علي صالح علي الفهيد
الصورة الورقية الشخصية أو الفوتوغرافية أو الشمسية كما تسمى هي ظلال الإنسان، تحمل في تفاصيلها شيئاً من تفاصيله من أشكال وألوان ومشاعر وعواطف وانفعالات.
أتذكر في طفولتي في نهاية السبعينات الميلادية أن الناس في منطقتنا الشرقية كان يسمونها عكس، وكذلك سمعتها في بعض المسلسلات الخليجية القديمة، ولعلها مأخوذة من اللغة الفارسية بالمعنى نفسه فيها.
كان الناس حينها مشغولين بالبحث عن أرزاقهم فلم يعبؤوا بالتصوير، بعضهم نظر إليها نظرة تحريم شرعي لورود أحاديث نبوية تحرمه حسب فهم واجتهاد بعض الفقهاء منها قوله صلى الله عليه وسلم: «من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ». ولاختلاف الفقهاء في حلية وتحريم التصوير نظر إليه الأكثرية نطرة إيجابية، فأدرك بعضهم أهمية الصورة والتصوير، فبادر بعض الميسورين باقتناء الكاميرات الشخصية لتوثيق المناسبات الاجتماعية خاصة الأعراس، وارتاد بعضهم محلات التصوير لالتقاط الصور التذكارية أو الشمسية، واعتبره بعضهم شيئاً كمالياً وغير مهم التقاط العكوس!
أتذكر في بداية الثمانينات الميلادية كنا نذهب لحديقة الملك سعود في سوق الدمام لالتقاط الصور الفورية من قبل العمالة اليمنية المتجولة بكاميرات كوداك المشهورة والصورة الواحدة بخمسة ريالات.
إن أكثر من تعدى الخمسين عامًا منا لا توجد عندهم صور شخصية غير الصور الرسمية بالأبيض والأسود مقاس 4x6 انجبروا على أخذها للتسجيل في المدارس، أو لوضعها في الشهادات المدرسية أو لمراجعة الإدارات الحكومية، مثل: الأحوال المدنية والجوازات.
وبعد الطفرة في بلادنا حرص الكثيرون على اقتناء الكاميرات الفورية أو التحميض؛ لتوثيق المناسبات والأحداث، وفي التسعينات ظهرت الكاميرات الرقمية فازدادوا حرصاً أكثر؛ لحرية اختيار الصور وطباعة ما يناسبهم ولن يحترق شيء منها.
مع بدء دخول جوالات الكاميرا في 2005 أخذت الصور الورقية اتجاهاً آخر وتبدلت من صور مناسبات ورسمية غالباً إلى صور لحظية أو «سيلفي» كما يقال تؤخذ في كل وقت ومكان، ومن صور تطبع وتحفظ في ألبومات إلى صور رقمية تحفظ في ذاكرات إلكترونية أو في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تطبع، وتضيع بفقدان الجوالات والذاكرات.
إن الصور خاصة الورقية حين نمسكها ونتأملها ونتمعنها في الألبوم لها تأثير أقوى من الصور الرقمية على النفس والوجدان والروح والقلب، وأكثر جمالاً في العين، ونتفاعل معها أكثر، تختصر الأحداث بإيحاءاتها وألوانها وتفاصيلها، قد تحكي شيئاً من سيرتك فتفتح شريط الذكريات، وقد تفتح جروح الزمان والمكان، فوراء كل صورة حكاية، والصورة بألف كلمة، وهي وثيقة تاريخية ينبغي الاهتمام بها وحفظها وتوثيقها.
كم من زملاء دراسة أو عمل زاملناهم، أو شباب في الحارة لعبنا معهم، أو أصدقاء سافرنا معهم وجمعنا بهم عيش وملح، أو معارف عرفناهم وبعد أن بلغنا من العمر عتياً وتقاعدنا، ننسى أشكالهم وصورهم لكننا حين نفتح ألبوم الصور القديمة ونشاهدهم سرعان ما نتذكرهم ونتحسر على أيام كنا معهم ومرت كطيف أحلام، فللصور الورقية لون وطعم ورائحة مغاير عن الصور الرقمية!
إن أجمل صورنا تلك الصور التي لم نلتقطها بعد، وكم تأسفنا على ذلك، صور الطفولة والصبا والمراهقة والدراسة فلا تبخلوا على طبعها ورقياً إن وُجدت.