أبها - المحرر الثقافي في النادي:
طرح نادي أبها الأدبي الأربعاء الماضي محور تجارب الإعلام الثقافي في المملكة العربية السعودية على طاولة النقاش عبر برنامج زوم، مستضيفا الدكتور إبراهيم التركي، والأستاذ عبدالعزيز العيد، وقدم أمسية النقاش رئيس مجلس إدارة النادي الدكتور أحمد مريع الذي قدم ضيوف النادي ومحور الأمسية، واصفا المحور بالمهم، وترأست الإعلامية ميسون أبوبكر إدارة اللقاء.
أسئلة عديدة
رأت الإعلامية ميسون أبوبكر أن هناك عددا من التساؤلات يجب الإجابة عنها لفهم الإعلام الثقافي ومدى الاستفادة منه، وقالت: هل أنصفت وسائل الإعلام المبدع، وهل استجاب المبدع لهذه الوسائل؟ هل عبرت عن قضايا الثقافة، وهل كانت أمينة في نقل المشهد إلى الجمهور؟ وهل المشتغلون بالإعلام الثقافي متخصصون أم عابرون؟
حالة الثقافية
وصف الدكتور إبراهيم التركي بأن الوقت الحالي هو حالة الثقافية، وأننا نعيش في المرحلة المضادة للثقافة، ورأى أن ذلك طبيعي استقاءً من تجارب ممتدة خلال الفترات الزمنية المتعاقبة بعد انقضاء صحافة الأفراد وخفوت صحافة المؤسسات والالتفات في الإعلام المسموع والمرئي عن البرامج الثقافية.
وأكد أن الثقافة اليوم تعيش على هامش الاهتمام الإعلامي بعد أن كانت سبباً في ظهوره عبر منابر متعددة تبناها وشكلها المثقف، وأن الثقافة اليوم تحتل الترتيب الأخير في قائمة الاهتمامات الإعلامية، وتعيش الصحافة الثقافية اليوم على التنفس الاصطناعي الذي لا يتوقع استمراه، ولعله مفترق طرق بين الحالة الثقافية السابقة والمضادات الثقافية الحالية.
أداء واجب
استدل التركي على ضعف الاهتمام بالثقافة في وسائل الإعلام بالمقارنة بين الكمية الكبيرة من البرامج الثقافية التي كانت تًقدم في الإذاعة سابقا مقارنة بما يتم تناوله اليوم في كل الإذاعات، مشيرا إلى أن ما تقدمه الصحف اليوم على مستوى الثقافة هو أداء واجب لا أكثر، وأن واقع اليوم لايمكن مقارنته بما كنا نعيشه خلال فترة الاهتمام الصحافي سابق بالثقافة، وحينما نستعرض التاريخ الثقافي فإننا سنكتشف أننا نقف في نقطة غير مضيئة على هذا المستوى، وقال التركي: إن الصحف الورقية اليوم تؤذن بوداع، وأن التحول إلى الصحافة الرقمية قد يضمن وجود المادة الصحفية لكنه لا يضمن بقاء المؤسسات كما وعيناها وعهدناها.
المثقف لا يَرضى وقد لا يُرضي
قال التركي في رده على سؤال أبوبكر حول كيف يمكن للثقافة أن تعيش برئة طبيعية وتعيد بريقها بقوله: المثقف بالعادة غير مرضي عنه، لا اليوم بل منذ القدم ضاربا مثالا بوصف انطوان سعادة للمثقفين حينما أسس الحزب السوري القومي الاجتماعي قبل أكثر من سبعين عامًا بأنهم لاينفعون في شيء وأنهم بوهيميون وأهل كلام لا أكثر، ورأى التركي أن المثقف هو سبب تضاؤل دوره بوضع شخصيته في هذا الإطار السلبي، وأن السبب الثاني هو إسقاط النخبوية وبروز الشعبوية والتطبيل والتصفيق لها على حساب المثقف الحقيقي مطالباً بعودة النخبوية الموضوعية، مؤكداً على ضرورة دعم الشباب بشكل جيد على المستوى الثقافي، أما السبب الثالث فهو المتغير التقني الذي يطغى الآن على المشهد الثقافي، وقال إن الأندية الأدبية لم تعد بيت المثقف كما كانت في السابق.
المثقفون شكاؤون
اتهم التركي المثقفين بأنهم شكاؤون ويلتفتون دائما إلى النقاط السلبية بدرجة أساسية، وأنهم يتحملون مسؤولية هدم الجسور الثقافية ووسائطها بينهم وبين حضورهم وجمهورهم والفعل الثقافي بانتقالهم إلى الشعبوية (الموضوعية) حتى صارت الثقافة رخوةً وهامشيةً دون فعل وتفاعل، ولم نعد نجد النخبوية الجادة النضيئة المضيفة إلا عبر بعض الوسائط التقنية، مشيرا إلى أنه لا معنى للسلطوية الثقافية كذلك فلا تتبدل الأمور بقرارات بل بإرادات، وكذلك فإن الرقابة والثقافة لا يلتقيان على الإطلاق لأن الثقافة فضاء حر، وأشاد بما نلمسه الآن من قرارات جيدة في نظام فسح الكتب من الخارج واختلاف الرقابة عن الماضي، والسؤال الآن هو هل بقيت ثقافة يُحتفى بها؟
لا ثقافة بلا إعلام
قال الأستاذ عبدالعزيز العيد: إن الثقافة في الإذاعة والتليفزيون لم يكن لها قسم متخصص مطلقاً، بل ملحقة بقسم الأحاديث الثقافية تتيح للمثقف المشاركة في دقائق لاتتجاوز السبع دقائق لمدة أسبوع في حديث الصباح وحديث المساء، وهنا نتساءل هل كان ذلك إهمالاً أم عدم اعتراف؟ أما في التليفزيون فلم يكن هناك أيضاً قسم مخصص للبرامج الثقافية، وكانت الثقافة في قسم البرامج الدينية ثم في فترة الأستاذ طارق ريري ألحقت بإدارة البرامج ولكنها لم تكن مستقلة بشكل كامل، أما في الصحافة فقد كانت دائما متميزة بوجود الأقسام الثقافية ومنها القسم الثقافي بصحيفة الجزيرة على سبيل المثال، لافتاً إلى أن هذه الأقسام الثقافية مازالت تقاوم حتى اليوم، ومشيراً إلى أن الإعلام الثقافي يفتقد إلى الأسماء اللامعة لاستعادة بريقه السابق، وإلى أن حقوق الملكية الفكرية في الوطن العربي لازالت متأخرة، وأن المثقف يعاني من هذا الفقدان بعكس وجودها في أوروبا مثلاً.
لا ثقافة بلا قناة ثقافية
استغرب العيد إغلاق القناة الثقافية السعودية وما كانت تقدمه من تغطيات للمناسبات الثقافية كمعرض الكتاب ومهرجان الجنادرية وسوق عكاظ وغيرها من المناسبات وإن كانت غير كاملة إلا أنها كانت تقوم بدور مهم على هذا الصعيد، واصفاً القناة الثقافية بالقناة اليتيمة التي لم يتم الانتباه لها أو دعمها بشكل جيد، مشيرًا إلى أن من أصدر قرار إغلاق القناة لم يوافق معايير الإعلام، ولابد أن يُساءل عن سبب قرار إغلاقها خاصة وأن رؤية السعودية 2030 بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قائمة على الثقافة والفنون بدرجة أساسية، وكيف أن الثقافة ترفد هذا الرؤية بالمنتج الثقافي والفني كجزء من السياحة والحديث عن ثقافة البلد وفنونها وأدبها وحركة النشر فيها!
ورأى العيد أن القناة الثقافية يجب أن تعود تحت أي مسمى تحت مظلة وزارة الثقافة السعودية، وتبدأ من الصفر بفريق مناسب للفعل والهم الثقافيين ومنتسباً للثقافة.
نخبوية وشعبوية
اتفق التركي والعيد على أن الشعبوية لا تعني ثقافة ضعيفة مطلقا، وأن الشعبوي أيضا قد يقدم ثقافة معتبرة ولهاقوتها وحضورها في الشارع، إلا أن التركي أشار إلى أنه لابد من العودة إلى النخبوية الموضوعية لأن الطرح الشعبي الآن يعتبر مضيعة مع ضرورة التصاق المثقف بشخصه بنبض الشارع والبقاء بالقرب من همومه واتجاهاته، فيما يرى العيد أن الثقافة الشعبوية هي محور مهم تعبر عن التحولات الحالية في الشارع ولابد من التماهي معها.
الثقافة صناعة
أكد رئيس نادي أبها الأدبي الدكتور أحمد مريع أن الثقافة في واقعها اليوم هي صناعة، وإذا أردنا أن يكون العمل الثقافي على درجة عالية من الإتقان، فإن حضور الجانب الإعلامي كوظيفة وكمسوق أمر مهم جداً، مشيرا إلى أن فكرة الثقافة كانت مرتبطة بشكل كبير بالتكوين الاجتماعي (الوجاهة) الاجتماعية، إضافة إلى الرموز العلمية التي تعتبرمرجعا علمياً موثوقا تحمل الكثير من التجارب والخبرات، وعبر مريع عن شكه في قدرة منصات ووسائل الإعلام الجديدة مثل سناب شات وغيره على صناعة وإنتاج قدرات ثقافية فردية أو مشاريع ثقافية حقيقية.
مساواة ظالمة
رفض مريع المساواة بين المثقف الذي أفنى حياته في البحث والتأليف واعتماد المصادر الموثوقة وبين مشاهير السوشال ميديا تحت أية حجة، قائلا: المثقف الحقيقي يعاني الآن من الغياب والعزلة، وللأسف نحن من نعزله حين نساوي المثقف الذي كون آراء ومواقف وخسر بسببها علاقات أو مكاسب ما على أرض الواقع وبين من يظهر الآن لتسويق إعلانات، والمزعج أن يراهما بعضهم في منزلة واحدة.