العمل التطوعي بمنهجه الاجتماعي والإنساني يعتبر سلوكاً حضارياً ترتقي به المجتمعات والحضارات منذ قديم الزمان، بل هو رمز للتكاتف والتعاون بين أفراد المجتمع، حيث ارتبط العمل التطوعي ارتباطاً وثيقاً بكل معاني الخير والعمل الصالح عند كل المجتمعات البشرية منذ الأزل وذلك باعتباره ممارسة إنسانية لذا فهو حقيقة ليس مقتصراً على ديننا الإسلامي فقط, فكل سلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة صادقة ببذل الجهد أو الوقت أو المال أو الفكر في خدمة المجتمع دون أن يُفرض عليه، ودون انتظار عائد مادي مقابل ذلك فإنه يصنف أنه عمل تطوعي.
في الولايات المتحدة يصل عدد المنظمات غير الربحية إلى 1.5 مليون منظمة، ثلثاها منظمات خيرية، و48 % منها قائمة على أساس ديني، وتضم 90 مليون متطوع في جميع التخصصات, في بريطانيا الجمعيات التطوعية تتجاوز الـ 300000 جمعية. وأعداد المتطوعين يقدر عددهم بما يفوق الـ 23 مليون متطوع، وفي كندا 161000 منظمة تطوعية وأكثر من 12مليون متطوع، وفي كندا 91 % من سكان كندا الذين تتجاوز أعمارهم 15سنة مشاركون فاعلون في العمل التطوعي، وفق إحصاءات سنة 2018م.
أما في ديننا الإسلامي فنحن لنا السابقة في العمل التطوعي لأننا ننطلقُ فيه مِنْ نِصوصٍ شرعيَّةٍ بالقرآن والسنة تحثُّ عليه وتدلُّنا على الخير وترتب عليه الأجر من الله عز وجل وتلكم لعمري هي السمة السامية التي يرتجيها كل مؤمن, أضف إلى ذلك فإن العمل التطوعي في الإسلام دليل كبير على صفاء معدن صاحبِه ونخوَتِه وعاطفته ولُطفِه.
كما أن الإرث الإسلامي حافل بنماذج مضيئة في فعل الخير وبذل المعروف والتطوع في سبيل الله, فهذا نبي الله موسى بعد أن خرج من مصر وتوجه إلى مدين كان أول شيء قام به هو أن يتطوع في مساعدة ابنتَيْ شعيب في سقاية الماء. وكذلك قام الخضر بترميم جدار اليتيمين ليحافظ على الكنز الذي تركه لهما والدهما، حتى يبلغا ويشتد عودهما ويقوما باستخراجه بعد ذلك في الوقت المناسب. وهذه خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها بذلت جهدها ومالها في مؤازرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال عنها (وواستني في مالها إذ حرمني الناس).وتلك الأمة السوداء التي كانت تقم (تنظف) المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام فقيل له: إنها ماتت فقال: «فهلا آذنتموني» فأتى قبرها فصلى عليها.
اليوم رؤية 2030 من أبرز أهدافها المفصلية الوصول إلى (مليون متطوّع) من خلال منصة تطوع التي تعتبر حاضنة لعدد مهول من الفرص التّطوّعيّة وذلك لتوفيرها قاعدة بيانات للمهتمين بتحسين مهاراتهم القياديّة أو التّطوّعية في المجتمع.
ورغم تلكم الجهود المبذولة والمدعومة لإحياء هذه الفضيلة الكريمة بين أفراد المجتمع إلا أن هناك ضموراً بدأ يدب في أوساط الأفراد وخاصة الشباب حتى وأصبحت مقولة (ما فيه شيء بلاش) تتردد بين الأذهان وتلوكها الألسن حتى في أعمال الخير الخالصة مثل جمعيات تحفيظ القرآن والجمعيات الخيرية غير الربحية، خرج لنا جيل للأسف يبحث بسعار ويجري كالمجنون وراء المادة بشكل عجيب ضارباً بالقيم والمبادئ التي تحث على التطوع عرض الحائط وأذكى تلكم الخصلة الدخيلة علينا ذلك النهج الذي تنتهجه بعض الجمعيات الخيرية والمؤسسات غير الربحية في تحجيم وتقليص فرص التطوع واللجوء العمل بمقابل, نعم نحتاج أن نعمق في نفوس كل فرد من أفراد المجتمع بأن التطوع هو شعارنا ودثارنا كمسلمين ونحن أولى به من غيرنا بحاجة إلى أن نوطن في دواخلهم أن العمل لله والتطوع هو الأساس وهو المنهج الذي يربي فينا الأخلاق ويكبح من شهواتنا اللاهثة خلف حطام الدنيا وأننا نحن كبشر بالفعل محتاجون لعمل تطوعي يطهر أجورنا الوظيفية التي يعتريها النقص ويكتسيها التقصير، بحاجة إلى أن يكون لنا ورد تطوعي من الأعمال الخيرية نساعد به محتاجاً ونسعد به حزيناً ونفرج به مكروباً وحينها سترى أثر ذلك من البركة العميمة التي تشملك في مالك وأهلك وحياتك جمعاء, واسمع ماذا قالت أمنا خديجة رضي الله عنها وهي تواسيه وتعلم أثر هذه الأعمال على حياته حين دخل عليها فزعاً من غار حراء فتخبره بقولها «كلا، والله لا يُخزيكَ اللهُ أبدًا، إنك لتصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحديثَ، وتحمِلُ الكلَّ، وتكسِبُ المعدومَ، وتُقرِي الضيفَ، وتُعينُ على نوائِبِ الحقِّ».