الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
دعت دراسة علمية حديثة الجهات الوقفية ذات الاستثمارات الكبرى أن تُعنى عناية فائقة بتطبيق الضوابط الشرعية المتعلقة بالأوقاف وأن تلتزم بها، وأن تحرص على تفعيل عناصر الحوكمة لديها، ونشر قوائمها المالية لعموم الناس، وأن يكون عملها عملاً مؤسسياً؛ فإنَّ هذا أدعى لقطع أطماع الفاسدين، والنهوض بالوقف لتحقيق الغاية المنشودة منه في سد احتياجات المجتمع المسلم واعتزازه.
وأكدت الدراسة العلمية المعنونة ب»الصناديق الاستثمارية الوقفية.. دراسة تأصيلية تطبيقية « للباحث الدكتور محمد بن خالد بن محمد النشوان الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء بالرياض أن هناك حاجة ماسة لمزيد عناية بتأصيل ما يتعلق بالأوقاف الاستثمارية، من جهة تحرير الضوابط الشرعية فيها، وبيان الأحكام التي تختص بها وتفارق الأوقاف العينية، والأوصاف المؤثرة فيها، والمقاصد الشرعية التي ينبغي أن تتغيَّاها، خصوصًا مع انتشار كثير من الصيغ الاستثمارية الوقفية، وتجدُّدها، وتنوع مصارفها، وارتباطها بعدد من المسائل المالية والمحاسبية؛ كتغير قيمة الأصل الموقوف، ونسب إهلاكات الأصل السنوية، ونسب التضخم، وأثر بعض المعايير المحاسبية على الوقف؛ ولذا فمجال البحث والدراسة في هذا الباب ما زالت قائمة، ولا أعرفُ دراسة جادة قامت بالتأصيل لموضوع الأوقاف الاستثمارية على النحو السابق.
وأوصت الدراسة الباحثين بمزيد التأني والتأمل في معالجة مسائل الأوقاف،
لاسيما ما يتعلق باستثمارها والتصرُّف في أعيانها ونحو ذلك، لأنه مع الأسف وقع من بعض المعاصرين التوسع في اعتبار المصالح والمقاصد، وافتراض المنافرة بينها وبين الأحكام الجزئية المقررة في باب الوقف!، مع أنَّ المقاصد الشرعية في الأصل تعتمد على تفاصيل الأحكام الجزئية، تقوم عليها، ولا تنكرها، فضلاً عن الاحتجاج بالخلاف الفقهي في بعض المسائل، مما نتج عنه عند بعضهم خلط في بناء كثير من الأحكام الشرعية التي تخالف مقصود الوقف والأحكام المقررة فيه، وما يستتبع ذلك من التلفيق الفقهي تارة والتناقض في الاستدلال تارة أخرى، مشيرة الدراسة إلى أن بعض فقهاء الشافعية قد سجل هذه الملاحظة والإشكال قديماً، ففي مسألة الوقف على جهة لا تظهر فيها القُربة؛جوّز بعضُهم صحته على الأغنياء، وبطلانه على اليهود والنصارى، وقطاع الطريق.. ونحوهم. جاء في «بداية المحتاج»: «قال ابن الرفعة: وما استحسنه ببادئ الرأي) (غير) صحيح، وهو خلاف قول الأصحاب كافة؛ فإنه ناظر في الأغنياء لقصد التملك، وفي أهل الذمة لقصد القُربة، وهو كإحداث قول بعد اجتماع الأولين على قولين، ولو كان الأمر كما قال في اليهود والنصارى لكان الوقف عليهم معصية، وهو بخلاف قول الأصحاب، كما أوصت الدراسة الجهات المشرفة على الأوقاف بتوسيع دائرة إرادة الواقفين واحترامها، وعدم التدخل في أوقافهم إلا عند وجود المقتضى الشرعي، وكذا تسهيل إجراءات إثبات الأوقاف وتسجيلها، والتوسعة في الصيغ الوقفية متى ما كانت مشروعة، وعدم حجرها أو التضييق عليها؛ لما يترتب على ذلك من فتح أبواب الخير المتنوعة، وتحقيق المقصود الشرعي من الأوقاف.