مسلم الرمالي، موهبة تخيلات يشركها الواقع في رحلات السفر، موهبة قصص رمزية تستتر خلف بيئات حكايا خيالية في نص «سنابستان» مدينة الواقع والوهم المنهمر في شلال العواطف الخادعة التي تمارسها العيون والورود الحمراء، وانسكاب القهوة وقت الغروب.
مسلم الرمالي كتب في صمت وبخيال واسع، صمت أحدث ضجيجاً في نفوس سكان الإمبراطورية، دك مسارحهم وساحاتهم النظرة، وأثار أسئلة حرقت برمجيات الحروف والأرقام؛ ليكشف المضمر ويجليه في انفتاح مغري على آفاق التوقع والتأويل في سبر أغوار مكنونات سكان المدينة، التي اختارها نموذجًا في رحلته المتخيلة في مدينة لا تفتقد التعريف، إلا أنها وقعت في خانة الغموض فتشكلت في جملة مبتدأ بلا خبر.
رحلة في محطات العولمة الجديدة التي تسابق الزمن عبر أقنعة متنوعة ومتعددة، تخفي خلفها وجوها أنهكها الحلم وتأمل الأمل، ووجوه بريئة شوهتها الشاشات، ووجوه نالت قيمة أكثر مما كانت، وجوه ووجوه تاهت في عوالم حركة الأصابع بين ضيق الحدث واختزال التفاصيل.
رحلة عنونها بـ «سنابستان» فنتازية بمجموع قصص ترتبط في ذهن المتلقي تألفت من خمسة عشر نصاً قصصياً، مختلفة الطول والمساحة بحسب مجريات كل قصة وشخصياتها. يمكن تقسيمها إلى قسمين وفق سمات نمط بناء الحدث الفنتازي ورحلة المكان الواقعي معنى ولغة، رحلة أفكار يجسدها المكان في فاعلية وحركة يمارسها الكاتب في خياله من حيث إيجابيتها وسلبيتها، يحاول فيها بكل بساطة المزج بين المكان واقعاً فعلياً والمكان متخيلاً بوساطة اللغة، في تشكيل خيالي يفرضه المنطق للأحداث وحركة الشخصيات وعلاقتها مع بعضها في عالمها الخاص الذي نسجه المبدع في فنتازيا حاضنة لهذا التشكيل.
رحلة في مكان يهندس وينسجم مع طبيعة وخصوصية الكلمات «قلعة وادرين» و»وجزيرة وش اسمه» و»قريح» كلمات تتردد على ألسنة شعبية مألوفة تتفاعل مع الحدث والشخصية الوهمية في إطار التعامل مع المكان المعتم الذي تدل عليه تلك الكلمات، في محاولة لربطها بأفعال وأقوال تمارسها شعوب الإمبراطورية «التكنو هياط» و»قريباً»، في هذا الربط يتمحور الحدث حول الشخصية الرئيسة وتفاعلاتها في تصوير الواقع والحيرة في الذات التي تسعى في ممارستها لمحاولة التغيير في نتيجة مسبقة من سلبيتها، سلبية مزجتها الذات في وظيفة الحكي خلف ستار التخيل الفنتازي في واقع وتصوير لمنطق الأحداث ولغة تكشف تعبيراتها «اسكت» و»انتهى» و»عد إلى مكانك» وغيرها من كلمات جعلت من الحياة أكثر خيبة وتفككا.
تفكك يطفو على السطح، رغم عمق دلالة المضمون في إقامة الصلة بين الذات وموضوعها، إلا أن الممارسات السلبية جعلت من الذات كشف مضامينه في تلبس خيال بعيد المدى، وتفاصيل عيوب عاشها ويعيشها العالم، فالفنتازيا قوة دافعة وراء استبطان الواقع -بحسب- تعبير ميلين كلاين، مضامين ربطها في أعماق النص؛ لربط الحاضر بالماضي «المطنوخ» و»الشقردي» على الأجنحة البيضاء والسوداء والحمراء الملونة، وكل لون يحمل معانيه وهويته، في التعبير عن تشكله التاريخي في أفعال الشخصيات، التي اكتسبت دلالات تشع منها عبر الأقنعة والرموز في تجسيد أفكارها وسعيها إلى تحقيق أهدافها عبر وسيلة الفن الفنتازي.
هذا الفن الذي يصنع تشكيل التخيلات في استحالة وجودها، استثمار أفاد منه الكاتب في إشراكه للواقع الافتراضي ليحقق علاقة الرغبة بين الموضوع وقيمته وبين الموضوع وواقعه المؤدي إلى حالة الانفصال، تكشفها تلك القصص الرمزية ومصادرها؛ بوصفها أدباً استعمله الكاتب في طرح سابق لوجوده في محاولة لكشف طبيعة هذا العالم وبنيته المحجوبة؛ ليتخذ موقفه منه.
** **
د. جزاع بن فرحان الشمري - أستاذ الأدب والنقد الحديث - جامعة حائل