اعتمدت أنظمة إدارة الوقت - والتي تطورت عبر ثلاثة أجيال - على مبدأ الكفاءة وزيادة حجم المهام التي تنجز يوميًا، وقد واجهت هذه الأجيال مشكلة دائمة وهي الاختلاف الجوهري بين الكفاءة والفاعلية، لذا تأتي ضرورة تحديد الأولويات كجزء من فن تنظيم الوقت لاختصار الطريق للوصول للنجاح العملي وجعل الحياة ذات معنى وقيمة من خلال دفع الفرد وتحفيزه نحو تحقيق أهدافه: أن يحيا، يحب، ويتعلّم ثم يترك خلفه ميراثًا وتراثًا ينفع غيره من الأجيال القادمة.
ويرى الكاتب ستيفن ر. كوفي في كتابه «الأمور الأهم.. أولاً» أننا بحاجة إلى نظام جديد لإدارة الوقت لا يسير فقط وفقاً للساعة الزمنية «الكفاءة» وإنما يركز على البوصلة الداخلية المتمثلة في الفاعلية.
ويركز هذا النظام الجديد (برنامج الجيل الرابع) على إنجاز الأشياء الصحيحة بطريقة متوازنة ومنتجة، من خلال التركيز على الإلمام بالمبادئ الحقيقية والتي يرى أغلب الأشخاص أنها تحدد سبل الارتقاء بنوعية الحياة، وترجمة تلك المبادئ إلى أسلوب يومي للحياة دون التشتت في خضم عدد لا نهائي من المهام غير المهمة والتي تستنزف كل وقتك ومجهودك.
هناك ثلاثة مبادئ رئيسية تشمل: إشباع الاحتياجات والقدرات الأساسية للبشر (الجسمانية/ الاجتماعية/ العقلية/ الروحية)، فكلما تتلاقى هذه الاحتياجات يمتلك الفرد حماسًا متقدًا يدفعه نحو تحقيق مستقبل مشرق. كما تتضمن هذه المبادئ طريقة تحقيق الاحتياجات الأربعة، فليس هناك معنى للإنجاز إذا لم نحترم العملية التي من خلالها نصل إلى الوفاء بتلك الاحتياجات، إضافة إلى مبدأ إمكانيات المواهب الإنسانية الأربع (الوعي الذاتي/ الضمير/ الإرادة الحرة/ التخيّل الإبداعي)، حيث يستثمر برنامج الجيل الرابع لإدارة الوقت تلك المواهب في التمييز بين الأنشطة المهمة والمستعجلة.
وحسب نموذج كوفي لبرنامج الجيل الرابع، فإن كل شخص يقضي وقته في واحد من أنشطة أربعة،تمثل كل أنشطة مربع. ويضم المربع الأول: أنشطة مهمة وعاجلة ويسمى مربع الأزمات أو الطوارئ، أما المربع الثاني يشمل أنشطة مهمة وليست عاجلة ويسمى مربع التركيز أو التخطيط، والثالث يحوي أنشطة عاجلة وليست مهمة، وأخيرًا المربع الرابع يضم أنشطة ليست مهمة ولا عاجلة. وفيما يقضي الغالبية العظمى من الأشخاص الكثير من الوقت في أنشطة مربعي (1 و3)، يقوم برنامج الجيل الرابع لإدارة الوقت على هدف قضاء معظم الأوقات في أداء أكثر الأنشطة أهمية (أنشطة المربع 2)، حيث تعمل هذه الأنشطة والمتمثلة في الإعداد وأنشطة التخطيط والعلاقات مع الآخرين والإبداع على تطوير نوعية الحياة بصورة ملحوظة وتؤثر بشدة على تنفيذ كافة الأنشطة.
إن تحويل التركيز إلى الأمور المهمة بدلًا من العاجلة يتطلب دورة تخطيط أسبوعي منظّمة لضمان تنفيذ الأشياء الأكثر أهمية وعدم إغفالها أثناء تنفيذ الأنشطة السريعة المستعجلة التي تطرأ علينا يوميًا. وتبدأ الدورة بتحديد مهمة شخصية تؤكد سبب وجودنا، مرورًا بتعريف كافة الأدوار، مع تحديد الأهداف المهمة لكل دور وتخصيص وقت للأهداف المهمة ومن ثم القيام بالأنشطة العاجلة في الأوقات الأخرى.
ففي حين يقضي الموظفون في المؤسسات النموذجية 50 إلى 60 % في الأنشطة غير المهمة والعاجلة، و25 إلى 30 % في الأنشطة المهمة والعاجلة يقضي العاملون في المؤسسات عالية الأداء 65 إلى 80 % في الأنشطة المهمة وغير العاجلة و20 إلى 25 % في الأنشطة المهمة والعاجلة. وهنا يتسم برنامج الجيل الرابع لإدارة الوقت بأنه يجعل مؤسسات الأعمال تتبع الأسلوب الأمثل للتحول من مجرد مؤسسات نموذجية إلى مؤسسات عالية الأداء من خلال تأسيس وحدات اقتصادية تتبادل المنافع فيما بينها.
ختامًا، يمكن تحسين مستوى حياتك والارتقاء بها والعمل على إنجاز مهامك الشخصية الرئيسية من خلال الانحياز إلى المبادئ الصحيحة في نظام إدارة وقتك، حيث يقوم نظام الجيل الرابع لإدارة الوقت على عنصر القيادة الشخصية أكثر من إدارة الوقت، فعندما نمارس نظام الإدارة الذي يرتب لنا الأولويات ينمو لدينا شعور داخلي بالسلام، ومن ثم يمكن أن نتقدم للأمام بصبر وثقة لنرفع من مستوى حياتنا.