عبده الأسمري
لا يستطيع مخلوق أن ينكر ذلك الصوت «المدوي» في داخله و»الصدى» القوي في أعماقه.. هذا الشعور الذي كلما استشعره الإنسان جعله يبحث عن حيل دفاعية بائسة لإسكاته أو لإنهائه أو أفكار هجومية لتثبيته أو إثباته فنراه يبحث عن «التبرير» في سلوكيات لاحقة و«التقدير» لأفعال ماضية.. وما كان ذلك إلا صوت «الضمير» وصدى «التفسير» لسلوك ماض أو حاضر أو متوقع.. فيكثر الإقدام والإحجام والإعجاب والارتياب في صراع بين القبول والرفض وبين الرضا والندم وهذا أول خيط لجبهتين من الفوائد والمصائد لتبقى الشخصية الإنسانية في جبهة داخلية وخارجية وتفكير وتدبير وتسخير لإنهاء متاعبها وهنالك من ينجو بالخير فيسعد ويسقط بالشر فيشقى..
شريط «الذكريات» قدر يومي يقتفي أثر النفس ويرصد تأثر الذات فيكون الإنسان في تباين بين استلهام للماضي والهام للحاضر وتفاوت وسط نكوص للأمس أو استسلام لليوم واختلاف بين حنين للفائت ويقين بالواقع فتكثر «دوائر» الحيرة التي تجعل الإنسان بين «بصيرة» المثابرة و»سريرة» المكابرة.. فتتحول الذاكرة إلى «قاهرة» تهزم «النسيان» أو «زاهرة» تنصر «الإمكان».
في عمق «الإنسان» الكثير من الملفات «الماكثة» في أرشيف مقترن به وبحياته وتفاصيلها وعمره ومراحله فمنذ تلك «اللحظة» الأولى التي بات «العقل» فيها يميز المشاهد الحياتية والذاكرة تخزن «المواقف» وتختزن «الوقفات» وتتشرب «الفرح» وتؤصل «الحزن» وتحفظ «الوجوه» وترسخ «الأماكن» وتثبت «التجارب» وتعزز «الخبرات» كل ذلك في «جهاز» عقلي معقد التركيب متشكل الخلايا منوع المهام دقيق التسجيل.. ليبقى السلوك مرتبطاً بذاكرة مكتظة بعناوين عريضة وتفاصيل دقيقة..
محاسبة «النفس» شعور خليط بين «الاختيار» و«الإجبار» وفق سمات «الذات» ليبقى مسلكاً سرياً يجعل من إعادة حسابات «التعامل» برنامج يومي يعيد للإنسان توازنه في «خلل» التعاملات ويكفل للشخص اتزانه في «جدل» الخلافات حتى تظهر الصورة الصحيحة وسط «شوائب» الاستعجال وبين «رواسب» الاتكال في محيط شعوري يجعل الشخصية الإنسانية في نزاع بين التمهل والتهور والسواء والسوء.
يعيش الإنسان بين غلبة «الانتظار» وتغليب «الانتصار» في صراعاته مع الذات وهو في ذلك بين مصيرين من الاعتزاز بالنفس توهماً أو الإنجاز بالفعل حقاً.. وفي ذلك تختل موازين «الرأي» لديه ما بين ذاتية اختيارية أو موضوعية واجبة.. فإن اختار ميول ذاته دون الاتزان في تقدير الأمور تورط في أفعال تعتمد على «الهواية» أو أعمال تتعامد على «الأهواء» وأن استقر في مستودع «العدل» مضى إلى سلوك ينبع من «الاعتدال» وسار إلى مسلك يتجه نحو «الامتثال»..
تشبث النفس بالحياد منطلق يفضي بها إلى حيث «السداد» لذا فان الإنسان على ثغور حياتية مختلفة تقتضي «التروي» وتحتم «التدبر» فالبشر في موازين «التعاملات» خليط بين مصائد «ابتلاء» ومكائد «امتحان» وفوائد «تجارب» وعوائد «عرفان» والكل ميسر لما خلق له.. لذا فإن المضي في دروب الحياة يحتمل «النجاة» و«السقوط» أو «الزعزعة» بين الاثنتين وفي كل حالات المسالك يبقى العاقل خصيم نفسه والجاهل عدو غيره.. وتظل العبرة بالحساب الذاتي الذي يتيح فرصاً للتعويض ومجالاً للتغيير في ظل احتماليات وافتراضات وتوقعات لندم وتأنيب في حال البقاء في متاهات «التخاذل» أو منحدرات «التغافل».
الحياة «محطات» فيها اتجاهات متاحة للاستزادة بالعبر والعمر «مراحل» فيه تجارب حتمية للاستفادة بالجبر والبشر في ذلك بين أبعاد ثلاثية للزمن بين ماض فائت وحاضر حتمي ومستقبل غيبي فمن الأمس نتعلم الخبرة ومن اليوم نستسقى العبرة وإلى الغد ننتظر الخيرة في أقدار الله.. ونفس الإنسان في تنوع بين الأمارة بالسوء واللوامة والمطمئنة ووسط كل ذلك امتحانات وابتلاءات وعطاءات ومعطيات يبقى الإنسان فيها في ركض بين بصائر ذاتية ومصائر مستقبلية ويختلف الناس خلالها وفق الفروق الفردية في التفكير والتدبير وحالة العيش ومستوى الظروف ومحتوى القدرة لتأتي محاسبة النفس كرهان أول وضمان أمثل على إعادة ترتيب أوراق التعايش مع الأزمات وتنظيم معاني التأقلم مع الصدمات وتخطيط أهداف الوصول إلى الأمنيات وفق منطلقات أساسية من التوكل على الله والأخذ بالأسباب والشكر على النعم والصبر على المحن والتفاؤل نحو المصير والإصرار على الانتصار..