماً شاملاً للقطاعات ذات الصلة، بالاستفادة من التوصيات العلمية والتقنيات المتقدمة.
ومن المقرر تنفيذ خارطة الطريق المعتمدة على مرحلتين؛ تمتدّ المرحلة الأولى من عام 2024م حتى عام 2030م، وتَتّبِع نهجاً قائماً على الطبيعة؛ لإعادة التأهيل البيئي، بينما ستبدأ المرحلة الثانية في عام 2030م، وسيتم خلالها العمل على استحداث نهج شامل يعتمد على الجهود البشرية في إعادة التأهيل البيئي.
وتحتضن السعودية أكثر من 2.000 من الأنواع النباتية، التي تزدهر عبر مجموعة متنوعة من الموائل الطبيعية، بما في ذلك غابات المانجروف والمستنقعات والغابات الجبلية والمراعي والمتنزهات الوطنية والوديان، ومن المتوقع زراعة أكثر من 600 مليون شجرة بحلول عام 2030، أي ما يعادل استصلاح 3.8 مليون هكتار من الأراضي، وتعدّ استعادة وحماية التنوع الأحيائي أحد أهم الجوانب التي يركز عليها هدف زراعة 10 مليارات شجرة.
ونحن نتحدث عن هذا الموضوع لا يفوتنا الإشادة بجهود المتطوعين أو رجال الأعمال الذين لهم اهتمام بتعزيز وتكثيف التوسع في الغطاء النباتي سواء داخل المدن أو خارجها، ورأينا جهوداً لبعض الشباب وهم يقاومون التصحر بنشر بذور في الصحاري والفياض ويوالونها حتى تنبت وتترعرع، كما شاهدنا بعض رجال الأعمال وهو يقومون بإحياء مزارع قديمة واستثمارها وتحويلها لمنتزهات ومنتجعات، وأصبحت هذه الأماكن جميلة وجذابة للغاية، فقد تم الحفاظ على البيئة الطبيعية وعدم القضاء على المسطحات الخضراء واستبدالها بالمباني الاسمنتية، وهي فكرة جميلة ورائعة، وقد زرتها في القصيم، وفي بعض ضواحي الرياض.
**
alomari 1420@yahoo.com