أ.د.عبد الله بن سليم الرشيد
قبل نحو سبعة عشر عامًا (في منتصف العام 1426هـ) كُلّفتُ رئاسةَ قسم الأدب في جامعة الإمام، فالتفتّ إلى من أعرف في القسم؛ لأستعين به في العمل وكيلًا للقسم، فلم يطرأ في ذهني سوى اسم محمد القسومي.
وكنت مدركًا ما يختزنُ من قدرات إدارية شهدت بها أروقة الكلية، وطمعتُ في أن يكون هو الرِّدْءَ والعونَ في ذلك العمل الإداري غير الهيّن، وتطلعتُ إلى استجابته، فما هو إلا أن استجاب، غير متلكّئ، ولا متردّد، تحقيقًا لمرادي، لا طمعًا في تولّي بعض أمور القسم، وليس فيها ما يُطمَع فيه، إلا مراعاةَ الخواطر المتقلّبة، ومداراةَ النفوس المُسْتَحْظِية (أي التي تطلب حظوظها)، ولكنّ نفسه الكريمة، ونُبله المشهود أبَيَا عليه إلا أن يحقق طلب زميله.
كان الدكتور محمد القسومي قد تولى بعض الأعمال الإدارية في الكلية قبل ذلك، فاكتسب مهارات ليست عندي، فكان حظّي به عظيمًا؛ لأنه كان يوجّه بالاقتراح، وينتقد بالاعتراض اللطيف، غير مُسِفٍّ ولا مسيء، ودون أن يُشعِرَني بخطئي، فكنت أتعلّم منه الحلم، وأكتسب الحنكة.
كنت أقول له: (أنت للرقّة واللين، وأنا للشدّة والحزم)، لا أقوله ليكون كذلك، بل كنتُ أصف طبيعتَينا، إذْ كنتُ ذا زَعَارَّةٍ ومُشارّةٍ ومُماظّة (والحمد لله على كل حال)، وكان هو ذا بشاشة وسماحة ولين، وبهذا التخالف بين خُلُقينا سارت أمور القسم، ولو كنا سواءً لما حمِدنا بعض ما أنجزنا إبان تلك المدة التي استمرت ثلاث سنوات.
وبعد أن غادرت كرسيّ الرئاسة، اقتعده أبو أمين، فدفع به إلى الأمام خطواتٍ وِساعًا، وأحدث فيه حَراكًا محمودًا، فاستزار أساتذةً مرموقين، وهيّأ لطلاب الدراسات العليا برنامجًا حافلًا بالجديد الرفيع.
محمد القسومي شخصية جمعت القدرةَ الإدارية والجِدَّ العلمي، وحبَّ الكتاب وأهلِه، ومكتبتُه الخاصة شاهدة بذلك، وهو من الأساتذة الجامعيين الذين يتابعون الجديد متابعة الشغِف المتطلّع، فهو لا يفتأ يقتني ما يجدّ في الدراسات النقدية؛ ليطالعه، ويكون منه على بيّنة، مضيفًا به إلى رصيده الوَفْر، ومرارًا أهداني بعضَ ما وجد منه، وعنده -من بعدُ- اتصالٌ واسع بالتراث العربي، ومعرفة رحبة بالأدب الحديث، وإتقان لأصول علوم العربية، واهتمام بها، وإثارة لمسائلها، ولقي منه تلاميذه الذين أَشْرف على أطاريحهم - وهم الذين شهدوا له بذلك-دأبًا في المتابعة، ورحابةَ صدر في التوجيه، وتشجيعًا للمنجِز، وأخذًا بيد المتعثّر.
إذا كان بعض الناس منابع للخلق الكريم، فمحمد القسومي واحد منهم، متّعه الله بالعافية، وأسبغ عليه نعمه ظاهرةً وباطنة.
** **
قسم الأدب - جامعة الإمام