شهدت المملكة العربية السعودية خلال السنوات العشر الماضية ولايزال ازدهارا فكريا وثقافيا وعلميا وتقنيا واقتصاديا غير مسبوق، رغم الكثير من التحديات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية من ثورات في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن والعراق، ورغم معاناة دول المنطقة العربية من الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي عملت تشظيا وتشرذما في العديد من دولنا العربية ومحاولات تقسيمها وتفتيتها.
وسط هذه الأزمات كلها والمتغيرات الدولية، وقفت المملكة العربية صامدة في مواجهة هذه التحديات تصد عنها أية محاولة لإضعافها أوالنيل من قوتها.
وهذا الصمود السعودي في مواجهة هذه التحديات السياسية والأمنية يعكس أخذ القيادة السياسية بالمملكة بكل أسباب العلم والتكنولوجيا والانفتاح على الآخر ودراسة ما يجري في العالم وفقا لدبلوماسية ناجحة متوازنة تهدأ تارة وتثور أخرى وفقا لمصالحها وأمنها القومي
ومنذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد مقاليد البلاد، فإن المملكة لم يهدأ لها بال حتى تحدث ثورة داخلية في رؤيتها السياسية والاقتصادية والعلمية تجعلها قادرة على المنافسة الإقليمية والدولية، والمساهمة في صنع القرار الدولي انطلاقًا من مكانتها وثقلها في العالمين العربي والإسلامي.
تقنيات العصر
استفادت المملكة جيدا من تكنولوجيا العصر وتقنياته وانفتحت عليه ودفعت المجتمع السعودي للتفاعل بقوة مع العصر الرقمي من خلال الدراسات بالخارج، وتوطين التكنولوجيا الرقمية بالداخل عبر المعاهد والجامعات، ومن ثم في المجتمع ككل سوقا وتجارة وثقافة اجتماعية حديثة أيضا.
وقد ساهم انفتاح المجتمع السعودي على وسائل التواصل الاجتماعي في إحداث كثير من التغيير في المفاهيم الفكرية والاجتماعية المنغلقة إلى التفاعل الواسع بالمجتمع العالمي ومعطياته الحديثة نحو عالم العلوم وثقافة المعرفة.
الإصلاحات الثقافية التي قامت بها القيادة الحاكمة أثمرت في تغيير الصورة الذهنية التي طالما رسمها الإعلام الغربي عنها في أزمنة سابقة، فالتطورات الفكرية والثقافية التي شهدتها المملكة في السنوات الأخيرة جعلتها اكثر تأثيرا ثقافيا مقارنة بغيرها من الدول العربية، فهي الأسرع تطورا وانفتاحا، ولذلك حلت السعودية في المرتبة الرابعة عربيا، والمرتبة 35 عالميا أعدت مجموعة «باف BAV» للإحصاء والاستطلاع في تصنيف أفضل دول العالم لعام 2021، من حيث التأثير الثقافي، وريادة الأعمال، والتراث، والانفتاح على الأعمال وجودة الحياة.
ووسط كل ذلك، فإن السعودية لم تغفل عن المخاطر المحتملة للأفكار المسمومة التي تبث عبر الفضاء الإلكتروني لزعزعة السلام الاجتماعي في البلاد، فأنشات مركز الحرب الناعمة السعودية (اعتدال) وهو الأول من نوعه في مجال الحرب الإلكترونية التي تديرها السعودية بمجموعة من الباحثين والمدونيين الوطنيين.
تبنت القيادة السعودية العمل على التحديث الثقافي في المجتمع بالسماح بإقامة المهرجانات الثقافية والبرامج والمسابقات الترفيهية في عدد من المدن على رأسها جدة والرياض والدمام.
وأنشأت أيضا مراكز ثقافية دائمة ملحقة بالسفارات والممثليات السعودية في الخارج لتكون جسرا ثقافيا بين حضارات وثقافات وشعوب دول العالم مع المملكة، وذلك إيمانا من القيادة السياسية بأهمية القوى الناعمة في جذب أنظار العالم إلى الحضارة السعودية ومناطقها التراثية والأثرية، وتفعيلًا لمخطط طموح يجعل من المملكة محطة جذب سياحي عالمي، لا يقتصر على المزارات الدينية المقدسة فحسب، بل تتعداه إلى مناشط سياحية أخرى ثقافية وترفيهية وتراثية أيضا.
ولاشك أن السعودية ظلمت كثيرا في مجال السياحة نتيجة جهل الكثير من شعوب العالم قديما بتراث المملكة وحضارتها، وهو ما تنبهت اليه القيادة الحاكمة الحالية من أهمية توظيف طاقات الإعلام في التعريف بالسعودية وجعلها محط جذب سياحي.
وقد رافق ذلك خطوات إدارية واقتصادية لتفعيل وتنشيط أماكن الجذب السياحي بالمملكة، ومن تلك الخطوات إصدار التأشيرة السياحية، بجانب قيام وسائل التواصل بالأماكن الأثرية والسياحية وإبراز المواقع التي يمكن زيارتها فضلا عن أكثر العادات والتقاليد الخاصة بالبلاد وشعبها.
إصلاحات وانفتاح
وضعت المملكة استراتيجية للإصلاح الاقتصادي وحوافز للاستثمار لتحقق من خلالها برنامجا طموحا للتنمية الاقتصادية بجعلها أهلا للمنافسة العالمية، وبالفعل خلال السنوات الماضية اعترف المجتمع الدولي بالقوة الإقليمية للمملكة وكمحرك أساسي في ضبط توزانه، وهي أكثر تهيئة لتصبح واحدة من أكثر 10 دول تنافسية في العالم، خاصة وقرارها بشأن أسعار النفط والتحكم في السوق العالمي سواء بخفض الإنتاج أو زيادته وتسعيره، وهو ما تدركه جيدا مجموعة العشرين الاقتصادية التي صارت السعودية جزءا فاعلا في قراراته.
ميثاق عمراني
حرصت السعودية على تطوير منظومتها المعمارية لتلحق بمستجدات العصر، ولكن وفق رؤية ثقافية وحضارية تنطلق من الحفاظ على طابعها التراثي والحفاظ على جماليته مع إضفاء لمسات العصر الحديث عليه، وهو أطلق عليه «ميثاق الملك سلمان العمراني» للاحتفاء بالهوية العمرانية الوطنية في جميع أنحاء المملكة والترويج لها على نمط العمارة السلمانية، بحيث تحافظ المشروعات المعمارية الحديثة على هويتها الوطنية وإرثها الحضاري.
نهضة اقتصادية
المتابع للأوضاع الاقتصادية بالمملكة يجد نموا وازدهارا اقتصاديا كبيرا، رغم ما تعانيه دول العالم حتى المتقدمة من أزمات اقتصادية خانقة، ولكن رغم كورونا وتداعياتها، نجحت الإدارة الاقتصادية بالمملكة في تجاوزها بل وتحقيق نمو اقتصادي كبير بفعل ارتفاع أسعار النفط، ونتيجة نمو النشاط الاقتصادي غير النفطي أيضا، وهو ما أكده تقرير صندوق النقد الدولي، بأن السعودية سجلت أعلى نمو اقتصادي في العالم هذا العام وصل إلى 7.6% العام الحالي، كأعلى نسبة نمو بين جميع اقتصاديات العالم في العام الحالي 2022.
و توقع صندوق النقد ارتفاع النمو غير النفطي في المملكة إلى 4.2%، وزيادة فائض الحساب الجاري إلى 17.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك احتواء التضخم الكلي عند 2.8% في المتوسط.
و صُنفت المملكة السادسة عالميا في مؤشر اجيلتي اللوجستي للأسواق الناشئة في فبرايرالماضي. كما تم تصنيفها الأولى عربيا في مؤشر براءات الاختراع من منظمة الأمم المتحدة العالمية للملكية الفكرية، والأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في توفر الخدمات الرقمية وتطورها، وانضمت أيضا 12 جامعة سعودية إلى تصنيف تايمز للتعليم العالي للجامعات الناشئة. كما حصل صندوق الاستثمارات العامة على تصنيف A1 وAa2 من موديز للتصنيف الائتماني.
وحققت المملكة المركز الثالث في مؤشر القدرات الرقمية، وهو يعنى بتعزيز الأفكار الابتكارية في الشركات. وقد تم إنشاء «هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار» في المملكة والتي تهدف بشكل رئيسي إلى تشجيع ودعم الابتكار والتطوير والأبحاث.
كما حققت المملكة المركز الثاني عالميا في الأمن السيبراني من بين 193 دولة، والمركز الأول عربيا و22 عالميا في المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي.
إبداع
واتجهت السعودية بقوة نحو المستقبل، عملا بمفهوم «الاقتصاد الإبداعي» وهو قطاع يهدف لتنفيذ مشروعات مهمة مثل مشروع مدينة القدية، لتكون أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية من نوعها على مستوى العالم.
وهناك مجموعة من المشروعات الاقتصادية الطموحة وفقا لرؤية 2030، ومنها إنشاء أكبر متحف أثري حي بالعالم في العُلا، وأكبر مدينة طينية بالعالم في الدرعية، وأكبر مطار بالعالم في نيوم، وأكبر حديقة بالعالم في الرياض، وأكبر مشروع طاقة شمسية بالعالم في سدير، وأطول برج بالعالم في جدة. وأيضا العمل على إنشاء مدينة المستقبل نيوم.
وتتوقع الدوائر الاقتصادية أن يسهم الاقتصاد الإبداعي في المملكة بنسبة 27% في فتح مجالات استثمارية لأصحاب المشروعات الصغيرة، وأن يخفض البطالة بنسبة 29%، وأن ينشئ قنوات استثمارية دولية جديدة بنسبة 35%، مما يؤدي إلى زيادة مستوى دخل الفرد بنسبة نحو 24%.
هنيئا للمملكة بتطورها وتقدمها العلمي والتقني والثقافي والاقتصادي الذي هو مفخرة للعرب جميعا.
أمير بهيبة ملك يقود بشجاعة المملكة لنهضة عظيمة
منذ أن عين سمو الأمير محمد بن سلمان وليا لعهد المملكة، وإذا به يلقي بالحجارة على المياه الراكدة في الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية في المملكة العربية، والتي طالما حافظت لعقود على نمطها، فإذا به يقود البلاد لتغييرات سريعة ومتلاحقة أدهشت السعوديين والعرب والمجتمع الدولي كله.
هذه الدهشة جاءت نتيجة عمر ولي العهد فهو في ريعان الشباب، بينما ثقافتنا العربية متعودة غالبا على كبار السن. ومن اندهش من قدرة سمو ولي العهد على القيادة قد غفلوا عن حقيقة أن الأمير محمد بن سلمان كان ملازما لأبيه الملك سلمان عندما كان أميرا على منطقة الرياض وتشرب من أبيه فنون القيادة والسياسة،وشاهد بأم عينه حسم الملك سلمان وعدله في حكم إمارة الرياض.
وسمو ولي العهد سليل حسب ونسب من جهة أبيه الملك سلمان، ومن ناحية أمه الأميرة فهدة بنت فلاح بن سلطان العجمان، وحفيدة الشاعر الأمير راكان بن فلاح بن حثلين زوجة خادم الحرمين الشريفين.
هذا الشرف والنسب يقودان إلى الأخلاق الرفيعة التي تربي عليها ولي العهد، فقد تعرفت على أخلاقه وتعاليمه الدينية من خلال العديد من الفيديوهات التي أبرزت أدبه مع أهله ومجتمعه.
كما تجلت في إصراره على نجاح موسم الحج ورعاية ضيوف الرحمن بكل أريحية وحب، وهو الأمر الذي ينفي تماما ما يزعمه بعضهم من أن سمو ولي العهد يقف ضد الدين - بل العكس من ذلك تماما، هو يكفل لكل أبناء وطنه وللحجاج والمعتمرين حقوقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية وحفاوة، لكنه يقف بالمرصاد للمتطرفين والمتشددين والإرهابيين والمخربين.
إعجاب وتقدير
لا أستطيع إخفاء انبهاري وتقديري بإنجازات سمو ولي العهد محمد بن سلمان، بوصفه شخصية مقدامة شجاعة متحمسة للتطوير والنهوض بوطنها، وتحمل شعلة تحفيز الشباب وطاقتهم الجبارة في بناء وطن جديد.
إنه دماء تضخ في شرايين المملكة لتواكب عصر التكنولوجيا فائقة السرعة وتحديات الألفية الثالثة للميلاد. بجرأة وثبات انطلق سمو ولي العهد غير عابئ بالتحديات أو المعارضة التي قد يصادفها ممن لا يتحملون فكرة التغيير، رغم أن التغيير نفسه سنة كونية طبعها الخالق العظيم في كونه.
بينما وقف شباب المملكة ومفكروها المتطلعون للتغير وتحديث مجتمعهم مع أفكار ولي العهد التي طالما حلموا بها.
طاقة الشباب والتحدي في تركيبة سمو ولي العهد محمد بن سلمان حفزته على تحريك كل ما هو ثابت وساكن في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية نحو المستقبل الجديد الذي يحلم به لوطنه.
وبشجاعة لم يسبقه أحد من المسؤولين بالمملكة، عمل سمو ولي العهد إلى تنويع اقتصاد المملكة بحيث لا تقتصر الاعتماد على مصدر الطاقة فقط، وسارع إلى تحديث المجتمع بخطوات سريعة وعملية ومنها توطين البرامج التقنية والتحول الرقمي في القطاعات الحكومية، ووصلت المملكة إلى المرتبة 38 عالميا في مجال الحوكمة الإلكترونية ووصلت إلى المرتبة الثالثة في مجموعة العشرين.
وعمل ولي العهد السعودي إلى تطوير المؤسسات التعليمية، وتوفير فرص العمل للشباب بالعمل في منافذ البيع لأكثر من 12 نشاطا اقتصاديا في قطاعات التجزئة والاتصالات.
وقاد سمو ولي العهد العمل على النهوض بالمرأة السعودية، ومنحها العديد من الحريات التي كانت محرومة منها مثل إصدار رخص قيادة السيارات للنساء في المملكة، والسماح لهن بالتجول في مختلف المدن والمحافظات، بجانب تمكينها في الأمن السيبراني.
وفتحت الأبواب أمام المرأة السعودية للدخول في سوق العمل فارتفعت مساهمتها في سوق العمل إلى 25% خلال عام 2019. كما سمح لها بمباشرة أعمالها التجارية دون الحاجة إلى موافقة وليها، وكذلك السماح لها بتأسيس الأندية النسائية.
وتوافرت عدة برامج لتمكين المرأة السعودية؛ ومنها برنامج «حافز» الذي يقدم دعمًا ماليًا للمرأة الباحثة عن العمل ولا تجد وظيفة مناسبة، برنامج «قرة» الذي يعمل على دعم خدمة ضيافة الأطفال للمرأة العاملة، بحد أقصى 800 ريال شهريًا للطفل الواحد.
وهناك أيضا برنامج «وصول» الذي يقدم دعمًا ماليًا للمرأة العاملة؛ لمساعدتها في تخفيف عبء تكاليف النقل من وإلى مكان العمل، وتصل نسبة التغطية إلى 80% من تكلفة النقل بحد أقصى 800 ريال شهريًا، ناهيك عن تعيين المرأة في المناصب المرموقة، كتعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز سفيرة للمملكة في الولايات المتحدة، وتعيين الدكتورة إيمان بنت هباس المطيري مساعدةً لوزير التجارة والاستثمار بالمرتبة الممتازة، وتعيين الأميرة هيفاء بنت عبد العزيز آل مقرن مندوبًا دائمًا للمملكة لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، بالإضافة إلى تعيين المرأة في السلك القضائي لأول مرة.
ويكفي ولي العهد شرفا تعلق شباب المملكة به ورؤيتهم له كملهم في تحقيق طموحاتهم وأحلامهم، فله كل التقدير والتحية والدعاء بالمزيد من النجاح والتوفيق.
إنجازات المملكة في فترة وجيزة لا ينكرها إلا حاسدو النعم فالله خير حافظا.
** **
- سارة طالب السهيل التميمي