ميسون أبو بكر
تُقنا منذ زمن طويل لرؤية الباحث والرحالة الدكتور عيد اليحيى على القناة السعودية الرسمية في برنامج خاص يطلعنا به على حضارة المملكة العربية السعودية وبصماتها في مناطقها المترامية على مساحة قارة، بأسلوبه الجميل المحبوب، ولا أخفي قرائي الكرام أنني في لقائي به في برنامج «عين ثالثة» على القناة السعودية قبل خمسة أعوام والذي كان محط اهتمام الملك المؤرخ سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله. ناقشت مع اليحيى فكرة إطلالته على قناة رسمية يتابعها من تهفو أفئدتهم لهذه الأرض الطيبة ويتعطشون لتاريخها.
«ديوان المدينة المنورة» برنامجه على الشاشة السعودية والذي يُعرض محتواه لأول مرة عبر التاريخ الإسلامي؛ وجد صدى واسعًا لمتابعيه والباحثين في الوطن العربي، وهو بصمة تُحسب لهيئة التلفزيون أن تضم هذا البرنامج لباقتها الرمضانية بخاصة أنه عن مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم، ويحكي حضارتها عبر مئات السنين، ويتناول خط الديوان الذي كُتبت به النقوش على صخورها المحيطة بغدير رُواوة كما ذكرت الحلقات الخمس الأولى، وهذا الغدير هو متنزّه أهل المدينة قديماً ترك من سكنه أو مرّ به كتاباتهم من رجال ونساء وشرائح المجتمع كافة، حيث يضم هذا الغدير كما ذكر ضيف اليحيى الباحث في تاريخ المدينة محمد المغذوي في جنباته أكثر من 365 نقشاً إسلامياً.
المخطوطات الصخرية لها نسخة واحدة فقط وكان بعضها يعد بمثابة صك لأراضٍ وممتلكات، والآخر مدونات صخرية تحمل قصصاً تاريخية وأسماء وآيات وأحاديث وأدلة على التاريخ بالخط المدني، وهو خط العرب قبل الإسلام، كما ذكر الدكتور عيد.
الحروف رسمت رسمًا بجمالية عالية حولت الصخر للوحات فنية جمالية جسد عليها الناقش مشاعره بشكل جعل للحروف صوتاً، وكان في طريقة كتابته بين مد الحروف واختصارها وكأنه يرسم مشاعره وحالته النفسية وخشوعه بين دعاء يطلب فيه رحمة ربه أو مغفرته وثقته به.
البرنامج محتوى ثري ومعلومات لا يعرفها إلا ندرة في عالمنا العربي خرجت من بطون الكتب والمؤرخين لتاريخ المدينة، وقد تغفر لبعض الأخطاء الإنتاجية التي يمكن تلافيها مع الميزانيات الضخمة المتوفرة للتلفزيون ولإنتاج البرامج ليناسب ما تقدمه رؤية المملكة ومكانتها؛ ويتواكب مع بقية المؤسسات والجهات الأخرى التي أبدعت في سعيها في ركب التحول الوطني.
ونحن أبناء التلفزيون المخلصون له الذين حفروا في الصخر في زمن كانت فيه الإمكانيات بسيطة جداً، نأمل اليوم أن يقدم التلفزيون السعودي أعمالًا مبتكرة وبرامج ذات محتوى كبرنامج اليحيى وضيوفاً ترتقي بهم الشاشة السعودية، كما برامج لا تعد تقليدًا لبرامج قنوات أخرى وتعتبر نسخاً مكررة بمسميات مختلفة.