علي صالح علي الفهيد
الصغار أحلام الكبار، بهجة الدنيا وزينتها، جيل اليوم، شباب المستقبل، صغار اليوم، كبار الغد، نكحل مقلنا برؤيتهم فتقر عيوننا، ندعو لهم، ونتمنى أن يكونوا خير خلف لنا.
جنت عليهم المدنية المعاصرة في العشرين سنة الأخيرة أكثر بكثير مما جنته عليهم قبلها في جميع المجالات المادية والمعنوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وغيرها. ومن أبرز جنايتها عليهم الإهمال الأسري والاجتماعي والتربوي، وممارسة العنف المبالغ فيه عليهم غير المبرر باعتباره خير وسيلة لتربيتهم ورعايتهم حتى غصت المحاكم بقصص أطفال معنفين يندى لها الجبين مثل: قصة الأم التي رمت طفليها الأقل من ثلاث سنوات من فوق جسر الأئمة في نهر دجلة انتقاماً من طليقها!
من جنايتها عليهم عدم تعويدهم على روح المسؤولية بالحد المقبول مما أوجد أجيالاً هشةً ورخوةً في تعاملاتها مع الأحداث، سريعة الملل، غير صبورة، غير مبالية.
ومن أبرز جناياتها عليهم التحرش الجنسي وهي قضية مسكوت عنها، لم تناقش جدياً في عالمنا العربي خاصة.
ومن جنايتها عليهم المبالغة في إنتاج وتصدير الألعاب الإلكترونية، وإغراقهم في بحورها ومحيطاتها لدرجة أنهم أصبحوا لا يعرفون الألعاب الحركية والرياضية، ولا يعرفون اللعب مع بعضهم بعضاً إذا اجتمعوا! أدمنوا عليها فأصبحوا ضحية للكسل، والسمنة المفرطة، ومشكلات جمة لا تعد ولا تحصى.
ومن جنايتها عليهم عدم تقنين خدمة الإنترنت عليهم، وإشراكهم في مقاطع وسائل التواصل الاجتماعي برضاهم ومن دون رضاهم تبعاً لأهواء الكبار حتى تغيرت أحلامهم وأمنياتهم من الطب، والهندسة، والطيران، وغيرها إلى تمني أن يصبحوا من مشاهير التواصل الاجتماعي (يوتيوبر) ومشاهير الألعاب (قيمر) التي لا طائل منها سوى التسلية وتزجية الوقت.
ومن جنايتها عليهم جعلتهم دروعاً بشرية، وجنوداً مجندة في أتون حروب مفتعلة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وإشراكهم في العمليات الإرهابية والانتحارية بعد غسل أدمغتهم!
ما ذكرته غيض من فيض مما جناه الكبار على الصغار باسم المدنية الحديثة التي كان يتوقع منها أن توليهم اهتماماً مضاعفاً نظراً لتطورها الصاروخي في علوم التربية والنفس والاجتماع والطب وغيرها الآن أكثر من الأزمان السالفة. وقد تنبأ بشيء من هذه الجنايات الشاعر الكويتي فهد العسكر في قصيدة نظمها عام 1936 بقوله:
أطفالنا اتخذوا الشوارع مسكناً
أفينبغي أن نهمل الصبيانا؟
آباؤهم لا يرحمونهم ولم
يجدوا بصدر الأمهات حنانا
هذي جرائمنا وهل أربابها
يرجون بعد الصفح والغفرانا؟