تمثّل الأسرة خط الدفاع والحصانة الاجتماعية الأولى والأبرز في منظومة المكافحة الشاملة للمخدرات، ولهذا تكون جهود المقاومة والمكافحة ناقصة وعرضة للفشل إن لم تكن الأسرة واحدة من أركان هذه الجهود.
ولا شك أن طبيعة السلوك داخل الأسر وخاصة سلوك الوالدين لها تأثيرات كبيرة على بقية أفراد الأسرة، وأول ما ينبغي تأكيده هنا هو القدوة والمثال الذي يمثّله الوالدان، ولا بد أن يكونا القدوة في السلوك قولاً أو فعلاً، وتبين دراسات التعاطي أن الأطفال الذين يعيشون في أسر يوجد فيها متعاط خاصة أحد الوالدين تكون احتمالية التعاطي أكبر؛ فأول حصن للوقاية هو القدوة الحسنة من قبل الوالدين وبقية أفراد الأسرة، ويتضح من عدد الدراسات والبحوث العلمية حول السلوك المنحرف أن لطبيعة ممارسات الوالدين أثرها على ذلك السلوك، فقد لا يحسن الوالدين تربية الأبناء، أو يتصف أسلوب معاملاتهم بالقسوة أو العنف أو التسيب أو التدليل، أو قد يتسم جو الأسرة بالشحناء والتباغض والقول السيئ، ومما لا شك فيه أن الإيذاء اللفظي بالسب أو اللعن أو الإهانة أو وصف الأطفال بصفات مكروهة في هذا قتل لنفسياتهم وشخصياتهم، وما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أهمية توعية الوالدين وتبصرهم وتدريبهم على مهارات الأبوة والأمومة، وحسن التعامل مع آبائهم، خاصة مع الأطفال في سن النماء والتنشئة والتغيرات الجسدية والعاطفية ما تسمى مرحلة المراهقة، حيث إن سوء معاملة الأسرة قد يدفع الأبناء إلى مصادر التوجيه والاهتمام خارج الأسرة، حيث رفاق السوء وقناصو الانحراف.
إن من الأهمية بمكان أن تقوم الجهات المهتمة والمسؤولة بمساعدة الأسر التي فيها متعاط، حيث إن الظروف الاجتماعية والاقتصادية السلبية قد تكون عبئاً ثقيلاً على هذه الأسر فلا تسمح لها بتقديم الرعاية المناسبة لأطفالها، ولا يمكن أن تؤدي الأسرة دورها، وهي في ضائقة مالية، أو في ورطة اجتماعية، فلا بد من الإسهام في مساعدة هذه الأسر وحل مشكلاتها، وإكسابها أساليب أفضل للتعامل والتواصل، وكذلك إكسابها قدرات ومهارات تساعدها في تحسن اقتصادياتها وارتباطها بالمجتمع.
وبإجمال ينبغي رفع الكفاءة الاجتماعية للأسرة من حيث توثيق ترابطها مع المجتمع المحلي، ومؤسساته وموارده، وتحسين علاقتها بالجوار، وجعل الجوار منظومة متساندة متعاضدة فهي تعمل جميعها في سبل تحقيق مصالحها كلها، ومواجهة ما يعترضها من مصاعب.
وأمر مهم ينبغي الالتفاف إليه وهو أن يكون التركيز في العمل الأسري على كامل الأسرة، وليس على الفرد المتعاطي؛ فالتركيز على المتعاطي فيه استحياء للمشكلة وجعلها في دائرة الضوء باستمرار وبالتالي جعل المتعاطي هو المشكلة المستمرة، لكن التركيز على الأسرة يجعل الاهتمام أوسع، ويجعله منهجياً نحو تحقيق تغييرات إيجابية إصلاحية في بناء الأسرة، وما يجعل إصلاح المتعاطي نتيجة طبيعية لهذه الجهود، ومنها إشعار له بطبيعتها وليس بإشكاليته وسوء صنعه، أي ينبغي أن يتم بناء وصناعة بيئة صالحة مقاومة للانحراف، وفي الوقت نفسه مساندة للمخطئين ليقلعوا عن خطئهم طوعاً وبالتدريج.