الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة الشيخ الدكتور بدر بن علي بن طامي العتيبي الداعية والباحث الشرعي في أصول السنة وعلومها، أكد الحاجة إلى مجالس الأسرة اليومية مع الأبناء حيث إن الانفراد بهم في مجالس يومية أو دورية بين حينٍ وحين من أهم المهمات التربوية، في زمنٍ تتهاوى فيه الأخلاق والمبادئ تحت تأثير «برامج التواصل» و»الألعاب الإلكترونية» وإدمانها، مقابل رغبة الكثير من الآباء والأمهات-طلباً للراحة والبعد عن الإزعاج-الانفراد بمجالسهم اليومية الخاصة دون حضور الصغار، مشيراً إلى ما استوقفه لمقطعٍ لرجل يعرض مجلساً عفوياً بينه وبين أبنائه، يتحدث معهم بهيبة الأب، وأخلاق الجليس، ولطافة الأنيس، مع جلوسهم حوله بأدبٍ في حديث متبادلٍ بينهم في بعض ما يحصل من مشاكل وما لهم من آمال، وطموح، وما تخلل المجلس من الأنس والضحك الأسري.
وتساءل د. بدر العتيبي من الذي يجالس الأبناء، ومن الذي يؤانسهم، ومن الذي يلامس جراحهم ومشاكلهم، ولماذا غاية الصلة بين الآباء والأبناء تلبية حاجة الأمور الظاهرة الشكلية في الطعام واللباس، والخدمات العامة؛ فكما أن الأبدان تقترب من الأبدان، لماذا لا تقترب الأرواح من الأرواح، والمشاعر من المشاعر؟.
وقال الداعية بدر العتيبي موجهاً حديثه للآباء جالسوا أبناءكم، حاوروهم، اكتشفوا همومهم وما يقلقهم، اعرفوا طموحاتهم، وغاية رغباتهم، لتعرفوا إلى أين يتجهون، وإلى ماذا يخططون، بل على بماذا يُغذّون، وعودوهم على الجلوس معكم في مجالسكم الجادة، واجتماعاتكم الهادئة، ليتعلمو «أدب المجالسة»، و»حسن الاستماع»، و»أسلوب الحوار»؛ فإنه حتماً ستجدون أنكم بهذه المجالس: تصححون ما أخطأوا فيه، وتعدّلون ما مالوا به، وتحلون مشكلة كانت كامنة خافية عنكم، وستجدون عجباً من أخبارهم وأسرارهم إلى حدّ انفجار الدموع، وكم من جراح تؤلمهم لا تعلمونها؛ فجربوا مجالس «الصفا» شكلاً ومضموناً، بهدوئها، وسكينتها، واكبحوا طيش التكنولوجيا بمجالس السكينة، والهدوء وتبادل الكلام بهدوء، والصمت بإقبال وإصغاء، وربما كانت مجالستهم مجهر اكتشاف لأخطاءٍ الآباء والأمهات، من: أبٍّ دوماً يشتم الأم أو يضربها، أو أبٍّ يفتقدون جلوسه معهم بطول السهر خارج البيت، أو أمٍّ خرّاجة ولاجة لا تهتم بهم، أو يسرقها كذلك الهاتف عنهم, أو خطأ سلوكي مع الخادمة أو الجار؛ فأنتم أسرة، وهم يشدون أسركم كما أنكم تشدون أسرهم.
واسترسل الشيخ بدر العتيبي بقوله: هل منَّا من جرّب أن يختار أحد الأبناء بخلوةٍ رحمة، وانفراد بوح؟ في مجلسه، في سيارته، ويتكلم معه كما يتكلم أحب الناس إليه؛ فضموا أبناءكم ما داموا صغاراً، واقتربوا منهم أكثر، فلا أسعد ولا أنعم على أرواحهم من ضمة الأب والأم, وسيأتي يومٌ ترونهم كباراً بأجسامهم تتمنون لو أن الزمان يعود بهم مرة أخرى صغاراً لتنعموا بضمهم وشمهم وملاعبتهم، مناشداً الآباء والأمهات: لا تُسلموا أبناءكم لأنفسهم، ولا تتركوهم مع غيركم، فهم عيالكم أي عالة عليكم أنتم فقط، وبحاجة إليكم أنتم فقط، فلا تجعلوهم: عيال التكتوك والسناب والبوبجي.
فإنهم إذا عالوا إلى تلك البرامج، خرجوا بأخلاقِ من يخالطون من البشر، وكل قلبٍّ بما تربّى عليه، وغذّي به.. ينضح.